رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حصاد العرب فى المونديال.. روسيّات وكحوليّات!


ما زلت لا أعرف لماذا يصفون منتخب نيجيريا لكرة القدم بـ«النسور الخضراء»، ولا أعرف أيضًا لماذا يصفون المنتخب التونسي لكرة القدم بـ«نسور قرطاج». لكن ما أعرفه هو أن آمال الشعوب العربية في التأهل إلى الدور الثاني كانت معلقة على أجنحة النسور، وطارت معها، ونأمل ألا تطير آمال الشعوب الإفريقية مع أجنحة نسور نيجيريا الخضراء، في مباراة الجولة الثالثة مع الأرجنتين، بعد أن أسعدونا أمس الأول بفوزهم على أيسلندا بهدفين مقابل لا شيء.

غير نيجيريا، تراهن القارة السمراء على السنغال «أسود التيرانجا». وكنا تمنينا أن يتفادى المنتخب التونسي مصير أشقائه العرب، مصر، السعودية، والمغرب، وأن يتغلب على نظيره البلجيكي في استاد ملعب «أوتكريتيي» بالعاصمة الروسية موسكو، في افتتاح الجولة الثانية من منافسات المجموعة السابعة لنهائيات كأس العالم. تمنينا ذلك، لكن الرياح أتت أقوى من قدرة النسور على الاحتمال. وفشل المنتخب التونسي في الحصول على نقطة واحدة، بعد أن فقد النقطة الثمينة في مباراته الأولى أمام إنجلترا، بتسجيل هاري كين هدفًا قاتلًا لـ«الأسود الثلاثة»، لينتهي اللقاء بهدفين مقابل هدف واحد. والأسود الثلاثة، شعار أو صفة المنتخب البريطاني، ستجدها على كل شعارات بريطانيا، وتعود إلى الأستاذ ريتشارد الأول المعروف باسم قلب الأسد، ملك إنجلترا منذ سنة ١١٨٩ وحتى ١١٩٩ أي حتى وفاته.

استمرار تونس في البطولة كان سينهي مسيرة عمرها ٤٠ عامًا بدأت منذ شاركت للمرة الأولى في مونديال الأرجنتين سنة ١٩٧٨ واستمرت في بطولات ١٩٩٨، ٢٠٠٢، و٢٠٠٦ بدون تحقيق أي انتصار. وبالهزيمة الأحدث، تكون المنتخبات العربية الأربعة قد ودّعت المونديال مبكرًا، بعد الجولة الثانية من الدور الأول، عقب تعرض كل منها لخسارتين متتاليتين. ودعك أي «سيبك» من أن هذا الفريق أو ذاك قدم مباراة قوية أو كان أداؤه مشرفًا، لأن العبرة بتحقيق الفوز والحصول على النقاط الثلاث. وبالفوز وحده يمكننا التفرقة بين الجد واللعب، بالضبط كما أن السيف أصدق أنباءً من الكتب. أو كما قال الشاعر: الصعود المُشين أو المُقرف، أفضل كثيرًا من الخروج المُشرِّف!.

تميز المنتخب التونسي بقدرته على الدفاع بصلابة، وكاد هذا الأسلوب يفلح في مباراته الأولى أمام إنجلترا، يوم الإثنين الماضي، لولا نجاح هاري كين في اختراق الدفاع المنظم، وتسجيله هدف إنجلترا الثاني قبل نهاية اللقاء. لذلك كان على الفريق التونسي أن يستخدم طريقة لعب مختلفة أمام بلجيكا، للحفاظ على آماله في التأهل للدور التالي، وهو للأسف ما لم يحدث. كما لم ينل الفريق التونسي «احترام منتخب بلجيكا»، كما وعد مدربه نبيل معلول. ولا أعتقد أنه نال احترام أحد بتلك النتيجة التي لم ينافسه فيها، إلى الآن، غير المنتخب السعودي.

