رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خَزَائِنُ رَحْمَةِ الله لا تنفد




أيها القارئ الكريم تأمل معى هذه الآية القرآنية، فالله جل جلاله سمى الرزق والنعمة رحمة، كما فى قوله: «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّى».. وهنا نذكر ما قاله بعض أهل التفسير فى ‏معنى هذه الآية الكريمة:‏
فى تفسير ابن كثير نقرأ معنى قوله تعالى «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا»: يقول الله تعالى لرسوله، صلوات الله عليه وسلامه، قل لهم يا ‏محمد: لو أنكم- أيها الناس- تملكون التصرف فى خزائن الله، لأمسكتم خشية الإنفاق. قال ابن عباس، وقتادة: أى الفقر، أى: خشية أن تذهبوها، مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدًا، لأن هذا من طباعكم ‏وسجاياكم، ولهذا قال: (وكان الإنسان قتورا) قال ابن عباس وقتادة: أى بخيلًا منوعًا. ‏
وقال الله تعالى: «أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرً»، «النساء: ٥٣» أى: لو أن لهم نصيبًا فى ملك الله لما أعطوا أحدًا شيئًا، ولا مقدار نقير. والله تعالى يصف الإنسان من حيث ‏هو، إلا من وفقه الله وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفات له، كما قال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا» «المعارج: ١٩ - ٢٢». ولهذا ‏نظائر كثيرة فى القرآن العزيز، ويدل هذا على كرمه وجوده وإحسانه، وقد جاء فى الصحيحين: «يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه ‏لم يغض ما فى يمينه».‏
وفى تفسير القرطبى فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا»: إن قوله تعالى: قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى، أى ‏خزائن الأرزاق. وقيل: خزائن النعم، وهذا أعم.‏
إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق من البخل، وهو جواب قولهم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا حتى نتوسع فى المعيشة. أى لو توسعتم لبخلتم أيضًا. وقيل: المعنى لو ملك أحد المخلوقين ‏خزائن الله لما جاد بها كجود الله- تعالى- لأمرين: أحدهما أنه لا بد أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته. الثانى أنه يخاف الفقر ويخشى العدم. والله- تعالى- يتعالى فى جوده عن هاتين الحالتين. ‏والإنفاق فى هذه الآية بمعنى الفقر، قاله ابن عباس وقتادة. وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر، إذا قل ماله.‏
وكان الإنسان قتورا، أى بخيلا مضيّقا. يقال: قتر على عياله يقتر، ويقتر قترا وقتورا إذا ضيق عليهم فى النفقة، وكذلك التقتير والإقتار، ثلاث لغات. واختلف فى هذه الآية على قولين: أحدهما أنها ‏نزلت فى المشركين خاصة، قاله الحسن. والثانى أنها عامة، وهو قول الجمهور، وذكره الماوردى.‏
أما فى تفسير البغوى فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا»: «قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى» أى: نعمة ربى ‏وقيل: رزق ربى «إذا لأمسكتم» لبخلتم وحبستم «خشية الإنفاق» أى: خشية الفاقة. قاله قتادة. وقيل: خشية النفاد يقال: أنفق الرجل، أى أملق وذهب ماله ونفق الشىء أى: ذهب. وقيل: لأمسكتم عن ‏الإنفاق خشية الفقر. «وكان الإنسان قتورا» أى: بخيلا ممسكا عن الإنفاق. وكذلك فى تفسير الطبرى فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ‏وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا»:‏
يقول تعالى ذكره لنبيّه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لو أنتم أيها الناس تملكون خزائن أملاك ربى من الأموال، وعنى بالخزائن فى هذا الموضع: المال «إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ» يقول: إذن ‏لَبَخِلْتُمْ بِهِ فَلم تجودوا به على غيركم، خشية من الإنفاق والإقتار. وعن ابن عباس قال «إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ» قال: الفقر. وعن قتادة قال «خَشْيَةَ الإنْفَاقِ» أى خشية الفاقة. وقوله «وَكَانَ الإنْسَانُ ‏قَتُورًا» يقول: وكان الإنسان بخيلا ممسكا. وقال ابن عباس، فى قوله «وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا» يقول: بخيلا.‏
وفى القتور فى كلام العرب لغات أربع، يقال: قتر فلان يقْتُر ويقْتِر، وقتر يقتِّر، وأقتر يُقْتر، كما قال أبودواد: لا أعُــدُّ الإقتــار عُدْمــا وَلَكِـنْ *** فَقْــدُ مَــنْ قَـد رُزِيتُـهُ الإعْـدَامُ. طبعا هذه المعانى ‏كلها واردة ودليل ذلك ما نراه اليوم من بخل وشح واضح حتى رأينا فى القرنين العشرين والحادى والعشرين أناسًا يموتون من الجوع، ولا نزال نرى ذلك كل يوم، وهناك دول كانت غنية أو مستورة، ‏ولكن الحروب أفقرتها وأدت ببعضها إلى الموت جوعا، وجعلت أهلها أذلة للأسف الشديد. وكل الجهود التى تبذل لإنقاذ البشر من الضياع جهود ضعيفة سواء على المستوى العالمى أو الإقليمى أو ‏الوطنى.‏
الشح واضح، والخوف من الفقر واضح، والثقة فى وعد الله تعالى وكنوزه ليست بالكاملة عند الكثيرين «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ». ليتنا نعود جميعا إلى المعانى القرآنية الجميلة التى ‏جسدها الرسول، صلى الله عليه وسلم، فكان أجود الناس، وكان جوده يتضاعف فى رمضان. أما وقد انتهى شهر رمضان المبارك، فعلينا ألا ننسى نصيبنا من العبادة، وحسن التعامل مع الآخرين، ‏وهذه هى الشريعة السماوية العظيمة، عبادة وتوحيد لله الواحد القهار وحسن معاملة مع البشر وهم جميعا خلق الله تعالى. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، كما أشارت بذلك وأخبرت أم ‏المؤمنين عائشة، رضى الله عنها وأرضاها. وللحديث صلة. وبالله التوفيق.‏