رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهاية الماكينات.. لماذا سقطت ألمانيا فى المونديال؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

فى كبرى صدمات مونديال المفاجآت، ودع المنتخب الألمانى، بطل النسخة الماضية لكأس العالم، البطولة، بعد الهزيمة أمام الفريق الكورى الجنوبى بهدفين دون مقابل، لينضم إلى طابور المنتخبات التى ودعت كأس العالم من الدور الأول، رغم ترشيحه للفوز باللقب قبل بدء المواجهات. ومع وجود ٣ أجيال من اللاعبين الألمان توجوا جميعًا ببطولات عالمية وقارية خلال السنوات الأربع الماضية، وفى ظل حضور ٣ تشكيلات متكاملة بحوزة يواكيم لوف المدير الفنى، الذى حمل لقب البطولة ذاتها فى ٢٠١٤، كانت العوامل مجتمعة ترشح الفريق لتحقيق رقم قياسى عالمى، والتتويج باللقب للمرة الثانية على التوالى، لأول مرة فى التاريخ. وخلافًا لما اعتبره مشجعو كرة القدم حول العالم أمرًا مسلمًا، نشرنا فى «الدستور» قبل انطلاق البطولة تقريرًا مطولًا حمل عنوان: «عطل فى الماكينات.. لماذا لن تفوز ألمانيا بالمونديال؟»، وتنبأنا بالعوامل التى ستؤدى إلى سقوط «المانشافت» على عكس آمال جمهوره، وهو ما نعيد التذكير به، بعد الخروج المهين لهم من الدور الأول للبطولة.

الاعتماد على «هجوم انتحارى» بـ8 لاعبين.. وافتقاد التدرج بالكرة من الخلف
أهم الأسباب التى جعلت الفريق الألمانى يعانى الخسارة والخروج المبكر، كان الاعتماد على طريقة لعب انتحارية، تقوم على تواجد ٨ لاعبين فى الثلث الأخير من ملعب الخصم، فى حين يبقى آخر مدافعين على دائرة المنتصف، وتكون المسافة بينهما وبين خط الهجوم الأول أقل من ٣٠ ياردة.
هذه الثغرة مثلت عملية انتحارية، سببتها استهانة المدير الفنى الألمانى بخصومه، بعدما راهن على أنه يلاعب خصومًا غير موجودين، وسعى بكل الطرق لمنعهم من ترك مناطقهم طوال ٩٠ دقيقة.
«لوف» اعتقد أنه لن يفقد الكرة أبدًا، وإذا فقدها سيستعيدها قبل أن تصل إلى منتصف ملعبه، لذا قلنا فى التقرير المنشور قبل البطولة، إن أى فريق لديه القدرة على التدرج بالكرة من الخلف سيكون أمام مرمى ألمانيا بسهولة كبيرة بعد تمريرتين أو ثلاث على أقصى تقدير، وهو ما نجحت فيه المنتخبات الثلاثة، المكسيك، والسويد، وكوريا، ولو امتلك أحدها شجاعة التقدم، لنالت ألمانيا أرقامًا مهينة من الأهداف.
من تابع الفريق الألمانى، سيجد الظهيرين الأيمن والأيسر كيميتش وهيكتور طوال الوقت يتواجدان بالقرب من منطقة جزاء الخصم على خطى الملعب، وكأنهما جناحان صريحان، وهذا الأمر فرغ المساحات بصورة كبيرة فى الثلث الأخير من ملعبهما.
كما اعتمد لوف على وجود الكثافة العددية فى الثلث الأخير من ملعب المنافس بشكل مبالغ فيه، ما جعل المساحات ضيقة، وسهل مهمة دفاعات الخصوم.
ويمكن القول إن «لوف» مع الألمان هو النسخة العكسية من هيكتور كوبر مع المصريين، فإذا كان الأخير يدافع بمبالغة شديدة، فالأول لا يرى فى الملعب كله سوى الهجوم.