قبل المباراة قال معلول: «أعتقد أننا سنحظى باحترام بلجيكا، ولدينا طموحنا الخاص لتجاوز الدور الأول الذي لم تصل له تونس من قبل»، وأضاف لوكالة «رويترز»: «نحن بحاجة لدماء جديدة في الخط الخلفي، ثمة بطء في الخط الخلفي للمنتخب البلجيكي، وسنحاول استغلاله»، مشيرًا إلى أن لاعبيه سيحاولون «فك التواصل بين كيفن دي بروين وإدين هازارد، وعزلهما عن وسط الميدان». غير أن الاثنين، نجحا في قيادة فريقهما لدور الستة عشر. وكان هازارد ودي بروين قد احتاجا فترة من الوقت للدخول في أجواء المباراة التي جمعتهما مع بنما يوم الإثنين الماضي، لكنهما نجحا في نهاية المطاف في تحقيق الهدف المطلوب والفوز بثلاثية. أما أمام تونس فبدا أن الأمر كان أسهل بكثير!.

بخمسة أهداف مقابل هدفين، تقدم منتخب بلجيكا وضمن صعوده إلى دور الـ١٦. وتبددت أحلام نسور قرطاج وآمال العرب والأفارقة الذين راهنوا عليه. وبهذا الشكل، لم يعد أمام أبناء القارة السمراء، ونحن منهم، غير الرهان على منتخبي نيجيريا والسنغال. الأول تقدم إلى المركز الثاني في المجموعة خلف كرواتيا الذي ضمن التأهل، وسيكون في حاجة إلى تجنب الخسارة أمام الأرجنتين يوم الثلاثاء لامتلاك فرصة اجتياز دور المجموعات، أما «أسود التيرانجا» أو المنتخب السنغالي فبعد فوزه على بولندا، سيتحدد مصيره، الثلاثاء بعد مباراته مع اليابان، وقد يضمن تأهله لدور الـ١٦، لو فاز وانتهت مواجهة كولومبيا مع بولندا بالتعادل.

هذا ما فعلته المنتخبات الأربعة.. فماذا عن المشجعين؟!

لا نعرف ماذا فعل المصريون والسعوديون والمغاربة هناك، لكن يمكننا القياس على ما فعله التونسيون، إذ كانت السفارة التونسية وحدها هي التي أفصحت عن بعض التفاصيل. وكشف محمد على الشيحي، سفير تونس في روسيا، عن أن العديد من التونسيين الموجودين في روسيا لمتابعة مباريات كأس العالم توافدوا على السفارة، لمعرفة إجراءات الزواج بروسيات أو بأجنبيات وفق القانون، وطبقًا لما ذكره الموقع الإلكتروني لجريدة «الشروق» التونسية، فقد أكد السفير التونسي أن هناك من اصطحب معه أجنبية للسفارة لإتمام إجراءات الزواج.

عدد التونسيين الموجودين في روسيا حاليًا لمتابعة كأس العالم يتجاوز ١٢ ألف شخص، قال السفير التونسي، إنهم أدوا إلى «طغيان الحضور التونسي في بعض الشوارع والمدن، من خلال العادات والتقاليد التونسية التي زينت الأجواء، كالمزود والشاشية والبندير»، وأشار الشيحي إلى أن السفارة قامت بزيارة بعض المشجعين التونسيين في المستشفيات بسبب إفراطهم في شرب الكحول، لافتًا إلى تسجيل حادث مرور وحيد لمواطن تونسي في حالة ثمالة (أي سُكْر). كما أكد السفير التونسي أن السلطات الروسية تتعامل بكل ليونة مع الجالية التونسية، ولم تكن متزمتة مع متجاوزي القانون، خاصة مَن تم ضبطهم، وهم يقودون سيارات تحت تأثير الكحول.

خرجت المنتخبات العربية، إذن، من المونديال (أو المولد) بلا حُمّص، بينما يحاول المشجعون أن يعودوا بـ«حلاوة المولد». وعشمنا كبير في أن يكون المصريون، السعوديون، والمغاربة، قد حققوا الإنجازات العظيمة التي تحققت على أيدي الأشقاء التونسيين. لكن، هل يجرؤ سفيرنا في موسكو وسفراء الدولتين الشقيقتين على الإدلاء بتصريحات كتلك التي أدلى بها السفير الشيحي؟!.