رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزهر يوضح الشبهات الواردة حول أحاديث الآحاد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن أحاديث الآحاد حجة بالاتفاق بين علماء الأمة، ويجب العمل بها، ومن يردّ خبر الآحاد فإنه يردّ السنة المطهرة بأسرها، فهي قائمة في أغلبها على أخبار الآحاد، ودلنا الله في كتابه على قبول خبر الواحد في أكثر من موضع.

وأضاف العالمي للفتوي الإلكترونية: "قد تكاثرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف على الاحتجاج بحديث الآحاد، ولزوم العمل به. قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، وقول الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، ويسمى الرجلُ طائفةً؛ لقوله تعالى: ­{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا…}، فلو اقتتل رجلان دخل في معنى الآية، وقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وكيف بعث النبي ﷺ أمراءه واحدًا بعد واحد، فإن سها أحدٌ منهم رُدَّ إلى السنة.)".
وتابع الأزهر، فاستدل رحمه الله بالقرآن على قبول خبر الواحد. ووجه الدلالة من قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}: أنه لو كان خبر الواحد لا يُقبل لما أمرنا الله بالتثبُّت منه والتبيُّن، ولقال الله: إن جاءكم واحد بنبأ فردوه، ولكن لمّا أمر الله بالتثبت من خبر الواحد الفاسق، دلَّ ذلك على أن خبر الواحد العدل مقبولٌ ويُعمل به. ومنها: قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، فأمر من لم يعلم أن يسأل أهل الذكر وهم أولو الكتاب والعلم، وهو يشمل سؤالَ الواحدِ والمتعدد، ولولا أن أخبارهم تقوم بها الحجة لما كان لسؤالهم فائدة.
وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، فأُمِرَ ﷺ بتبليغ الدين للناس كافة، وقام بذلك خير قيام، ولو كان خبر الواحد لا تقوم به الحجة لتعذر وصول الشريعة إلى كافة الناس ولمَا حصل البلاغ، ومعلوم أن التبليغ باقٍ إلى يوم القيامة والحجة قائمة على العباد.

وأردف قائلًا: غير ذلك من الأدلَّةِ القرآنية التي تدل على وجوبِ قبول خبر الواحد إذا ثبتَ صدقه، وتوافرت فيه شروط العدالة والضبط. وأما أدلة السنة فأكثر من أن تحصر، منها: حديثُ سيدنا أنسِ بنِ مالكٍ t أن النبي e قال: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ بَلَّغَهَا عَنِّي، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» رواه ابن ماجه وغيره.

وفيه ندَبَ ﷺ إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها حتى ولو كان المؤدي واحدًا، مما يدل على قيام الحجة بخبره، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلمَ لم يكن لهذا الندْبِ والحثِّ فائدةٌ تُذْكَرُ. وحديث مالك بن الحويرث حين وفد مع بعض قومه إلى النبي ﷺ وفيه قال: «إذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ وَلْيَؤُمُّكُمْ أكْبَرُكُمْ» متفق عليه.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» رواه البخاري وغيره، وفي رواية لابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ -أَوْ قَالَ نِدَاءُ بِلَالٍ- مِنْ سُحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ قَالَ يُنَادِي- بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ» رواه مسلمٌ.

ونوه إلي أن الأحاديث فيها امر بتصديق المؤذن، والعملِ بخبره في دخول وقت الصلاة، والإفطارِ والإمساكِ مع أنه واحد، ولم يزل المسلمون في كل زمان ومكان يقلدون المؤذنين، ويعملون بأذانهم في هذه العبادات، وهو من أوضح الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد. إلى غير ذلك من الأدلة الواردة في السنة النبوية المطهرة التي تدل على وجوب قبول خبر الواحد والعمل به.
وأشار إلي أنه أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد والاحتجاج به، ولم يُنْقَلْ أن أحدًا منهم قال: إن هذا خبر واحد يمكن عليه الخطأ فلا تقوم به الحجة حتى يتواتر، ولو قال أحدٌ منهم ذلك لنُقل إلينا، وقد نقلت عنهم في هذا الباب آثار لا تحصى منها:
ما رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ t قَالَ: «بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ» ولولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لما تركوا المعلومَ المقطوع به عندهم لخبرٍ لا يُفيد العلم ولا تقوم به الحجة.
وحديث أنس في الصحيح أنه قَالَ: «كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ -وَهُوَ تَمْرٌ-، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ، قُمْ إِلَى هَذِهِ الجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ». حيث قطعوا بتحريم الخمر، وأقدموا على إتلاف ما بأيديهم من مال تصديقًا لذلك المخبِر، ولم يقولوا: نبقى على حِلِّهَا حتى يتواتر الخبر أو نلقى رسول الله ﷺ مع قربهم منه، ولم يُنقل أنه أنكر عليهم عدمَ التثبت.

وأكد الأزهر أنه بهذا يتضح -بما لا يدع مجالًا للشك- حجية أخبار الآحاد ولزوم العمل بها في أمور الدين كله، متى ثبتت عن النبيِّ ﷺ، وأن القول بعدم حجيتها قولٌ باطلٌ لا يعرف إلا عن أهل البدع من منكري السنة، أو مَن يسمون أنفسَهم بـ(القرآنيين)، ولو تُرك الاحتجاجُ بها لهُجِرَت السنة، وتهاوت أركان الشريعة، واندثر الحق.