رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من التفجير إلى الذهب.. رحلة التصنيع بـ"منجم السكرى" (صور)

صورة من الحدث
صورة من الحدث

-استخراج جرام ذهب يحتاج نقل 7 أطنان صخور وحجارة
-منجم السكرى ملحمة تعدينية وفخر للمصريين
-"الدهابة" ينقبون عن الذهب بطرق غير شرعية
-المنجم يستهلك سولار بـ 2 مليون جنيه يوميا

رصدت "الدستور" فى جولة تفقدية قامت بها على بعد نحو 800 كيلو متر من القاهرة داخل قلعة الذهب فى مصر منجم السكري، أشهر مناجم الذهب في الصحراء الشرقية، الذى يقع في منطقة جبل السكري الواقعة في صحراء النوبة جزء من الصحراء الشرقية، وعلى بعد 30 كيلومترا جنوب مرسى علم في محافظة البحر الأحمر، والذى يعد من أكبر 10 مناجم ذهب على مستوى العالم، وتديره شركة السكرى بالتعاون مع هيئة الثروة المعدنية التابعة لوزارة البترول وشركة "سنتامين" مصر.

وفى معايشة لـ"الدستور"، استمرت لمدة يومين داخل مدينة مرسى علم ومنجم السكرى، رصدت خلالها مراحل تصنيع الذهب من لحظة تفجير الصخور حتى مراحل الصب والتصنيع، بالإضافة إلى المحميات الطبيعية المجاورة لمنجم السكرى وشوارع مدينة مرسى علم السياحية ومشاهدة "الدهابة" داخل جبال الصحراء الشرقية.

فى البداية وأثناء هبوطنا بمطار مرسى علم للتوجه لموقع "السكرى" تقابلنا على شاب "أسمر" من أبناء الصعيد بمحافظة قنا اسمه أحمد جاء إلينا لتوصيلنا إلى المنجم وفي أثناء الطريق التى استغرقت نحو ما يقرب من ساعة من مطار مرسى علم حتى المنجم، حكى لنا أحمد طبيعة البلد والدهابة، وكيف يعيش البدو في هذه المنطقة الوعرة التى تحيطها الجبال من جميع الاتجاهات، بالرغم من وجود وحدات سكنية لهم تسلموها عن طريق محافظة البحر الأحمر لكنهم أصروا على العيش بين الجبال، لقيامهم بأعمال التنقيب عن الذهب ليلًا وبالرغم من عيشتهم البسيطة ومنازلهم المبنية من الطوب اللبن على هيئة عشش بجوارهم أغناهم يرعونها، إلا أن أولادهم يستقلون سيارات من أحدث الموديلات من ماركات عالمية يزيد ثمنها عن المليون جنيه، و"والدهابة" هم الأشخاص الذين ينقبون على الذهب بطرق غير شرعية ما يتسببون فى إخفاء معالم الذهب فى الجبال لأنهم يعملون بطرق عشوائية غير علمية يشوهون خلالها جميع المعالم التى تفيد بوجد ذهب أو معادن بهذه المناطق، وهم قبائل كثيرة، وبذلت الدولة جهودا كبيرة في مطاردتهم، وتم القبض على أعداد كبيرة منهم، وفى آخر زيارة للمهندس إبراهيم محلب للمنطقة رفع خلالها تقرير للرئيس عبد الفتاح السيسى عن عمل الدهابة وأنهم يمثلون قبائل كثيرة من أسوان ومرسى علم وقنا والقصير وسفاجا، وأمر الرئيس السيسى بعد التقرير بتقنين أوضاعهم والعمل بطرق علمية تحت إشراف الدولة وهذا ما أسعد الدهابة وبدأوا فى تكوين شركات وفى انتظار الترخيص.




