رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقصر والثقافة


الأقصر هى المدينة العريقة فى مصر، تبعد عن القاهرة جنوبا بحوالى ٦٧٠ كيلومترًا، ولمن لا يعرف قيمتها التاريخية، فهى عاصمة مصر فى العصر الفرعونى، تضم ما يقارب ثلث آثار العالم، كما أنها تضم العديد من المعالم الأثرية الفرعونية القديمة مقسمة على البر الشرقى والبر الغربى للمدينة، يضم البر الشرقى معبد الأقصر، معبد الكرنك، وطريق الكباش الرابط بين المعبدين، ومتحف الأقصر، أما البر الغربى فيضم وادى الملوك، معبد الدير البحرى، وادى الملكات، دير المدينة، ومعبد الرامسيوم، وتمثالى ممنون.
الأقصر العريقة لو كانت موجودة فى أى مدينة أخرى، لتشكلت لها إدارة خاصة وقانون خاص يحمى بيئتها، لأنها المدينة التى تبيض ذهبًا لمصر فى أيام الشتاء، وكان يجب أن يكون لها طرازها المعمارى المميز، الذى يميزها كمدينة فرعونية، ولا يسمح أبدًا بأن تكون عشوائية أو تطغى عليها كتل الخرسانات المسلحة، لتتلاشى تدريجيا كل قيمتها التاريخية. ولعلنا لا ننسى أنه تم اختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية عام ٢٠١٧، وهو ما جعل المدينة تصنع زخمًا ثقافيًا باهتًا، لم يستمر طويلًا، فيما تشكل حالة مدينة الأقصر، كما وصفها علماء فى الآثار، «حديقة فريدة من نوعها» لا مثيل لها فى أى مدينة أخرى.
تتعامل الحكومة مع الأقصر بإهمال شديد، ولما كان يعنينا التعامل الثقافى فإننا سنتناول تعامل وزارة الثقافة مع أدباء الأقصر، فهى تعاملهم مثل أى أدباء فى أى منطقة أخرى، ونشرت بينهم أمراضها الثقافية، والمعروف أن أدباء الأقصر لهم طبيعة خاصة فى أدبهم، لم يتوقف عندها النقاد كثيرًا، كما قال أشرف البولاقى، الناقد الأقصرى فى كتابه عنهم، الذى أبرز فيه قيمة أدباء الأقصر، سواء كانوا أدباء أو شعراء.
نادى الأدب هناك، إمكانياته واهية لا تكفى الأنشطة، ولا حتى استضافات لأدباء من خارج الأقصر لقضاء وقت هناك أو حتى التفاعل مع أدباء الأقصر.
كان يجب أن تتفاعل وزارة الثقافة مع الأقصر من منظور خاص، وتفرد لها مؤتمرا سنويا عالى التكلفة، وتستضيف أدباء عربا وأجانب ليشاهدوا حضارتنا، لقد كُتبت عنها كتب بأقلام أجانب كانت قمة فى روعة السرد والأسلوب، وزارها الرحالة الفارسى الإيرانى ناصر خسرو، والمغربى ابن جبير، وكتب عنها ابن حوقل، وفى العصور الحديثة كتبت عنها أجاثا كريستى «جريمة فى النيل»، وكتب عنها لوسى دوف جوردون البريطانية التى أحبت الأقصر كتابها الشهير «رسائل من مصر»، وكتابات أخرى لا تحضرنى الذاكرة للحديث عنها.
كل هذا كاد يندثر، لأنه يجرى طمس هوية الأقصر تدريجيا لتحل محلها ثقافة أخرى قادمة من الصحراء ووهج الرمال، وقد لا نتذكر أنه تتم استضافة أدباء الأقصر سنويا فى مهرجانات فى الشارقة ودبى والإمارات، وقد قام أحد شيوخ الخليج بافتتاح «بيت من شعر»، كنواة لثقافة خليجية وأغدق عليه، وهناك معايير لا تخطئها عين خبيرة عن طبيعة ضيوف هذا البيت، كل هذا ووزارة الثقافة ليس لها شأن بما يحدث فى هذا البيت أو البيوت المشابهة أو الكيانات الأخرى التى تنشأ فى مدن الجمهورية تحت سطوة المال، دون أن نفطن إلى حقيقة ما يريده شيوخ الخليج من تلك المشاريع، وهو ما جعلنا نتساءل: لماذا الأقصر وليس أى مدينة أخرى؟.
أما كان من الأجدر أن تقوم الأقصر بدعوة أدباء الخليج والعرب والعالم، ليروا بأعينهم فخامة حضارتنا، كما تفعل مدن مثل فاس ومراكش ومكناس وتطوان وبعلبك اللبنانية وباريس وبرشلونة، وهى نماذج فريدة فى النسق العمرانى، يميزها طابع عمرانى أصيل وفق النسق الجمالى الذى يحافظ على الموروث الثقافى، وكثير من المدن ذات الطابع الحضارى؟!.