رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: البلطجة.. الإرهاب الآخر

عبدالرحيم طايع
عبدالرحيم طايع



سنواجه إرهابًا خطيرًا بعد الإرهاب المتقنِّع بالدين، يمكن تسميته «الإرهاب الاجتماعى»، سنواجه البلطجة بكل تجلِّيات الكلمة الشريرة على الأرض من الصور البغيضة والمعانى السيئة.‏
سنجد أنفسنا، فى لحظة قادمة لا محالة، فى مواجهة حتمية مباشرة مع أعداء الحياة السلمية السليمة، وما أفدح تزايدهم ببلادنا!.. فى ظل انصراف همة الدولة الآن كليًا لمواجهة الإرهاب الدينى، ‏بكل العدة والعتاد، ينمو إرهاب لا يقل خطورة تحت السطح، إرهاب سيأتى الدور للتصدى له، فالأمر يتعلق بمصائرنا أيضا كما الإرهاب الدينى بالضبط.‏
منذ سنوات، امتلأت صفحات الحوادث عندنا بما «يجعل الولدان شيبًا»، جرائم لم تكن موجودة من قبل، ولم تكن لتخطر على بال أكبر المتشائمين؛ فمن تشريد الوالدين لأسباب تافهة إلى تزوير ‏الأعمار وغش المواريث، ومن استغلال السذج أبشع استغلال إلى سيارات تتسابق فى الميادين المزدحمة وتقتل المارة بسرعتها الجنونية ولا تبالى، والأدهى أنها قد تجد مدافعين عن جموحها ‏واستهتارها!.‏
لا يخلو الأمر من فظائع ترتكبها الحكومة نفسها بالتغاضى عن محاسبة الفاشلين ومعاقبة الفاسدين.. يشعر المواطن المصرى بأنه بين يدى بلدين لا بلد واحد، أحدهما غنى قوى نظيف كإعلانات ‏السيراميك الفاخر، والثانى فقير ضعيف قذر كالعشوائيات التى تملأ المناطق من الخلف.‏
ظاهرة البلطجة «مصدر بَلْطَجَ ومعناها حالة من الفوضى والتخريب والخروج على القانون» ظاهرة أهملت الحكومة علاجها من المهد؛ فتصاعدت ألسنة لهبها وأصابت حرائقها الجميع بما فى ‏ذلك المؤسسات الحكومية نفسها.‏
فى برامج التوك شو الفضائية وفى الصحف والمجلات والمواقع الخبرية الإلكترونية وفى الواقع نفسه قبل كل شىء؛ تقع العين كل ساعة على ما لا يمكن تخيله من القبائح المذمومة فى مجتمع ‏يدَّعى أفراده التدين والتمسك بالفضيلة.‏
الفضيلة.. الفضيلة «ردِّدُوا الكلمة معى لو سمحتم».. كأنَّ لها وقعًا حميمًا مفتقدًا.. ولله درُّ الشاعر حين قال:‏
مررت على الفضيلة وهى تبكى.. فقلت علام تنتحب الفتاة؟
فقالت كيف لا أبكى وأهلى.. جميعًا دون خلق الله ماتوا!‏
تلك البلطجة التى استشرت فى البلاد وفشت وتمكَّنت وسادت- لا بد من مواجهتها مواجهة شاملة هى الأخرى فى أسرع وقت بعد الانتهاء من المهمة الخطرة العاجلة التى بين أيدينا، ومن الواجب ‏أن أشير هنا إلى التقصير الأمنى فى مواجهتها؛ فالأمن الجنائى غاب غيابًا ملحوظًا منذ صعود الأمن السياسى بحكم طغيان حديث السياسة وازدهار جماعاتها الخارجة على النظام العام.. والمؤسف ‏بهذا الصدد استغلال بعض أفراد الأمن سجلات البلطجية وتوظيفهم كمرشدين، والمقابل تجاهل ما تقترفه أيديهم من الآثام.‏
نعم يحدث ذلك للأسف، وعلى الشرفاء بجهاتنا الأمنية، وما أكثرهم!، التنبه للأمر قبل أن يتفاقم هذا الإرهاب تفاقمًا يستحيل معه القضاء عليه أو مجرد الحد من بشاعته.‏
الناس فى مصر خائفون على أنفسهم وأولادهم وأعراضهم وأموالهم، حتى لو لم تبد عليهم مظاهر الخوف، خائفون بشدة لكنهم يثقون فى قدرة الأجهزة على وأد الفتنة حين تتفرغ لها، ويأملون فى ‏أن تتفرغ لها سريعًا سريعًا.. «يكاد حديث الجنس الحرام والمخدرات يقضى على مستقبل وطننا».. قالها لى رجل عابر منذ وقت بعيد، وظننته يبالغ حينها، ومع الوقت اتضح أنه قرأ المشهد قراءة ‏استشرافية عميقة، واستنتج كثيرًا من الظلام الذى كان فى رحم الغيب أيام ذاك؛ ومعروف أن البطلجة أساسها غياب العقل وأنها تسعى إلى حصد اللذائذ الجسدية بهوس كامل.‏
لم يعد شارع يخلو من غلام ضائع يبيع السموم للناس على أنها حلول الأزمات وسعادات الأرواح، ولم تعد الأعياد تخلو من التحرش بالإناث.. أما الأسلحة البيضاء فما أكثرها فى أيدى الموتورين بلا ‏رادع، وكم تبرز هذه الأسلحة الحادة المميتة فى المشاجرات والاحتكاكات المشينة، تصيب وتجرح وتقطع، وتسيل الدماء.‏
الإرهاب ليس توجهًا دينيًا متشددًا فحسب، ومن الخطأ أن نظن الإرهاب فكرًا دينيًا متطرفًا تنجم عنه أعمال تدميرية، ونستريح إلى ظننا الأحادى، ولا نفتش وراءه؛ فهناك إرهاب إهمال الرقابة ‏الحكومية الذى يفتح الأبواب لطغيان المثالب والآفات، وهناك إرهاب مجتمعى صار أوضح ما يكون، يمكن تشبيهه بمجموعة أفراد مقنَّعين يتحلَّقون سيارة خاصة آمنة بالمدافع الرشاشة، يفعلون ذلك ‏بصورة مفاجئة، فى مكان هادئ مضمون مخطط له، ليخطفوا بشرًا أو ليسرقوا مالًا غير مهتمين بما قد يجرى بعد ذلك.‏