وفي أثناء وصولنا إلى المنجم كان فى استقبالنا اللواء عصمت الراجحى مدير أمن المنجم، وهو من أعد الزيارة وأحضر موظف الأمن والسلامة ليشرح لنا كيفية التحرك بأمان داخل مواقع المنجم وأعطانا أدوات السلامة والأمن، ثم بعد ذلك تحركنا مع مهندس التفجير الذى أخذنا إلى مواقع تفجير الصخور وكيفية عملية التفجير بالطرق العلمية التى تقوم على خلخلة الصخورة والأحجار فى الأرض من مكانها دون تحركها حتى يسهل على المعدات نقلها إلى الطحن والفرز.



وقال مسؤل التفجير بمنجم السكرى نادر أسعد، إنه يوجد نوعان من التفجير، الأول "قطع الحائط عن البينش" بحيث يتم عمل مدرجات فى أعمال القطع، أما التفجير الثانى والإنتاج عن طريق تفجير الأرض وإحداث خلخلة دون تحريك الخامة من مكانها وهذه التقنية هى أحدث تكنولوجيا التفجير على مستوى العالم، مشيرا إلى أنه بعد عملية التفجير يتم حفر الآبار، بعد انتهاء عمل المساح الذى يُحدد مساحة التفجير على الأرض، ثم يتم حقن الآبار ثانى يوم من التفجير ثم يتم ردمها، ويأتى بعد ذلك دور الجيولوجى والتعدين لتحديد الخامة التى سيتم نقلها.







المهندس كريم محمود مسؤل التعدين، قال إنه قبل عملية التفجير يتم حفر آبار بمساحات معينة بحيث يتم معرفة كل منطقة وكميات الذهب الموجودة بها بكل دقة، ثم يتم إرسال العينات للمعمل بحيث تأتى مرة أخرى خلال 24 ساعة وبعد ذلك يتم التفجير حسب المساحة المحددة على أن يتم نقلها عن طريق فرق متخصصة بالمعدات تسع نحو 5 مترات و10 مترات على أن يتم فرز الصخور المتفجرة وتصنيفها ذهبا أو "ويست" بمعنى لا يوجد بها ذهب، ويتم نقلها أيضا إلى الأماكن المخصصة لها، بمعنى آخر أنه من أجل استخراج جرام ذهب يتم نقل ما يقرب من 7 أطنان صخور وحجارة، موضحا أن هناك الكثير يظن بأنه سيجد الذهب على جانبى الطرق والجبال فى منجم السكرى لكنها عملية مجهدة جدًا ومكلفة من أجل استخراج جرام واحد ذهب.







من جانبه، قال اللواء عصمت الراجحى مدير أمن المنجم، إن "السكرى" عبارة عن ملحمة تعدينية وفخر لأى مصرى، وهنا التعدين علم كبير جدا لا يعرفه الكثيرون وهو مستقبل مصر القادم اقتصاديا، موضحا أن منجم السكرى أعاد الحياة لمدينة مرسى علم والصحراء الغربية وأقيمت من أجله محطة كهرباء والعديد من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية لمدينة مرسى علم والمناطق المجاورة، بالإضافة إلى محطتين لتحلية المياه، ويعمل بالمنجم نحو 5 آلاف عامل مباشر وغير مباشر ويتعامل مع أكثر من 1200 مورد و25 شركة مقاولات تستفيد منهم الدولة من ضرائب ورسوم نقل وجمارك وخلافه، بالإضافة إلى أن المنجم يستهلك يوميا بأكثر من 2 مليون جنيه سولار بالسعر العالمى دون دعم، مشيرا إلى أن الجيولوجى سامى الراجحى كان حلمه أن يرى سيناء والصحراء الشرقية تضيئ سماء مصر بأنوار المصانع.


