رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنهم يذرون العمل


تقول الآية القرآنية «وذروا البيع»، ولم تقل وذروا العمل!!، وترك البيع يكون وقت صلاة الجمعة فقط، أى مرة واحدة فى الأسبوع، أما المتزيدون من أصحاب الدين الجديد- الدين الذى اخترعه دعاة الفضائيات المتربحون- فيذرون البيع والعمل ويوقفون الحياة خمس مرات فى الْيَوْم، مصدرين كراهية عجيبة للعمل وحبا شديدا للتراخى والكسل والتذرع بالدِّين وادعاء التقوى.
فى حقيقة الأمر هى عادة غريبة جديدة كغيرها من العادات، بل الصيحات والتقاليع والاختراعات العجيبة التى يتبارى فى اختراعها بإبداع متجدد عجيب الأصوليون ليفاجئونا بجديد عجيب كل يوم كتحريم السلام أو تهنئة المختلف فى الدين، بل إباحة قتله وسب غير المحجبة واستباحتها والإفتاء بوجوب قتل تارك الصلاة وتعقب المفطر فى رمضان.. إلى غير ذلك من العادات والاعتقادات والممارسات العجيبة التى يريدون منها إخضاع الناس وترويعهم ظنا منهم أنهم هم الأعلون.
وفى ذهابهم للصلاة وغلق محالهم وترك أعمالهم خمس مرات فى الْيَوْم بتكئة شرعية توحى للزبائن أن صاحب العمل رجل تقى ورع لن يخسر فى الميزان ولن يأتى ببضائع ركيكة الصنع أو مجهولة المصدر، فهو الرجل التقى المشهود له بارتياد المساجد أمام أعين الجميع وتركه لمصالحهم خمس مرات فى اليوم.. فتطمئن الزبائن له ويغضون الطرف عن مدى جودة بضاعته، فقد باع لهم تقواه بممارسته لطقس ما، أما تقوى جودة المصنف فستأتى كأولوية ثانية لدى غالبية الزبائن، فالبائع مشهود له بالتدين ولا تخشى التردد على محاله الأسر المصرية المحافظة وبناتها حتى وإن كان يظهر ربما عكس الحقيقة وعكس ما يبطن، وبالتالى يخطف ذلك المتزيد زبائن المحال الأخرى بإظهاره ذلك الورع الشكلانى، وبالتالى يصم جاره بالكفر والزندقة إن لم يحذ حذوه، فيضطر الجميع للرضوخ لذلك الغلو وتنتشر عدوى التزيد الفارغ بغلق المحال لتطول الجميع وتصبح عادة بل حالة عامة لا يجرؤ أحد على كسرها أو مخالفتها.. إنه نوع من الإرهاب والابتزاز الذى يمارس علينا لنصمت ونسكت عن المطالبة بحقوقنا فى إنجاز مصالحنا، خصوصا فى شهر رمضان الذى دومًا ما تعقب فيه الصلوات الخمس قراءة القرآن خلال أوقات العمل الرسمية.. والظاهر أنه فعل يؤتى من فرط التقوى والإيمان وهى ذريعة جديدة للتراخى وكراهية العمل ثم المطالبة بالأجر الكامل بل التذمر من قلته.. وغلاء الحياة والأسعار وهذا هو الهدف الأول أما الهدف الثانى من الصلاة وقراءة القرآن فى أوقات العمل وانتزاع راحة إجبارية من المصالح الحكومية والمحال وخلافه فهو ممارسة نوع من الاجتماعيات.. وأقصد «الطقوس الاجتماعية» وفرص لقاء الأصدقاء للحديث والثرثرة وتخليص الأعمال الجانبية.
فالمسجد يستخدم كمكان لتنظيم اللقاءات، فيقول لك زميل العمل أو صديقك مثلا «نتقابل فى الجامع أو أشوفك على صلاة العشا فى الجامع، أما السياسيون فالمسجد بالنسبة لهم مكان رائع للحشد والتعبئة العامة والترتيب لمظاهرات أو حتى اغتيالات.. كل حسب درجة أصوليته والتى يعتبرونها شدة فى الدين ورمزًا للتقوى والجهاد.. بيوت الله صارت على أيديهم نوادى اجتماعية وفرصًا مضمونة أيضًا للفتيات للقاء والتقاط أسرة عريس أو شريك نموذجى للحياة!! إذ أصيبت معظم الفتيات مؤخرًا بحالة من الفزع من فكرة مضى الوقت وأصابتهن الساعة البيولوجية بحالة من الصرع والهوس بل الهستيريا تجاه فكرة الزواج وإنجاب الذريات التى تسببت كثرتها فى الانفجار السكانى، وفى المسجد ستلتقى حتما الفتاة بحماة المستقبل أو شقيقة العريس فى صلاة التراويح، حيث ترتدى الراغبة فى الزواج لباس الصلاة والعفة وتبدو فيه الفتاة المحافظة المتدينة التى تريد الزواج والاستقرار فى المكان المثالى المناسب الذى يهفو الجميع إليه فهو الممتلئ دوما بأنماط البشر المختلفة فيسهل فيه التعارف وتقترب الأحلام وكل المراد من التحقق.. هكذا صارت بيوت العبادة.
هكذا يتهافت المتهافتون على اصطياد وانتهاز الفرص.. بدءًا من سرقة الزبائن أو إخضاع وإرهاب المختلف أو من يولى وقته لعمله ليصبح الدين قيمة وثقافة إنسانية معادية للعمل!! تعلو وتتعالى عليه لا تكمله! وينسى العباد أن الله خلقهم للسعى وإعمار الأرض بالعمل والكد لا لتكديسها بإنجاب البشر والالتهاء بالتكاثر والمتاجرة فى بيوت الله وجعلها أماكن لعقد الصفقات والترتيب للممرات وكنز الأموال وربما إخفائها فيها.. ثم السجود لله كوسيلة للتراخى والهروب من العمل، وبالتالى انتزاع الراحات الإجبارية بحجة الصلاة من صاحب العمل وانتزاع أوقات للتنزه وممارسة الاجتماعيات وربما التسوق ثم المطالبة بالأجر الكامل، رغم أن ساعات العمل قد اقتطعوا منها الكثير وجاءت منقوصة وغير مكتملة، ضاربين عرض الحائط بمصالح البلاد وقاطنيها متذمرين من ضيق الحال والمحال وهم يكرهون العمل.