رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خاص.. أسرار كتائب تشويه عمليات ‏الجيش فى سيناء

جريدة الدستور

- القيادى الإخوانى عمار صالح كان مسئول الاتصال بين عناصر «الإرهابية» بسيناء والقيادات الهاربة بالخارج
- جمعيات خيرية مولت تحركات الكتائب الإلكترونية على رأسها «الإصلاح» بالبحرين و«٦ أكتوبر» ببئر العبد


كشفت القضية رقم ١٨ لسنة ٢٠١٨، جنايات شمال القاهرة العسكرية، التى قضت فيها المحكمة العسكرية بحبس وليد محارب، والباحث إسماعيل الإسكندرانى، بالسجن ١٠ ‏سنوات حضوريًا، وحبس ١٨ متهمًا آخرين غيابيًا بالسجن ١٥ عامًا، عن تكوين المتهمين خلايا لبث الشائعات حول العمليات العسكرية فى سيناء والادعاء بتهجير الأهالى ‏لإحداث وقيعة بين المواطنين والمؤسسة العسكرية. وأظهرت تحقيقات نيابة أمن الدولة فى القضية، أن عناصر تنظيم الإخوان الإرهابى سعت لاستقطاب وتجنيد عدد من أبناء ‏شمال سيناء وإنشاء صفحات على «فيسبوك» لنشر أخبار مغلوطة عن القوات المسلحة والمداهمات، وأكاذيب حول علاقة قوات إنفاذ القانون وأبناء سيناء. «الدستور» تنشر ‏تفاصيل التحقيقات والأحراز فى القضية التى صدر الحكم فيها فى مايو الماضى، وواجه المتهمون فيها تهم الانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون والدعوة إلى تعطيل ‏أحكام القانون والدستور، ونشر مناطق وأماكن تمركز وتحركات القوات المسلحة على مواقع التواصل الاجتماعى، وإذاعة شائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد.‏


التمويلات تأتى من «إخوان الخارج».. والتحويل على مكتب بريد بئر العبد بـ«أسماء ‏وهمية»‏

وليد محارب، شاب فى الثانية والثلاثين، وُلد لأسرة متوسطة فى مدينة «بئر العبد» بشمال سيناء، انضم لجماعة «الإخوان» عام ٢٠١٠، كما شارك فى اعتصام «رابعة العدوية» عقب عزل الرئيس محمد ‏مرسى وحتى نهايته، لعب دورًا كبيرًا فيما يمكن أن نسميه «الإرهاب الإعلامى» الذى مارسته الجماعة.‏
‏«كنت حريصًا على نشر المشاهد التى تشوّه صورة الجيش لدفع الناس للسخط على المؤسسة العسكرية وبث كراهية المواطنين لهم والتظاهر ضدهم».. هكذا قال «محارب» أمام محققى نيابة أمن الدولة ‏العليا.‏
عمل «وليد» مع لجنة الإغاثة الدولية التابعة للإخوان فى نقل مساعدات إلى قطاع غزة الفلسطينى، لكن دوره الأخطر كان عندما بدأ يجمّع مقاطع فيديو من صفحة تنظيم «أنصار بيت المقدس» على ‏‏«فيسبوك» ويُجرى مونتاجًا لها ليحذف اسم التنظيم، ثم ينشرها على أنها آراء الأهالى فى سيناء.‏
كذلك- كما شرح- فإنه فَبْرك مقاطع مصورة تزعم تجريف قوات الجيش المصرى الأراضى، وهدم المساكن للأهالى، وذلك باستخدام البرنامج التقنى «كام استديو»، ثم نشر هذه الفيديوهات على كل ‏الصفحات الخاصة بالإخوان.‏
من أجل هذا أيضًا، انضم «محارب» إلى مجموعة مكلفة بنشر الأكاذيب عن الدولة، وإشاعة الأخبار السلبية عن الاقتصاد، ومزاعم انخفاض البورصة وإظهار الدولة ضعيفة أمام الناس.‏
كانت المجموعة تلعب بسلاح التهويل فى التعامل مع كل الأحداث، والزج بأسماء مسئولين فى تغطيات كاذبة لتشكيل رأى عام سلبى داخل مصر.‏
ومن بين الأحداث التى اشتغلت عليها المجموعة بعد معالجتها سياسيًا، غرق ناقلة الفوسفات فى نهر النيل عند قنا، أبريل ٢٠١٥، وانهيار كوبرى عزبة النخل فى فبراير من العام السابق على ذلك، وذلك ‏من خلال موضوعات موحدة يُجرى نشرها على كل «الجروبات» العامة على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى يتفاعل الناس معها ويعيدوا «تشييرها» بصورة مخالفة للحقيقة.‏
وكانت وراء كل ذلك قيادات الإخوان الهاربة فى تركيا التى تولت التمويل، وحسب «محارب»، فالمبالغ كانت تُرسل على مكتب بريد «بئر العبد»، أو من خلال شركات، بأسماء وجهات وهمية.‏
ورغم أن والده كان دائمًا ما يرفض ما ينشره ابنه من أخبار كاذبة ضد المؤسسة العسكرية وقوات الجيش، إلا أن «وليد» كوّن مجموعة سرية تحمل اسمًا ساخرًا، هو «طريقة عمل المحشى»، ضمت ٩ ‏عناصر، منهم: أسماء عبدالعزيز، طالبة بكلية اللغات والترجمة، أحمد صادق، مدير شركة «صادق إخوان» للصناعات النسيجية، حاتم أبوزيد، صاحب شركة «الخليل للتجارة والتوريدات العمومية»، ومحمد ‏أبوهريرة.‏
وتولى هؤلاء والباقون تنظيم حملات إعلامية ضد مؤسسة الرئاسة والنظام القائم، وبث توجهات تنظيم الإخوان بمعرفة عدد من الخلايا العنقودية التابعة للجماعة بتداول أنباء الحملات الأمنية بشمال سيناء، ‏وصور وأسماء الضباط القائمين عليها لاستهدافهم، ونشر مقالات بغرض إفشال زيارة الرئيس إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى سبتمبر ٢٠١٤، وذلك بالتنسيق مع عناصر الجماعة فى الخارج. وكما جاء ‏فى التحريات، فإن وليد محارب تبادل مراسلات مع قناة «مكملين» التى تبث من تركيا، ومع الصحفى حسام الشوربجى، المعد بقناة «الجزيرة» القطرية، بغرض تغطية الأحداث فى مصر، طبقًا للتكليفات ‏الواردة من إدارة القناة، مقابل ٣ آلاف جنيه شهريًا.‏

