رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ياسر ثابت: لست متفائلًا.. الشللية أفسدت الصحافة.. ولا أدين بالأستاذية لأحد (حوار)

ياسر ثابت ومحرر الدستور
ياسر ثابت ومحرر الدستور عدسة :محمد أسد

لم يعد أمام صاحبة الجّلالة من سبيل للعودة عن طريق الغي التي أرُغمت على السير فيه؛ إلاّ بإعلان العصيان على هؤلاء «القاسية قلوبهم» ممَن جنّدوا أقلامهم، وسخّروا كلماتهم يبتغون فضلًا من وليّهم وإحسانا بدلًا من أن يشغلوا أنفسهم بتجديد شباب تلك المهنة النبيلة، أملًا في استعادة مجدها القديم.

حول هموم وأوجاع الصحافة، طرقت الدستور باب الكاتب الصحفي الدكتور ياسر ثابت، في محاولة منها للبحث عن دواء يٌعيد الروح إلى الجسد الصحفي الذي أفسده الهوى وأنهكته الأجواء.

ياسر ثابت يعد واحدًا من أصحاب الأقلام الموسوعية، استطاع أن ينسج بقلمه مؤلفات متميّزة وعلامات إبداعية في المجالات الثقافية والسياسية والرياضية والأدبية كافة، سطّرها ابتغاء وجه الوطن والقارئ.

«ثابت» كعادته يفتح النيران أثناء حوارته، معتبرًا أن «الشّللية» أفسدت هواء الصحافة النقي والثقافة أيضًا طال ما طال صاحبة الجلالة، مؤكدًا في الوقت ذاته عدم تفاؤله بالمستقبل ما لم يرتفع منسوب الوعي والشفافية، وإلى نص الحوار:





◘ ياسر ثابت المولود في ألمانيا والصحفي الذي نشأ في مصر والروائي الذي عمل في الخارج.. كيف أثرت تلك التجارب المختلفة مسيرتك؟

○ بشكل عام أفتخر بأنني نتاج لبيئات متعددة وثقافات متنوعة؛ فتجربتي الصحفية والأدبية تميّزت بالثراء نتاج لعامل ميلادي في قارة، وزادها عُمقا النشأة والتعلم في قارة أخري، وتوّجتها ظروف العمل في قارات مختلفة.

كل تلك العوامل مجتمعة انصهرت مع بعضها البعض، ليخرج عنها توليفة جمعت بين كل هذه الثقافات، أفادتني في التحصيل والتصفح العلمي والمعرفي والأكاديمي، إضافة إلى أنها جعلتني مُلمًّا بأكثر من لغة.

◘ تبقى الصحافة مهنة بلا قلب لا تُعطي كثيرًا إلى مَن يُخلص لها، ترى لماذا جذبتك ندّاهة صاحبة الجلالة دون غيرها من المهن؟

○ أولًا: دعني أسجّل فخري واعتزازي بأنني لم أمارس طيلة حياتي أي مهنة إلاّ مهنة الصحافة بأشكالها المختلفة سواء كانت ورقية أو رقمية وانتهاءً بالصحافة التليفزيونية.

ثانيًا: شغفي وجنوحي نحو الصحافة نابع من كونها الوسيلة الأهم لتنوير المجتمع؛ فالكتابة عن التاريخ المجهول وغير المدون ثقافيا وسينمائيًا ورياضيًا متعة تستهويني، خاصة وأن معظم تاريخنا عبارة عن أحداث سائلة، لذا تجدني مولعًا باكتشاف أنماط جديدة من الكتابة عبر بوابة صاحبة الجلالة.

◘ لماذا اختار قلمك الاشتباك مع قضايا التاريخ السائلة دون غيرها من الموضوعات؟

○ منذ البداية وأنا أبحث دائمًا عن الأشياء المسكون عنها، فدائمًا ما كنت أشعر بالأسى الشديد حين أجد الثقافات الغربية تهتم بكل التفاصيل، بينما نحن لا نهتم بأي شئ لذا دائمًا ما كنت أبحث عن سد تلك الثغرة الكبيرة، إضافة إلى ذلك فمحاولتي لاختراق تلك الصفحات السائلة من التاريخ سواء كان ثقافيًا أو رياضيًا وحتى فنيًا، كنت أراها بمثابة اللبنة التي أضعها للباحثين محاولًا فتح نوافذ معرفية جديدة لتلك المشروعات، لأنني باختصار مؤمن بأن من لا يكتب شئ جديدًا فأنه لا يكتب.

