رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف البولاقى ومبدعو الصعيد


أشرف البولاقى كاتب وشاعر متميز، عرفته منذ فترة طويلة، منهمكًا فى تجربته الشعرية، وعمله فى وزارة الثقافة، لم يضيع وقته كمعظم كُتّاب وأدباء الصعيد فى المشاحنات والتصنيفات، وأسبقية النشر، ولكن سار للأمام ونشر مجموعة من الدواوين الشعرية، ثم اتجه إلى النقد فنال الكثير من الجوائز والتكريمات.
لفت نظرى كتابه الجديد: «حضارة النص.. ونص الحضارة»، كتاب نقدى متميز، وتجربة جميلة يقدمها للحديث عن المبدعين من أبناء مدينة الأقصر، والتى تشهد وحدها، دون مدن مصر، زخمًا أدبيًا جميلًا وراقيًا، توافر لها عبر مؤسسات أدبية رسمية وشعبية، أسهم فيها أبناؤها المبدعون بمجهودهم، أو بالتعاون مع مؤسسات عربية بمجهودات شخصية، والغريب أن وزارة الثقافة تتعامل مع الأقصر كابن عاق، فلا هى تلتفت إليهم، وتهتم بإبداعاتهم، ولا تحاول رأب الصدع بينها وبينهم، ولا تتحدث معهم عن مشاكلهم وتشجعهم وتتعاون معهم على حلها.
لكُتّاب الأقصر، على وجه خاص، والصعيد عمومًا خصوصية راقية يتميزون بها فى التعبير عن بيئتهم ومجتمعهم القاسى الذى يعيشون فيه، ونقلوا جفافه وقسوته ورومانسيته إلى أشعارهم، وقصصهم.
فى الأقصر عشرات، من الكُتّاب الموهوبين أمثال يحيى الطاهر عبدالله، ابن الصعيد، الذى ما كان أحد ليعرفه لولا سفره إلى القاهرة.
أدباء الأقصر والصعيد أهملتهم وزارة الثقافة، ولم تهتم بخصوصية إبداعهم، كما أهملت خصوصية الأقصر كمدينة عريقة ومتميزة لها وحدها طابعها، وتفردها بحشود السياح والآثار. ولكن كالعادة السياحة فى وادٍ، والثقافة فى وادٍ آخر، والآثار فى وادٍ ثالث، ولا رابط بين الأودية.
مبادرة صديقى أشرف البولاقى جميلة، وناضجة، وتنم عن وعى نقدى، ولكن يبدو أن قدرات البولاقى أكبر بكثير من الكتاب، فاختار عنوان «حضارة النص.. ونص الحضارة» الذى يليق بمجلد ضخم يتحدث عن الحضارة والنصوص، وهى مبادرة كان ينبغى أن تقوم الجامعات الإقليمية والأقاليم الثقافية، لتتحدث عن مبدعيها بصوت عالٍ، دون الهمس الذى تهمس به فى ندوات لا يحضرها أحد.
يوحى العنوان بثقل المادة والجهد المبذول فيها، وكان يمكن أن يتسع الكتاب ليشمل كل المبدعين المسكوت عنهم من العاصمة، والذين كادت موهبتهم أن تنطمر تحت وطأة الصمت المريب من جانب النقاد، وتجاهل أقسام اللغة العربية فى الجامعات الإقليمية لهم. كان ينبغى أن يكون نادى أدب الأقصر، منارة أدبية عالمية، بالتعاون مع إدارة العلاقات الخارجية فى وزارة الثقافة، والترويج له ولأدبه فى المحافل الدولية التى تهتم بالحضارة والآثار، ولا تحصره فى إطار تافه وصغير فى رعاية موظفى الثقافة وقوانينهم البالية. لو كان هذا الزخم فى أى مدينة عربية أخرى، لعرف العالم كله بما يكتبون وبما يقولون، كان ينبغى توجيه الدعوات لكبار الأدباء العالميين، لزيارة الأقصر، ولقاء أدبائها وأدباء مصر، ولعلنا نستلهم تجربة بعض المدن المغربية مراكش وأصيلة، وبعلبك اللبنانية، ونزوى العمانية.
أشد على يد صديقى الكاتب أشرف البولاقى، وأحييه على عمله الذى تحدث فيه عن كُتّابنا الذين كاد النسيان أن يطويهم، والذى قام به بمفرده نيابة عن مؤسسة ثقافية كاملة بموظفيها، داعيًا كبار النقاد والجامعات الإقليمية للحديث عن الأدب المسكوت عنه فى الصعيد.