‏«سيناء العز» رأس الحربة ضد القوات المسلحة على «فيسبوك».. وتعاون مع «الجزيرة ‏مباشر مصر»‏

هذه الاعترافات أكدتها التحريات التى أجراها جهاز الأمن الوطنى، وكشفت عن أن قيادات تنظيم الإخوان فى الخارج عقدوا عدة اجتماعات اتفقوا خلالها على «إعادة صياغة بنود تحركهم بالداخل ‏والخارج، ومحاولة التأثير على الدولة وتفتيت الجبهة الداخلية بإثارة الفتن، والتحريض على المؤسسات بهدف إسقاط النظام القائم، وإشاعة الفوضى للسيطرة على مقاليد الحكم، من خلال تفعيل عمل اللجان ‏الإلكترونية التى يضطلع من خلالها عناصر التنظيم ببث الأخبار الكاذبة».‏
وحسب التحريات، فإن العناصر الإلكترونية الإخوانية أنشأت صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» باسم «سيناء العز»، تُستخدم للترويج للمزاعم والأخبار المغلوطة التى من شأنها زعزعة ‏الثقة فى المؤسسة العسكرية، فضلًا عن نشر معلومات حول مناطق تمركزات وتحركات القوات المسلحة والشرطة بشمال سيناء.‏
كانت الصفحة، التى بلغ عدد متابعيها ٢٠ ألف شخص، تنشر تدوينات تشير إلى أماكن تمركز الكمائن الموجودة على طريق رفح العريش، وإصدار تحذيرات للعناصر الإرهابية من تحركات القوات أثناء ‏تنفيذ المداهمات الأمنية بمناطق العريش ورفح والشيخ زويد.‏
بجانب ذلك، عملت الصفحة على بث شائعات تنفيذ قوات الجيش عمليات عسكرية بسيناء بغرض استهداف أهالى وعواقل سيناء، وكان ذلك بأن ينشر «الأدمن» صورًا لبعض منازل العناصر الجهادية بعد ‏تدميرها، والادعاء بأنها مساكن الأهالى الرافضين والمناهضين لسياسات القوات المسلحة.‏
وحسب مطالعة النيابة العسكرية للصفحة، فإنها نشرت العديد من الأخبار المتعلقة بتحرك القوات المسلحة والشرطة بنطاق محافظة سيناء، وتضمن ذلك ذكر نوع الأسلحة المستخدمة، مثل المدفعية ‏والطيران، وبيان المناطق والقرى الواقعة فيها الحملات العسكرية.‏
وذكرت النيابة العسكرية أن الصفحة نشرت صورًا يظهر بها أشخاص يرتدون الزى العسكرى، وعلقت عليها مدعية أنهم ضباط من الجيشين المصرى والإسرائيلى، وزعمت أن التعاون بينهما وصل ‏للمرحلة الميدانية، بالاشتراك فى عمليات عسكرية، وكذلك نشر مقاطع مصورة لما ادعت أنه غارة جوية للقوات قُتلت على إثرها عائلة كاملة.‏
كان وليد محارب، هو المسئول الرئيسى عن صفحة «سيناء العز»، وكانت كنيته «الساعى الحق»، فى هذا الوقت كان يمتلك حسابين رئيسيين على «فيسبوك»، باسمى «الساعى الحق» و«محمد ‏السيناوى»، ويتولى الاتصال بين عناصر تنظيم الإخوان والعناصر التكفيرية بشمال سيناء.‏