وجود اللاعبين الألمان الثمانية فى مساحة ٣٠ ياردة من الثلث الأخير فى الملعب، كان يقابله ٩ لاعبين من دفاعات الخصوم، وهو أمر لم يكن فى صالح «الماكينات»، لذا تسببت هذه التخمة العددية فى خلق مساحات ضيقة، حرمت الفريق الألمانى من أى مساحة تسمح بتولد فرص تهديف، وهذا جانب لم يدركه «لوف»، وربما لم يفكر فيه من الأساس.
يقول المدير الفنى الموهوب جوارديولا، إنه تعلم على يد العبقرى «بيلسا» قاعدة مهمة، هى: «إذا عانى الفريق هجوميًا، فأول شىء ينظر له هو الدفاع، وطريقة التدرج بالكرة من الخلف»، وهذا سر معاناة «لوف»، الذى اعتقد أن الأمر مرهون بزيادة عدد المهاجمين، واللاعبين المتواجدين فى المناطق الأخيرة بالملعب.
ذكاء الخصوم كان حاضرًا، وبدت كل من المنتخبات الثلاثة مدركة ثغرات الفريق الألمانى جيدًا، فعبر دفاع محكم، وكثافة عددية بالثلث الأخير، وضغط متوسط بدلًا من الاندفاع لمطاردة الخصوم بالمناطق الأمامية، نجحت مهمة إغلاق المساحات تمامًا وإفساد الهجمات على الفريق الألمانى.
كما انتهجت جميع المنتخبات التى واجهت الألمان أسلوبًا ذكيًا فى الارتداد السريع، عبر عودة المهاجم الصريح وصعود صاروخى للجناحين وأحد لاعبى الوسط واللعب عبر تمريرة واحدة، ما منحها فرصة التحول السريع، وتشكيل الخطورة على المرمى الألمانى، فكانت الخسائر حاضرة دائما لـ«الماكينات».

استبعاد «سانى» وبطء الجناحين أفقدا الفريق المرونة التكتيكية.. وخط الوسط فشل فى خلق المساحات
فى انطلاق المونديال، مثّل استبعاد ليروى سانى لاعب مانشستر سيتى الإنجليزى الحاصل على جائزة أفضل لاعب شاب فى «البريميرليج» هذا الموسم، إحدى أهم المفاجآت التى تلقاها عالم كرة القدم قبل البطولة، لذا واجه «لوف» بعدها ثورة غضب من الخبراء ونجوم الكرة الألمان السابقين، بالإضافة إلى الجماهير.
«سانى»، وبعيدًا عن فترة التوهج التى يعيشها حاليًا مع مدربه بيب جوارديولا، كان سلاحًا قادرًا على منح الفريق التنوع الهجومى، نظرًا لامتلاكه قدرات مغايرة ومختلفة عن تلك التى يمتلكها زملاؤه فى نفس المركز.
ففى مركز الجناح، كان الفريق الألمانى يعانى بطئًا شديدًا عند مولر، الذى كان نقطة ضعف فى الهجوم الألمانى، بسبب كونه لاعبًا يجيد أكثر داخل منطقة جزاء الخصم، وكذلك كان الحال مع مسعود أوزيل، البارع فى الاستحواذ والتمرير البينى. فى المقابل، لا يملك أحد اللاعبين القدرة على اللجوء للحل الفردى والدخول فى سباق سرعات لتخطى مدافعى الخصم على جانب الملعب، وهى الميزة الفريدة التى يمتلكها سانى دون غيره فى مركز الجناح الألمانى. قبل البطولة، برر لوف موقفه من استبعاد اللاعب الشاب بأنه يلعب بشكل فردى، رغم أن الحلول الفردية هى ما افتقدها الفريق الألمانى، لكن كلام لوف كان غير منطقى، ومجرد تبرير أراد به الهروب من الإعلام، نظرًا لأن سانى مع فريقه لعب موسمًا جماعيًا حتى فى أداء أدواره الدفاعية.
