رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وروسيا.. غرام وانتقام




من أين نبدأ رصد هذه العلاقة التاريخية، ووصف طبيعة وتطور العلاقات المصرية- الروسية عبر التاريخ، وحالة الشجن المرتبطة بذلك؟ وعلى أى مجال من المجالات يكون التركيز، على الجانب ‏السياسى أم الاقتصادى أم الثقافى، أو حتى الدينى؟!‏
ربما لا يعلم الكثيرون عمق العلاقات الدينية مع روسيا، إذ اعتنقت روسيا المسيحية على المذهب الأرثوذكسى، وبالتالى أصبحت هناك صلات مذهبية تربط بين الكنيسة الروسية والكنيسة القبطية، وطيلة ‏القرن التاسع عشر رفعت روسيا القيصرية شعار أنها حامية المذهب الأرثوذكسى على مستوى العالم، وفى منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وحاولت الكنيسة الروسية بسط حمايتها على الكنيسة ‏القبطية، لكن البابا القبطى رفض ذلك، مشددًا على استقلال الكنيسة القبطية.‏
كما ضمت القيصرية الروسية، ولاحقًا الاتحاد السوفيتى، الملايين من المسلمين، لا سيما من الترك والتتار، وهنا توثقت العلاقات بين مصر الأزهر، والشعوب المسلمة فى روسيا، وجاء العديد من أبناء ‏هؤلاء إلى مصر للتعلم فى الأزهر، الذى أصبح بحق بالنسبة لهؤلاء منارة الإسلام واللغة العربية.‏
ولا يمكن أن ننسى البُعد الثقافى فى العلاقات المصرية- الروسية، هل ننسى ترجمات روائع الأدب الروسى، لا سيما أدب القرن التاسع عشر، إلى اللغة العربية؟ هل ننسى كيف كنا نتسابق على شراء ‏الكتب المترجمة والرخيصة من دار التقدم ومكتبة الشرق؟! وأسطوانات الموسيقى الروسية؟
وقصة الشيوعية والحركة الاشتراكية فى مصر تستحق الذكر، والارتباط بالحركة الأممية، ربما هذه العلاقة والارتباط بين الشيوعية العربية، والمصرية على وجه الخصوص كانت محل انتقاد من جانب ‏البعض، إلى الدرجة التى طعن فيها البعض فى وطنية بعض الجماعات الشيوعية، لا سيما فى المواقف السياسية فيما يتعلق بنشأة إسرائيل عام ١٩٤٨ والقومية العربية، لا سيما مع الوحدة المصرية- ‏السورية فى عام ١٩٥٨.‏
ومن طرائف التاريخ حول المؤثرات الشيوعية السوفيتية فى الحركة الوطنية المصرية، أن الوثائق البريطانية فى عام ١٩١٩ اعتقدت أن هناك تأثيرًا بلشفيًا روسيًا على ثورة ١٩١٩، لا سيما مع ظاهرة ‏الجمهوريات المستقلة مثل جمهورية زفتى وغيرها، وتشبيه الوثائق البريطانية لذلك الأمر بالكميونات الشيوعية، ليتضح بعد ذلك عدم حقيقة هذا الادعاء، وأن مصدره تخوف الغرب بشكل عام وذعره من ‏الثورة الشيوعية فى روسيا بعد ١٩١٧.‏
ويعتبر السد العالى بحق خير تعبير عن الصداقة المصرية- الروسية، وسيذكر التاريخ دومًا المساعدات والخبرات الروسية فى هذا الشأن، وما يزال نُصُب الصداقة السوفيتية- المصرية فى أسوان شاهدًا ‏على ذلك، وأيضًا صوّرت السينما المصرية ذلك الأمر فى فيلم سينمائى مصرى- روسى مشترك، قام المخرج الشهير يوسف شاهين بإخراجه، هو «الناس والنيل»، لكن هذا الفيلم لم يأخذ حقه من الدعاية، ‏أو حتى الدراسة المتأنية.‏
ومن ناحيةٍ أخرى لم تخلُ العلاقات المصرية- الروسية من فترة توتر، بل وأحيانًا انقطاع، لا نستطيع أن ننسى موقف مصر الملكية من الاتحاد السوفيتى، والخوف من محاولات السوفيت نشر الشيوعية فى ‏مصر والشرق الأوسط.‏
ومن المهم الوقوف عند موقف السادات من الاتحاد السوفيتى، إذ لم يثق السادات قط فى الاتحاد السوفيتى، سواء قبل توليه الحكم أو حتى بعد توليه، وكان السادات أميَّل إلى التحالف مع أمريكا.‏
على أى حال تتعدد جوانب العلاقات المصرية- الروسية، لكننا لا ينبغى أن نعيش فى التاريخ، ونتصور روسيا بوتين هى الاتحاد السوفيتى وهى حليفتنا ضد الإمبريالية الأمريكية، لقد انتهت الحرب الباردة، ‏وأصبحنا فى عصر العولمة، وربما ما بعد العولمة، لذلك من المهم أن نستفيد من التاريخ فى رسم طبائع العلاقات الروسية- المصرية الجديدة، ووفقًا لمعطيات المستقبل.‏