◘ كتابات ياسر ثابت تتميز بكونها أنشودة تمزج في إيقاعاتها بين الأدب والصحافة.. ترى ما هو السر في هذه التركيبة؟

○ أعتقد أن الفضل في ذلك يعود إلي القراءة، فأنا اعتبرها وكأنها جزء من دمّي، وبالرغم من نشأتي في بيت لم يكن يقرأ فيه أحد، غير أنني اعتبرت الكتب جزءًا من حياتي، ومثلما أكتب كثيرًا فأنني أقرأ أضعاف ما أكتب؛ فالقراءة ستبقي دومًا غذاء للروح والعقل.
◘ ياسر ثابت من القلائل الذين خاضوا تجربة تقديم الصحافة المتلفزة في مؤسسات لها ثقلها.. فما الذي جعلك تسلك هذا المسار بديلًا عن الصحافة الورقية؟

○ في أواخر تسعينيات القرن الماضي أيقنت حينها أن مستقبل الصحافة يتجه نحو صناعة الصحافة المتلفزة، فبدأت حينها الاستعداد نحو توظيف خبراتي في إعداد وتقديم تلك التجربة التي اتسع أفقها فيما بعد.

عندما بدأت بالفعل في تقديم الصحافة المتلفزة، وجدت أن الأمر يحتاج إلى الاحترافية بصورة كبيرة، فأنت مطالب بالجمع بين ثقافة الإطلاع والسرعة في الإيقاع، خلافًا للعمل الصحفي الذي يحتاج إلي نمط معين وبالتالي كان تصميمي أن أبذل جهدًا وأنا أقود تلك الكيانات، ونجحت بالفعل في أن أكون جزءًا مهما من تلك المؤسسات.

◘ بعد كل تلك التجارب التي خضتها في مجال الصحافة التليفزيونية.. هل انتهت طموحاتك في هذا المجال الصحفي والإعلامي؟

○ الشخص الذي تنتهي أحلامه وطموحاته هو إنسان ميت، وكذلك أيضًا مَن يحتمي بسنوات خبرته، فهذا ليس إلاّ كائن ضعيف ومحدود الطموح؛ فدائمًا ما اعتبر كل خطوة أخطوها بمثابة نقلة إلي مرحلة جديدة أبحث عنها وأتمناها.

ففي كل يوم هناك تجربة جديدة أتعلم منها وهناك مستجدات أحاول إدراك أبعادها واستيعاب أركانها؛ فأنا من أصحاب اليقين بأن القياس على شخص لا بدّ وأن يكون بذاته وليس بمنصبه.

◘ بحكم الخبرات الكبيرة التي جمعتها من العمل داخل دهاليز الصحافة الورقية هل حان وقت تشييعها إلى مثواها الأخير؟

○ الصحافة الورقية ستكون أول ورقة تسقط من شجرة الصحافة المصرية؛ فهي في تراجع منذ عقود، وللأسف لم يكن أحد مدركًا للكارثة القادمة؛ فهناك العديد من العوامل التي تضافرت مع بعضها، حتي أفضت بنا إلي ذلك المشهد المأساوي، فمثلًا ضعف التأهيل والتدريب، وعدم وجود تنظيم حقيقي جعل الصحافة مهنة من لا مهنة له، إضافة إلي ذلك فالأجواء السياسية العامة وتراجع الحريات، أسباب رئيسية أوردت صاحبة الجلالة المهالك.