ووفقًا للتحريات أيضًا، كان «محارب» يشارك فى إدارة مواقع إلكترونية مناهضة لنظام الحكم، منها: «سيناء ٢٤، نبض الشرعية فى سيناء، أمانة حزب الحرية والعدالة ببئر العبد، مفيش الجزيرة إحنا ‏الجزيرة، إمسك فلول، إخوان سيناء، مرصاد سيناء، شبكة مباشر، ومصر صفحة الشهيد تيوب»، وذلك من خلال استخدام ٤ حسابات إلكترونية.‏
كما كان «محارب» يستعين بشخص آخر كُنيته «عزيز»، ليقوم بدوره المنوط به فى بعض الأحيان، ومساعدته فى نشر صور مغلوطة لإثارة سخط المواطنين على المؤسسة العسكرية.‏
شخص آخر كُنيته «جهاد إبراهيم»، كان يتولى أعمال المونتاج لمقاطع الفيديو الخاصة بعمليات تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابى، وإعادة بثها على شبكة الإنترنت الدولية، بالإضافة إلى إدارته ‏حسابات على موقع الفيديوهات «يوتيوب»، ينشر من خلالها مقاطع يجمّعها عناصر الإخوان، تروج للأفكار الإرهابية المتطرفة.‏
هذه الخلية الإعلامية ضمت أيضًا أحمد أبوعمر الحمساوى، وهو اسم كُنية، الذى أنشأ صفحتين على «فيسبوك»، إحداهما باسم «الأسد السيناوى»، يروج من خلالها أخبارًا وفيديوهات وصورًا مغلوطة ‏للحملات التى تنفذها أجهزة الأمن ضد العناصر التكفيرية فى سيناء.‏
بجانب هؤلاء، كان هناك أيضًا عمر فاروق، وهو شاب حاصل على بكالوريوس فى الحاسب الآلى، مهمته جمع المعلومات عن القوات المسلحة ونشرها على صفحة «سيناء العز» بتعليمات من مسئول ‏اللجان الإلكترونية بتنظيم الإخوان فى القاهرة، وأخيرًا عضو من الجهة المقابلة للحدود، يعتبر من أبرز العناصر التى تنشر الأخبار المتعلقة بتمركزات القوات المسلحة وخط سير الحملات الأمنية.‏
كما كشفت التحريات عن أن أيمن خير، الصحفى بقناتى «مصر ٢٥» و«مصر الآن» أدى مهمته باحترافية، بأن أرسل مقاطع الفيديو الخاصة بسيناء إلى قناة «الجزيرة مباشر مصر»، عن طريق ‏برنامج «‏live.stream‏».‏
التحريات اتهمت بعض الجهات والجمعيات بتمويل تحركات هذا التنظيم، من بينها لجنة الأعمال الخيرية بجمعية «الإصلاح» بالبحرين، وجمعية «٦ أكتوبر» الخيرية ببئر العبد، وشركة «الهدى» للبناء ‏والإنشاءات، وشركة «صادق إخوان» للصناعات النسيجية، وشركة «الخليل» للتجارة والتوريدات العمومية، وعبدالله عودة سليمان، ولجنة الإغاثة بنقابة أطباء مصر. كما أشارت إلى أن القيادى الإخوانى ‏عمار صالح، وفَّر الدعمين المادى واللوجستى وأماكن إيواء للعناصر الهاربة، وكان مسئول الاتصال بين عناصر تنظيم الإخوان بشمال سيناء والقيادات الهاربة داخل وخارج البلاد.‏

محادثات لـ«إسماعيل الإسكندرانى» مع «الجزيرة».. وتنسيق مع خالد على لمقاضاة ‏رموز الدولة

