رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاصيل الخلاف بين "النحاس" ومكرم عبيد وانتهاء صداقتهما

مصطفى النحاس باشا
مصطفى النحاس باشا

يروي مصطفى النحاس باشا، الزعيم الوطني والتاريخي لحزب "الوفد" ورئيس الحكومة عدة مرات، أنه ذهب ذات ليلة لحضور جلسة مجلس النواب، وكان أحد نواب المعارضة يتكلم في استجواب، ووجه النقد للوزير المختص ثم أعقبه عضو ثان، فانتقد الحكومة كلها ورئيسها لانها مسئولة عن هذا التصرف مسئولية كاملة، فإذا بـ"مكرم عبيد" يطلب الكلمة فأيد صاحب الاستجواب وزميله فيما قالاه، وسأله رئيس المجلس: هل تتكلم بصفتك الشخصية أم بصفتك الحكومية؟، فأجاب مكرم: أتكلم بصفتي سكرتيرا لحزب الوفد، ووزيرا للمالية.

وانتفض النحاس باشا، كما يقول في مذكراته "ربع قرن من السياسة"، "استأذنت رئيس المجلس في أن أتكلم ووقفت، وقلت بصفتي رئيسا للوفد المصري، أعلن أن معاليه لم يعد سكرتيرا لـ"الوفد"، وبصفتي رئيسا للوزراء أعلن أنه لم يعد وزيرا للمالية".

ويعلق النحاس على ما فعله قائلا" ظني خاب في صديق العمر، وتقديري أخطأ في رفيق النفي والسجن والجهاد، ولم أضق به مع تكرار اعتداءاته، بل احتملته حتى بلغ السيل الزبى".

كان ذلك الحدث في مثل هذا اليوم 29 يونيو 1942، وكانت الدراما فيه بالغة لأن طرفيها قلب واحد في قيادة الحركة الوطنية التي تزعمها حزب الوفد قبل ثورة 1952، ولأن الفراق كان مفاجئا وتطور فيما بعد إلى إقدام "مكرم عبيد"على إصدار ما عرف بـ"الكتاب الأسود"، تعددت التفسيرات في أسبابه.

وروى محمد حسين هيكل في كتابه "سقوط النظام"، أن الفراق بين الاثنين كان من تدبير الملك فاروق ورئيس ديوانه أحمد حسنين باشا، وذلك انتقامًا من حادث 4 فبراير 1942، أما النحاس باشا نفسه فيقول في مذكراته إن القسم السياسي الذي أنشأه في الحكومة ليرفع إليه تقارير صحيحة من الداخل والخارج، قدم له تقريرا بأن عددا من أنصار مكرم عبيد وأصدقائهم يجلسون في بار اللواء بشارع شريف ولا حديث لهم إلا الطعن في رئيس الوزراء وتصرفاته، والاستثناءات التي يمنحها لأنصاره.

وأضاف النحاس أن التقارير توالت عليه بأن هؤلاء يطعنون في عرضه ويتناولونه بالقبيح من الشائعات، ويعدد النحاس وقائع أخرى جعلته كما يقول "أفيق من غشاوتي وأنفض عن نفسي تراب الثقة الكبرى التي وضعتها في مكرم واحتملت في سبيله وفي سبيل رضاه غضبًا كثيرًا من الإخوان، واستياء عدد غير قليل من الزملاء، ولكني تذرعت بالصبر وقلت لعل الله يهديه في آخر لحظة سواء السبيل ولكنه لم يهتد".

أما عبيد ففسر ما حدث بقوله "لم نكد نستهل عهدنا في الحكم متصافحين متضامنين حتى بدا لأهل النحاس باشا وأنسبائه أن يغتنموها فرصة لطلب الثراء على يد صديق النحاس"، ويقصد في ذلك نفسه كوزير للمالية، كما ذكر سعيد الشحات في كتابه "ذات يوم.. يوميات ألف عام وأكثر".