رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعنة الدقائق الأخيرة والفرص الضائعة


بقدر الرغبة الشديدة التى تملكتنى، بأن تُحرز مصر تقدمًا نوعيًا فى منافسات كأس العالم المُقامة حاليًا فى روسيا، بعد غياب عن المشاركة ضمن بطولاته، قرابة ثمانية وعشرين عامًا، بقدر ما جاءت صدمتى أشد، وأنا أرى مباراة ختام المشاركة المصرية فى هذا المحفل الدولى، ومنتخبنا الوطنى يتجرع هزيمته الثالثة، بأقدام المنتخب السعودى، بعد أن جاء الهدف الثانى المُرجح للفوز السعودى، فى الثانية الأخيرة من الدقائق الأربع، للوقت بدل الضائع، ليعود منتخبنا إلى القاهرة بخُفى حنين.
أنا لا أبكى على اللبن المسكوب، فلست من عشاق الساحرة المستديرة، ولا أحد المنتمين لنادٍ من الأندية، ولا من مشجعى الفرق الأجنبية، بل إننى لم أُضبط مُتلبسًا بمشاهدة مباراة، إلا إذا كانت مصر تخوض منافسة دولية أو إقليمية، فهنا فقط أنقلب إلى (عنصرى) متلبس بحالة مصرية، تنال من القلب، عندما يُصبح منتخبنا الوطنى فى موقف لا يُحسد عليه، مثلما حدث فى مباراته مع منتخب السعودية يوم الإثنين الماضى، ولكنى أجازف بالكتابة فى شأن كروى، لا أفقه الكثير من فنونه، ولا أدرك كنه أسراره، لأخرج مما حدث بالدرس المُستفاد، الذى لم نعه منذ (صفر المونديال) الشهير، والذى كان يستحق وقفة محاسبة كبيرة، بشأنه، مع مسئولى الكرة فى مصر، الذين يبدو أنهم على غير قدره، ولا يملكون الحنكة والخبرة، ويفتقدون مهارة الإدارة، للنهوض بالشأن الرياضى المصرى، خاصة فى لعبة، هى مبعث البسمة الوحيدة على شفاه المصريين، أو مُفجر الحزن العميق بداخلهم، تتساوى مع بعض المشروعات القومية، فى أنها تُجمّع المصريين على هدف واحد، وبقلب رجل واحد، نحن أحوج ما نكون إليه، ولو كان من خلال مباراة كرة قدم.
لا تلوموا كوبر، مدرب منتخبنا الوطنى، ولا تجعلوا منه كبش فداء لإخفاقنا، أو شماعة نعلق عليها أخطاءنا، لأنه حلقة، فى آخر سلسلة طويلة من المسئولين عما حاق بنا من الهزيمة، حتى من منتخب، نال خمسة أهداف على يد الفريق الروسى، فى أولى مباريات المونديال، فالمنتخب المصرى ليس محمد صلاح وحده، والكرة ليست مهارة فردية، بل مجموعة من التفاعلات داخل المستطيل الأخضر، والفوز فى مبارياتها، استعداد وتهيئة، وحُسن إدارة، يقوم عليها من هم خارج هذا المستطيل، وقبل زمن المباراة بوقت طويل، وهم هنا، مسئولو اتحاد الكرة المصرى، الذين يبدو أنهم اكتفوا بشرف الصعود إلى كأس العالم، وتعارضت قناعاتهم مع آمال الجمهور المصرى، الذى ظن واهمًا، أنه من الممكن صناعة عهد جديد فى الكرة المصرية، بجيل من اللاعبين، لهم تميزهم وتألقهم، وقد صنع بعض نجومه أمجادًا لفرق لعبوا معها، كمحترفين خارج الحدود، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وأرى أنه آن لهذه الرياح أن تعصف بكل من قصّر وأهمل، وفشل فى إدارة منظومة الرياضة فى مصر، ولم ترتفع أحلامه حد كتفيه، بالرغم من قدر مصر ومكانتها، ولكن يبدو أن بعض أبنائها يصرون على تواضع هذا القدر وخمود همته، ورضوا بالدنية فى مقابل غنائمهم ومكاسبهم.. وإلا فلنسأل أنفسنا عن ذلك الذى هدد وتوعد بكشف المستور، وتعرية المخبوء فى اتحاد الكرة، إذا لم يسافر ضمن أعضاء الوفد الرسمى المصرى إلى روسيا!.

أعتقد أن إخفاء المعلومات، والحيلولة دون تداولها، عامل مهم فى استشراء الفساد الإدارى وخراب الذمم، لأنه بدون حرية تداول المعلومات، يظل الفساد متسربلًا بألف ثوب يُخفيه.. وهذا يدفعنا إلى التذكير بأن المصريين ما زالوا ينتظرون صدور قانون حرية تداول المعلومات، التى تضافرت جهود برلمانيين وقانونيين، وجهات حكومية لإعداد مشروعه، بعد سنوات عجاف، عانينا فيها، كصحفيين وإعلاميين، وفئات كثيرة من المجتمع المصرى، من حجب المعلومات، وتضارب الأرقام والبيانات، فيما يخص صالح المجتمع وحياة المواطن، واليوم نأتى متأخرين فى هذا الشأن، مقارنة مع إحدى عشرة دولة إفريقية، أقرت قوانين حرية تداول المعلومات، وسبقتنا الأردن، كأول دولة عربية، بإقرار قانونها، قبل أحد عشر عامًا من الآن.