فى أواخر نوفمبر ٢٠١٥، ألقت قوات الأمن القبض على الباحث إسماعيل الإسكندرانى، فى مطار الغردقة، عقب عودته من العاصمة الألمانية برلين. وكشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا أنه «عمل ‏على أبحاث حول طبيعة سيناء وقُراها والمناطق الجبلية بها وتحركات العناصر الجهادية فيها، وذلك من خلال نشر مقالات بعدد من الصحف الأجنبية وفى مقابلات تليفزيونية مع قناة الجزيرة حول طبيعة ‏سيناء والأعمال التى تقوم بها القوات المسلحة وهدم المنازل». ‏
وأشارت التحقيقات إلى وجود رسائل نصية بين الإسكندرانى وأشخاص بالولايات المتحدة الأمريكية لحضور مؤتمر باللغة العربية عن «الجهاد بين خطاب جيش الدولة وأيديولوجيا تنظيم الدولة»، لشرح ‏نتيجة بحثية فى المقارنة بين التعبئة الدينية لدى الجيش والصوفية المجاهدة والأيديولوجيا الجهادية السلفية، وكان مقررًا انعقاد المؤتمر بولاية فرجينيا الأمريكية، بجانب مراسلات لحضوره ندوات عن سيناء، ‏وحضور برامج دولية عن الأوضاع بها.‏
كما حوت الأحراز رسائل للإسكندرانى مع لينا خلف، العاملة بقناة الجزيرة العربية بواشنطن، لإجراء مقابلة تليفزيونية مع القناة مقابل تقاضيه ألفى دولار أمريكى، وهو ما حدث فى مارس ٢٠١٥، ثم ‏ظهوره فى برنامج «الحصاد اليومى» وتقاضيه ١٧٩٥ دولارًا، بخلاف مقابلات أخرى مع «الجزيرة» الإنجليزية و«الجزيرة مباشر».‏
وحسب الأحراز، فقد تواصل «الإسكندرانى» أيضًا مع مارك شيلدرن، العامل بمعهد «الشرق الأوسط»، للمطالبة بإرسال الروابط الخاصة بالوضع الأمنى الداخلى لمصر. وهناك كذلك - بين الأحراز - ‏صورة فوتوغرافية بالتفصيل لشبه جزيرة سيناء تبيّن التقسيم الإدارى وأسماء القرى والمناطق بها، وبيانات تفصيلية عن رفح والشيخ زويد والعريش.‏
ووفقًا للأحراز أيضًا، أجرى الإسكندرانى تحقيقًا صحفيًا يوثق ما يجرى بسيناء لكى يكون مرجعًا لجميع المراكز الحقوقية والصحف العالمية والسياسيين المعروفين، مؤكدًا أنه سيرفع دعاوى قضائية دولية ‏على الرئيس.‏
وأفصحت المحادثات الخاصة بالإسكندرانى عن وجود كتيبتين تحت مُسمى «أبوسهل» و«خطاب»، وأن الأولى تعتنق أفكار الدعوة السلفية بالإسكندرية وجميع أعضائها مصريون، فيما تتبع الثانية أفكار ‏تنظيم القاعدة وتضم عناصر من جميع الجنسيات العربية، عدا جهاديى تونس وليبيا الذين انضموا إلى «داعش».‏
كما ضمت الأحراز مراسلات بين الإسكندرانى والمحامى خالد على، تناولا خلالها الترتيب لإقامة دعاوى قضائية ضد بعض رموز الدولة ووزراء لأسباب مختلفة.‏
وفى المحادثات، طلب «على» تكثيف نشر ملاحظاته على «تعديل الدستور»، وكذلك ضرورة توخى الحذر والحرص فى تناول المعلومات بصورة لا تشير إلى مصادرها، وادعاء الحصول عليها من ‏مصادر بمجلس الدولة، مطالبًا إياه بحذف جميع الرسائل التى جرت بينهما.‏
محادثات أخرى لـ«الإسكندرانى» حسب الأحراز جرت مع شخص آخر حول التحركات الداخلية لإحدى «الكتائب» بالموانئ المصرية وساعة الطوارئ، وأيضًا مع الإخوانية منى الزملوط من سيناء عن ‏الأوضاع هناك، ومقاطع الفيديو والصور المسيئة لمؤسسات الدولة التى تنشرها بالتنسيق مع سيدات سيناويات.‏
وخلال التحقيقات مع نيابة أمن الدولة، كشف الإسكندرانى عن مصادر دخله الشهرية، التى تبلغ قيمتها ١٠ آلاف جنيه، نظير الأبحاث التى يجريها لعدة جهات، بجانب مكافآت نشر مقالات له فى صحف ‏ومواقع إلكترونية.‏