◘ برأيك.. هل من سبيل للخروج من ذلك المأزق الخانق الذي لن يرحم الصحافة بأنواعها؟

○ لا بدّ وأن يكون هناك أسلوب لمعالجة الأزمة بعيدًا عن المُسكّنات، يبدأ من وجود تعاون واضح وبارز بين الهيئات الصحفية المختلفة، وأن يكون الصحفي مؤهّلًا ومدرّبًا على استخدام صحافة الوسائط المتعددة، فالصحفي يجب أن يكون قادرًا على التفاعل مع الجمهور ككاتب، ومتابعًا مستمرًا للقضايا؛إضافة إلى ذلك فالصحافة مطالبة بالتجديد من لغتها، وذلك عن طريق معالجة القضايا بزوايا إنسانية، والاعتماد على فكرة التحقيقات الاستقصائية، خاصة وأن تلك الموضوعات عادة ما ينشأ عنها قاعدة جماهيرية.

◘ تقول إن الهيئات الصحفية مطالبة بالتعاون فيما بينها لأجل مستقبل الصحافة.. فهل تعتقد أنها قادرة على تصحيح ما أفسده الدهر في جسد صاحبة الجلالة؟

○ بشكل مبدئي دعني أقول بإنني من أشد المؤيدين لفكرة تشكيل هيئات تنظم المشهد الصحفي والإعلامي، بجانب أنني من أشد المعارضين لوجود وزيرًا للإعلام، ومع ذلك تبقي هناك عدة مشاكل تجعل من تلك الحسنة زبد يذهب جفاءً.

أول تلك المشاكل تتجسّد في عدم مراعاة التشكيل السليم المتوازن أثناء تشكيل تلك الهيئات، وثانيها يتمثل في عدم قدرة تلك المجالس على أداء الأدوار المنوط بهم القيام بها؛ فالكارثة تكمن في أن تلك المجالس جاءت في توقيت متأخر.

◘ ما أسباب التراجع الحالي في الثقافة المصرية؟

○ أزمة الثقافة في مصر تكمن في أنها انكفأت على نفسها، وصارت تحكمها الشللية وتحول المثقفون إلي جماعات متناثرة، فئة تسخر وتنتقد دون أن تفعل من أمرها شيئا، وفئة أخري اختارت طوعًا الارتماء في حظيرة السلطة.

◘ هل هناك روشتة تساهم في إخراج الثقافة المصرية من عثرتها الحالية؟

○ الحل يبدأ عندما يتحمل المثقفون المسئولية عندها ستجد الأصوات الجادة المتناثرة هنا وهناك بدأت في التكتل، وستجد لها تأثيرا وحضورا لافتًا، وهذه نقطة.

أما النقطة الثانية، الآن نحن بحاجة إلي التفكير في إلغاء وزارة الثقافة، والاستعاضة عنها بهيئات ومجالس تعمل بالتعاون مع المثقفين والأجهزة، تتخلي عن شوائب العمل الروتيني، وتعمل على خلق موارد إضافية خاصة وأن 90% من ميزانيتها عبارة عن أجور للموظفين.

فالتجربة تقول إن الآونة الأخيرة تعاقب على تولي حقيبة الثقافة الكثير من الأسماء لم يقدموا أي جديد، وكأنهم اتفقوا على ألا يفعلوا شيئًا حتى لا يجد أنفسهم عُرضة للوقوع في الخطأ.

◘ بصراحة.. إلى مَن يعود الفضل في إثراء تجربة ياسر ثابت الصحفية والأدبية؟

- يجيب بقول حاسم: لا أدين بالأستاذية لأحد في الصحافة أو الثقافة، فقط أشعر بالامتنان والعرفان بالولاء لقراءتي؛ فقط تربيت على عصامية شديدة، فأنا لم أدع مجالًا للإطلاع إلا واخترقته، فالحواريون والمريدون لم أكن منهم ذات يوم، فقد بنيت نفسي بنفسي ثقافيًا وصحفيًا.

◘ أيًا من الأقلام الصحفية أو الأدبية تستأثر بكتاباتها وتستحوذ بأسلوبها على إعجابك؟

○ للأسف الصحافة المصرية تفتقد للكتابات العميقة التي تستحوذ على اهتمامي، لكن على المستوى الثقافي فهناك كتابات جادة مميزة وأقلام مبدعة، لكنها لا تلقي الاهتمام، وهو ما كان سببًا في إحجام الكثير منهم عن مواصلة المشوار الإبداعي.