جوارديولا أوضح فى وقت سابق الأمر بقوله: نحن نواجه دفاعات متراصة بكثافة كبيرة، والمساحات غير موجودة، والحل الفردى مطلوب، لذلك قلت لـ«سانى»: راوغ، وإذا كان بإمكانك العبور من لاعب واثنين.. افعل ذلك، وجرب وكرر الأمر.
جوارديولا إذن آمن بما كفر به لوف، فالأول راهن على الفكر والذكاء فى مواجهة التكتلات، بينما ظن الأخير أن اللاعبين مجرد ماكينات تؤدى بلا توقف، ولا حاجة لعمل فردى مهما تعقدت الأمور، ولهذا خسر الأخير كثيرًا عندما لم يكن سانى بين حساباته، ولو حتى كبديل يغير مجريات الأمور إذا تعثرت المباريات.
اعتمد لوف على التمرير الكثير، والاستحواذ الدائم، لكنه لم يضع فى حساباته أيضًا أن الخصوم قادرون على بذل مجهودات بدنية كبيرة، تقابل عملية التدوير الدائم للكرة، ولما غابت الحلول الفردية، ظهرت المشاكل الدفاعية وتلقى الفريق الصدمة.
بالإضافة إلى ذلك، كان لبطء الثنائى سامى خضيرة وتونى كروس فى منتصف الملعب تأثير كبير فى فشل الفريق الألمانى فى خلق حلول هجومية، وكان إصرار لوف على هذه التركيبة رغم الوفرة الكبيرة خارج الخطوط، أحد أهم الأسباب الرئيسية فى هذا السقوط.

الثقة الزائدة والضغط النفسى وغياب الروح القتالية وراء الخروج
بعيدًا عن المشكلات الفنية والخططية الكبيرة التى عانى منها المنتخب الألمانى، كان أبرز ما يعيب لاعبى الفريق هو غياب الروح العالية، التى تميزوا بها من قبل.
المنتخب الألمانى بدأ البطولة وهو المرشح الأول، ومثّل هذا عبئًا وضغطًا نفسيًا شديدًا على جميع اللاعبين منذ البداية، وأظهرت بدايتهم السيئة أمام المكسيك الاستعجال الكبير الناتج عن الضغوط، ما مثّل أهم الأسباب التى زرعت الشكوك وهزت الثقة فى نفوس اللاعبين من المباراة الأولى.
وبعد فوزهم الصعب على المنتخب السويدى، توهم الفريق الألمانى أنه عبر إلى الدور الثانى، لأن المباراة الأخيرة ستكون أمام الخصم الأسهل كوريا الجنوبية، ولم يضع فى اعتباره نتيجة المباراة الأخرى.
فجميع الألمان استبعدوا خسارة المكسيك أمام السويد، كما اعتبروا أن الفوز على كوريا الجنوبية مضمون بنسبة كبيرة، لذا بدأت الماكينات مباراتها الأخيرة بهدوء غير طبيعى، على خلاف الاستعجال والاندفاع، اللذين صاحباها فى مبارياتها السابقة.
فى هذه المباراة، ظهر الألمان بروح معنوية غير معتادة، مع الاستهانة الكبيرة بقدرات خصمهم الكورى، بعد أن رأوه كما رآه العالم، حصّالة المجموعة، ونتيجة لذلك، لم يبذل اللاعبون أى جهد فى البدايات، وحتى مديرهم الفنى تهاون فى تشكيلته، كما اتضح عندما لم يبدأ بـ«مولر».
الروح القتالية والمجهودات البدنية العالية، التى كانت سر تفوق الفريق الألمانى بشكل كبير عبر تاريخه، أصبحت سمة مفتقدة فى المواجهة الأخيرة، فلما ضاقت الأمور، لم يستطع لاعبو الفريق العودة ومعالجة الأمر.
كما أن المجهود البدنى الذى صاحبهم فى مباراة السويد، التى انتهت بفوزهم فى اللحظات الأخيرة من المواجهة، كانت سببًا فى تراجع مستواهم أمام الكوريين، بالإضافة إلى التراخى الذى مهّد لسقوطهم الأخير، لتستمر لعنة وداع حاملى اللقب من الأدوار الأولى للمونديال.