ثم اتجهنا بعد ذلك إلى مصانع إنتاج الذهب، وهناك كان فى انتظارنا المهندس إسلام الأشقر، نائب مدير عمليات المصنع بالمنجم، إذ قال إنه يوجد مصنعين؛ المصنع القديم الذى تم إنشاؤه فى 2009 وبدأ الإنتاج الفعلى فى عام 2010، والمصنع الجديد جاء للتوسع وتم ضمهما لبعض بحيث يتم تجميع الخامة المجمعة فى منطقة التخزين على حسب نسبة وكمية الذهب فى كل نوع، فمثلا يتم تجميع خامة الجرام الواحد مع بعضها والخامات الأخرى مع بعضها، بحيث يتم معرفة كميات الذهب فى كل خامة ثم يتم بعد ذلك تجميع الخامة فى الكسارة ويتم طحنها من متر ونصف إلى نحو 4 سم لأنه كلما تم تصغير الحجم كلما كانت فرصة الحصول على الذهب أكبر، ويوجد لدينا كسارتين وكل واحدة تقوم بطحن نحو 1800 طن صخور فى الساعة بإجمالى 3600 طن فى الساعة للكسارتين، وذلك لأحجام متر ومتر ونصف، كما يوجد كسارتين أخرتين للاحجام 4 سم.





وبعد ذلك شاهدنا مراحل إنتاج الذهب بالمصنع في أثناء طحن الصخور صغيرة الأحجام حتى دخولها الغلايات وإضافة المواد الكيماوية لاستخراج الذهب الخام منها.

أما بالنسية للعاملين بمنجم السكرى والذى يصل عددهم نحو 5 آلاف عامل يتم تقسيمهم على ورادى وإجازات لكل يومين عمل يوم إجازة، إذ إنهم يقيمون بغرف مبنية على الطراز النوبى جميعها مكيفة وبها جميع المرافق والكماليات مجهزة كغرف فندقية جميعها يخضع لتصميم واحد للعاملين والمهندسين والقيادات بالشركة وأيضا للزائرين.



وكان المهندس يوسف الراجحى، مدير «سنتامين» المالكة لمنجم «السكرى»، كشف فى حواره لـ"الدستور"، إن مبيعات الذهب من مشروع المنجم تقدر بنحو ٤ مليارات دولار، وأن المصاريف التشغيلية لإنتاج الذهب من المشروع، تبلغ أكثر من ٢.١ مليار دولار، فيما تبلغ التكاليف الاستثمارية أكثر من ١.١ مليار دولار.

واعتبر أن قانون التعدين فى مصر غير جاذب للاستثمار، منتقدا «البيروقراطية»، التى تعرقل عمليات التصدير للخارج، مشيرا إلى أن شركته قادرة على ضخ مشروعات فى مصر، تعادل ٢٠ مرة مشروع منجم السكرى، موضحًا أن إجمالى حجم توريد الذهب للبنك المركزى منذ 2017 حتى مايو الماضى، وصل لما يقرب من نصف طن سبائك ذهب صافى.

وقال إن مبادرة البنك المركزى المصرى وشركة السكرى لمناجم الذهب، التى تم توقيعها نهاية العام الماضى، والتى بمقتضاه توفر الشركة احتياجات الشركة ذهبًا بمقدار 50 مليون جنيه، شهريًا للبنك المركزى لرفع احتياطى الذهب.

ويبلغ إجمالى إنتاج المنجم من الذهب نحو 106.7 طن منذ بدء الإنتاج بالمنجم منذ بداية الإنتاج خلال عام 2010 حتى نهاية أبريل الماضى. وتستهدف شركة السكرى لمناجم الذهب إنتاج نحو 560 ألف أوقية خلال العام الجارى 2018، ارتفاعًا من مستوى 550 ألف أوقية الذى حققه إنتاج المذهب فى العام الماضى.

وتعمل فى مصر شركتان لإنتاج الذهب، هما الشركة الفرعونية الأسترالية بمنجم السكرى، وشركة "ماتزهولدنج" القبرصية التى تعمل فى منجم "حمش"، إضافة إلى شركتين للبحث والتنقيب عن الذهب، هما "آتون ميننج" الكندية، و"ثانى دبى" الإماراتية.