رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدب الرحلات


أنشأ اتحاد كُتّاب مصر شُعبة أدب الرحلات ضمن العديد من الشُعب واللجان التى أنشأها مؤخرًا، وقد تشرفت برئاسة تلك الشعبة. وبالفعل تكونت لجنة من المهتمين بهذا النوع من الأدب تمهيدًا لمزاولة أنشطة الشعبة.
كان اختيارى تلك الشعبة نابعًا من فكرة تكونت لدىّ عبر قراءاتى العديدة لكتب أدب الرحلات، وعلى وجه الخصوص كتب الرحالة والمؤرخين الذين زاروا مصر فى أوقات مختلفة وكتبوا عنها، ابتداء من عبداللطيف البغدادى فى كتابه «الإفادة والاعتبار فى الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر»، الذى يقول فيه: «أفردت فيه الحوادث الحاضرة والآثار البادية المشاهدة». وصف فيه البغدادى أهوالًا بشعة وأضاف إليها الوباء الذى قضى على أغلب السكان فى حوادث ٥٩٨ هـ، والذى نقل لنا أول صورة عن الشعب المصرى وطرق معيشته، فى وقت كانت مصر تعانى فيه مجاعة من كبرى المجاعات التى مرت بها، غير أن مبالغات البغدادى، وخياله الخصب، صورا له أن المصريين كانوا يأكلون الجثث، وكانوا يصطادون الرجال بالحيلة ليأكلوهم، وأنه شاهد البعض وهم يأكلون امرأة سمينة، ولا أعرف كيف صارت سمينة فى وقت القحط والجفاف، والغريب أن كتابات البغدادى ظلت مرجعًا للكثير من الكتاب العرب منهم المقريزى والجبرتى وابن إياس وابن بطوطة وغيرهم، ونقلوا عنه ما جاء بكتابه.
كما جذبتنى كتابات الرحالة الأجانب. ومن المثير أن نقرأ ما كتبه عنا هؤلاء الأجانب، فأوروبا فى تلك الفترة عندما جاء رحّالتها، كانت فى مرحلة الانتشار للبحث عن مستعمرات، كان هؤلاء الرحّالة رسلها وجواسيسها وعيونها إلى تلك البقاع، كتبوا بالتفصيل، والغريب أنهم لم يخترعوا وقائع، ولم يبالغوا فيما شاهدوه، ولكنهم خضعوا للواقع وكتبوا ما شاهدوه.
عندما نقرأ ما كتبه الرحّالة عنا كمصريين، قد تصدمنا الصورة التى التقطوها لنا، ونجد أنها بالغة الكآبة، سنجد فيها شعبًا يهيم على وجهه، لا يعى من أمره شيئًا. فالآثار بجواره وحوله وتحت أقدامه، لا يعرف عنها ولا قيمتها شيئًا، ربما عن جهل، وربما عن غفلة، ولكنه سوء تقدير الحكام وتخلفهم. لكنهم- أى الرحالة- والحق يقال لفتوا أنظارنا إلى قيمة آثارنا وتاريخنا، وساعدونا فى الحفاظ عليها.
أدب الرحلات عبارة عن مجموعة الآثار الأدبية التى تتناول انطباعات المؤلف عن رحلاته، وتجولاته فى بلاد مختلفة. وقد يتعرض لوصف ما يراه من عادات وسلوك وأخلاق، أو تسجيل دقيق للمناظر الطبيعية التى يشاهدها، أو يسرد مراحل رحلته، أو يجمع بين كل هذا فى آن واحد.. ويعتبر أدب الرحلات- إلى جانب قيمته الترفيهية والأدبية أحيانًا- مصدرًا مهمًا للدراسات التاريخية المقارنة. كما يفيد علوم التاريخ والجغرافيا والجيولوجيا وعلم الاجتماع والثقافة، وكل ما يتعلق بثقافة المجتمعات.
ويقوم أدب الرحلات على عنصرين أساسيين لا يستغنى أحدهما عن الآخر.
العنصر الأول: هو نص أدبى جميل ومشوق لا يخلو من الخيال.
العنصر الثانى: رحلة واقعية قام بها الكاتب، وسجل خلالها مشاهداته اليومية.
وكنت قد فكرت أن أعرض على وزير الثقافة- حينها- حلمى النمنم، أن يتولى المجلس الأعلى للثقافة فكرة عقد مؤتمر سنوى لأدب الرحلات، يتناول بالبحث كل ما كتبه الرحّالة الأجانب عن مصر، خصوصًا فى بداية نهضتها من القرن الثامن عشر، بالتعاون مع الجمعية الجغرافية المصرية.
والغريب أن فكرة شعبة أدب الرحلات، قد تأخرت عن مجال الأنشطة الثقافية فى مصر، ولا توجد لها لجنة بالمجلس الأعلى للثقافة.