رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأب هنرى عيروط.. صديق الفلاح المصرى


- تجيد أمريكا استخدام المصطلحات الكاذبة لصنع الزيف وآلة الدعاية الأمريكية لا تتوقف عن الكذب
- الأب عيروط رجل دين شغلته مشكلة الفلاحين ولم يجد فائدة فى إلقاء عظة من فوق المنابر بل رأى أن يفعل شيئًا من أجل طبقة تؤلف ثلاثة أرباع سكان هذه البلاد

الأب هنرى عيروط (١٩٠٧- ١٩٦٩) يعتبر واحدًا من الرواد الأوائل الذين اهتموا بتنمية القرية المصرية. وُلد فى ٢٠ مايو ١٩٠٧ من أسرة ذات أصل سورى حضرت إلى مدينة القاهرة خلال عام ١٨١٨م.
كان والده يدعى «حبيب عيروط» ويعمل مهندسا معماريا فاهتم بتعليمه وتثقيفه أفضل تعليم متاح فى عصره، وألحقه بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين بالفجالة، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع بجامعة «ليون» حتى حصل على درجة الدكتوراه وكانت فى موضوع «أخلاق الفلاح وعاداته»، ولقد تُرجمت إلى اللغة العربية تحت اسم «الفلاحون» وكان ذلك عام ١٩٣٨، ثم سيم كاهنا على الرهبنة اليسوعية فى نفس السنة.

أما عن كتابه الوحيد المترجم باللغة العربية وهو كتاب «الفلاحون»، فلقد تُرجم إلى اللغة العربية لأول مرة عام ١٩٤٢، وقام بالترجمة الدكتور محمد غلاب. وبعد قيام ثورة يوليو كلف المؤلف كلا من الأستاذ محيى الدين اللبان والأستاذ وليم داوود مرقص بالقيام بعمل ترجمة أخرى جديدة له بعد أن نقحه وأضاف إليه فصولًا جديدة. وقدم للكتاب الكاتب المعروف الأستاذ محمد العزب موسى، وكانت هذه هى الطبعة الثامنة من الكتاب وقد صدرت عام ١٩٦٨. ثم قام المجلس الأعلى للثقافة بإعادة طبعه ضمن إصدارات المشروع القومى للترجمة، الكتاب رقم ٤٤٨، وصدرت فى عام ٢٠٠٥. وكان من بين ما قاله الأستاذ محمد العزب موسى عن الأب عيروط فى المقدمة: (والأب عيروط رجل دين، شغلته مشكلة الفلاحين ولم يجد فائدة فى إلقاء عظة من فوق المنابر، بل رأى أن يفعل شيئا من أجل طبقة تؤلف ثلاثة أرباع سكان هذه البلاد. وأحس الأب عيروط بأن النجاح مقرون بالاستفادة من الدرس والفحص والعلم، فأمعن فى دراسة تاريخ الفلاح وتعمق قضاياه الخاصة، فجمع لهذه الغاية الوثائق والمستندات). ولقد ذكر الأب هنرى عيروط فى مقدمة الكتاب عن الصعوبات التى واجهته فقال: (ونود أن نقول للقراء إننا اعتمدنا فى هذا البحث على ما لاحظناه وحققناه بأنفسنا. وقد استغرق منا البحث والاستقصاء سنين عديدة، كانت فيها المشاهدة والتحرى عدتنا، فنحن من مصر، ونعيش بين أهلها عيش المواطنين. وقد امتدت مشاهداتنا وملاحظاتنا طوال السنين فى مختلف أنحاء الريف، حيث لم ننقطع عن المشافهة والمحادثة والبحث والاستقصاء والسفر أنحاء البلاد ومخالطة الطبقات حبًا فى الكشف والاستطلاع حتى جاء بحثنا نتيجة الملاحظة والتأمل الطويلين، لقد جاء هذا البحث وليد المشاهدة والتحقيق).

وفى هذا الكتاب أيضا كتب فصلا عن حالة الفلاح بعنوان «بؤس الفلاح» قال فيه: (يتمثل بؤس الفلاح فى صورتين، الأولى بؤسه المادى وحرمانه من مقومات حياته الجسمية فهو فقير لا يكاد يجد القوت والملبس والمسكن، وأما الصورة الأخرى لبؤسه فهى معنوية تتمثل فى حرمانه من التعليم، وجهله وذلته وهوانه على نفسه وعلى غيره، حتى أصبح دون المستوى الإنسانى من هذه الناحية.. أى ظلم أفدح، وأى وضع أصعب من وضع الفلاح؟ لقد حُرم من نعمة التثقيف والترقية، والتربية والتعليم، ثم عوقب من ولاة أموره الذين تجب عليهم المسارعة إلى انتشاله مما هو فيه.. تلك المآسى من فقر وجوع وجهل ومرض، من أسبابها التفكك والتمزق وانقطاع الصلة بين البلاد، فبين الوجهين البحرى والقبلى قطيعة وتباعد، ومثل ذلك بين العاصمة وسائر البلاد، الأمر إذن متعلق بإذكاء الشعور الإنسانى فى نفس هذا الجمهور الشهيد ورفع معنوية أفراده وجماعاته، وهذا واجب المثقفين من أبنائه، هذه الرسالة السامية هى رسالة المعلمين ورجال الدين، هم قبل غيرهم، وهم الذين تدعوهم طبيعة عملهم إلى الاندماج والاختلاط بطبقات الأهلين وكل من يسهل هذه الرسالة ويساعد على أدائها، يؤدى للوطن أنبل وأقدس واجب إنسانى).