فمثلما ذكرت لك سابقا، الشللية التي تحكم الوسط الثقافي وجماعات المثقفين التي ترتمي على المقاهي، والتي وهبت نفسها سلطة المنح والمنع، جعلت الثقافة تعيش مرحلة من الهوان والتراجع.

◘ بجانب مهاراتك الصحفية نجحت في أن تقدم شكلًا مغايرًا في الكتابة الأدبية.. فكيف نجحت في الجمع بين الحُسنين؟

○ ينتفض مُجيبًا بحماسة ولهفة شديدة: الكتابة الأدبية هي الجناح الآخر لكتاباتي، فانا أحاول من خلالها الوصول إلي شئ مغاير في الكتابة، فذلك النوع من الكتابة دائما ما يكون عابرًا للأجناس الأدبية، ودائما ما اعتبرها جزءًا من صفاتي الوراثية.

◘ وماذا عن أدب كرة القدم الذي يُغرد فيه قلمك في منطقة لا ينازعه فيها أحد؟

○ أبحث دائمًا في كتاباتي عن الجديد وأسعى للتجريب والفضل في ذلك يعود إلي الكاتب اللاتيني «إدواردو جاليانو» في أول من دفعني للكتابة عن عوالم الساحرة المستديرة الثرية، وذلك بعدما قرأت له كتاب كرة القدم بين الشمس والظل.

بشكل شخصي أنا من المتيّمين بتلك اللغة الجديدة، فنحن في مصر لا يوجد أدب كرة قدم حقيقي، وقد نجحت في تأسيس ذلك اللون الأدبي، وصار له مُريديه.

◘ هل نري لك قريبًا مؤلفًا يتناول عالم كرة القدم الثري والممتع؟

○ بالطبع، أنا أستعد لإصدار كتابي «مراعي الذئاب»، وهذا الكتاب يصف ويتناول ما جري في مونديال روسيا بطريقة أدبية، بطريق تجعل المُتلقي وكأنه شاهد ما جري هناك، وأحاول من خلال هذا العمل التأكيد على حقيقة مفادها أن لغة كرة القدم لا تختلف كثيرًا عن لغة الحروب.
◘ بعد كم المؤلفات التي سطرتها والتجارب التي خضتها.. هل نال ياسر ثابت من التقدير والتكريم ما يستحق؟

○ أقرّ وأعترف بأنني لم أنل التقدير الذي أستحقه، ومع ذلك فأنا لم أشغل بالي ذات يوم باللهث وراء حصد الجوائز أو نيل التكريم؛ فقط كان ما يشغلني هو أن أكون من أصحاب الكتابات الممتعة، لأن كتاباتي هي مرآتي.

أنا مؤمن لدرجة عين اليقين بأن الكتابات الجيدة تُطيل من سيرة أصحابها، وليس الجوائز هي التي تصنع المجد، والدليل على ذلك هذا الكم من الكُتاب الذي حصد الأوسمة، لكنهم بعد فترة أصبحت سيرتهم هشيما تذروه الرياح، لا تجد أحد يتذكر مسيرتهم، ميدان الجوائز دائمًا محاط بالصراعات والتربيطات، ودائما ما كنت حريصًا على أن أنأى بنفسي من الدخول في هذه الأجواء، فأنا لست من هواة إهدار الجهد في أعمال لا طائل منها؛ وأزمتي تكمن في أنني لا أهاجم أو أكتب لمصلحة طرف.

في بعض الأحيان عادة ما كانت تخذني الدهشة من هؤلاء الذين لا يعملون ولا يُحب أن يعمل غيرهم؛ فبعد أن تركنا لهم غنائم الجوائز، تجدهم يتحدثون عن الكم الكبير لمؤلفات ثابت دون أن يشغل أنفسهم بمقدار الجودة التي تمتع بها تلك الأعمال.

◘ أخيرًا.. هل أنت متفائل بمستقبل مصر السياسي والصحفي والثقافي؟

○ لا يوجد وجه للتفاؤل؛ فالمجتمع يعاني من مشاكل جمة والشعب لديه مشاكل حقيقية؛ ولا سبيل للخروج منها إلاّ عن طريق الوعي والعمل الجاد والشفافية وغيرها.