رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب الإنجليزى سومرست موم

جريدة الدستور

وخامره قلق غريب فى تلك الليلة، وأخذ يتراوح فى الشرفة بعد العشاء، وما جاء الخادم حتى سأله عن أخبار عباس.
- لم نسمع عنه شيئًا يا سيدى، ولعله ذهب إلى القرية التى يعيش فيها خاله. فحدد إليه النظر غير أن الفتى غض من بصره، فمضى «وربرتن» إلى خميلته عند النهر غير أن نفسه لم تجد هناك هدوءًا ولا سلامًا، وقد كان النهر يتدفق فى صمت رهيب يبعث التشاؤم فى النفس كأنه ثعبان ضخم يزحف زحفًا بطيئًا صوب البحر، وسكنت الأشجار على حافة الماء كأنما جثم عليها خطر داهم، وخيم فوقها ظل فاجعة قريبة، وأمسكت الطيور عن الشدو والتغريد، ولم تحرك أوراق «الكاسيا» نسمة ريح، وبدا كل ما حوله كأنه قد سكن فى توجس وتوقع. وعبر الحديقة إلى الطريق فبدا مسكن كوبر واضحًا أمام ناظريه، ورأى غرفة الجلوس مضاءة، وقد أدار كوبر الحاكى فانسابت إلى مسامع «وربرتن» نغمات موسيقى راقصة، وصارت لها قشعريرة فى جسده فقد كان يكره سماع الحاكى، ولم يستطع يومًا أن يتغلب على امتعاضه، ولعله كان ذاهبًا إليه لولا ذلك ومحدثه فى الأمر، ولكنه عاد أدراجه إلى مسكنه، ومضى هزيعًا من الليل قبل أن ينام، غير أنه لم ينعم بالنوم طويلًا فقد عاودته أحلام مفزعة، وخيل إليه أنه سمع صرخة أيقظته من نومه ولكنها كانت حلمًا بلا شك لأنه لا يستطيع وهو فى غرفة نومه أن يسمع صرخة صدرت من مكان مثل مسكن كوبر، فلبث مسهدًا إلى مطلع الفجر. ثم سمع وقع خطوات معجلة وأصوات حديث يدور، واندفع غلامه بغتة إلى غرفته حاسر الرأس بغير طربوش، فأحس كأن قلبه يكف عن الخفقان.