رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستنقع التحيزات والنفاق.. حقوق الإنسان سابقًا!


صفعة بظهر اليد وجهتها الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، ولم يجد أنطونيو جوتيريس، أمين عام المنظمة الدولية، ما يرد به غير إبداء أسفه، وتبعته فيديريكا موجيريني، منسقة الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي، بوصلة نفاق زعمت فيها أن «الولايات المتحدة كانت دومًا في طليعة حماية حقوق الإنسان في أنحاء العالم ولطالما كانت لسنوات عديدة شريكًا قويًا للاتحاد الأوروبي في مجلس حقوق الإنسان». وقالت إن قرار الانسحاب الأمريكي من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة «يهدد بتقويض دور الولايات المتحدة كداعم ومؤيد للديمقراطية على الساحة الدولية»!.

الصفعة، كما هو واضح، كانت إعلان نيكي هايلي، السفيرة الأمريكية لدى المنظمة الدولية، يوم الثلاثاء، انسحاب بلادها من مجلس حقوق الإنسان بعد أن اتهمته بأنه «مستنقع للتحيزات السياسية». وبعد أن قالت: «نحن نتخذ هذه الخطوة لأن التزامنا لا يسمح لنا بأن نظل أعضاء في منظمة منافقة وتخدم مصالحها الخاصة وتحوّل حقوق الإنسان إلى مادة للسخرية». كما اتهمت المذكورة المجلس بأن لديه انحيازًا مزمنًا ضد إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة، قد قاطعت المجلس لثلاث سنوات في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش قبل أن تعود إليه خلال رئاسة باراك أوباما في ٢٠٠٩. أما السبب المباشر لقرار الانسحاب، فهو تأييد المجلس، الشهر الماضي، لفتح تحقيق بشأن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وكانت الولايات المتحدة وأستراليا هما الدولتان الوحيدتان اللتان صوتتا بـ«لا».

ما توصف بـ«دولة إسرائيل» كانت أول من يعلم. صباح يوم الجمعة، ١٥ يونيو، أكد الموقع الإلكتروني العبري «واللا»، أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وذكر الموقع الإسرائيلي أن الإدارة الأمريكية تنتقد الأمم المتحدة لعلاقاتها السيئة بإسرائيل، وموقفها المتحيز من تل أبيب، خاصة مع توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء ١٣ يونيو، بإدانة إسرائيل لاستخدامها القوة المفرطة ضد الفلسطينيين. وأشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة أجرت مباحثات مكثفة مع مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بهدف تغيير موقفه، وصار الأمر بالنسبة للإدارة الأمريكية هو لماذا انسحبت الولايات المتحدة من المجلس وليست متى.

أيضًا، قبل ساعات من إعلان القرار نقل الموقع الإلكتروني نفسه، «واللا»، الثلاثاء، عن مسئول أمريكي بارز أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعلن، الليلة، انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعد موقف الأمم المتحدة المتحيز تجاه إسرائيل. وذكر الموقع الإخباري العبري أن الولايات المتحدة ستعلن، الليلة، انسحابها من المجلس الأممي بعد اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة مواقف متحيزة تجاه إسرائيل، وأن الولايات المتحدة أدارت مفاوضات مع الأمم المتحدة دون جدوى، وهو ما دعا الجانب الأمريكي إلى اتخاذ هذا الموقف، حيث عقد وزير الخارجية، مايك بومبيو ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أكثر من لقاء في هذا الصدد، دون الخروج بنتيجة مهمة. ومع قرار الانسحاب هاجمت صحف إسرائيلية المجلس، فوصفته جريدة «إسرائيل هايوم» العبرية، مثلًا، بـ«مجلس إدانة إسرائيل». واتهمته، في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء، ٢٠ يونيو، بأنه يدين بلادها، على الدوام، منذ إنشائه، في ٢٠٠٦.

الولايات المتحدة سبق أن هددت بالانسحاب مرات عديدة. في ١٥ مارس ٢٠١٧، حذر ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي السابق، من إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، إذا لم يتم إصلاحه. وذكرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أنها تلقت نسخة من الرسالة التي وجهها تيلرسون إلى ٩ منظمات غير ربحية، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، جاء فيها أن الولايات المتحدة «تواصل تقييم فاعلية» عمل مجلس حقوق الإنسان الأممي. وأوردت المجلة مقتطفات من الرسالة، جاء فيها: «على الرغم من أنه يجوز القول إن هذه منظمة وحيدة من نوعها في مجال حقوق الإنسان، يحتاج مجلس حقوق الإنسان إلى إصلاحات ملموسة، لكي نستمر في عضويتنا فيه». ونقلت «فورين بوليسي» عن مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية، قوله إن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة لا يعتبر أمرًا حتميًا، لكن واشنطن ستدرس إمكانية الانسحاب في حال عدم إجراء الإصلاحات.

قبل ذلك، كانت إيرين باركلي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي، قد أعلنت، أن الإدارة الأمريكية تعيد النظر في دور واشنطن في عمل هذا المجلس. وذكرت مجلة «بوليتيكو»، في ٢٦ فبراير ٢٠١٧ نقلًا عن مصادرها، أن الولايات المتحدة قد تقدم على الانسحاب لأن مجلس حقوق الإنسان، على ما يبدو، أبدى تأثيرًا على تبني مجلس الأمن الدولي قرارًا حول عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وكان السبب وقتها أن، قرار مجلس الأمن الصادر، في ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦، يعتبر الاستيطان انتهاكًا للقانون الدولي. وأثناء التصويت في مجلس الأمن، لم تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضده، ملثما فعلت في حالات مماثلة في السابق. وأثار قرار إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ردود فعل سلبية من قبل الرئيس المنتخب آنذاك، دونالد ترامب، الذي انتقد الموقف الأمريكي والأمم المتحدة بشكل عام، مؤكدًا وقوفه إلى جانب إسرائيل.

موقف كهذا، لا يمكن أن يمر دون أن تستغله روسيا. وبالفعل أعلن ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، الأربعاء ٢٠ يونيو، أن بلاده تقدمت بطلب ترشيح نفسها في انتخابات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة من عام ٢٠٢١- ٢٠٢٣. وقال فيودور ستيسوفسكي، السكرتير الصحفي للبعثة: «ستواصل روسيا عملها البناء في مجلس حقوق الإنسان بهدف الحفاظ على المساواة في الحوار والتعاون في مجال حقوق الإنسان، ولهذا الغرض تقدمت روسيا بطلب ترشيح نفسها في انتخابات مجلس حقوق الإنسان للفترة من عام ٢٠٢١ — ٢٠٢٣». وكانت عضوية روسيا في المجلس انتهت في ٣١ ديسمبر ٢٠١٦، وبتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة من السنة نفسها لم يُعاد انتخابها للمجلس الذي يتكون، طبقًا للفقرة ٧ من القرار ٦٠٢٥١ الصادر عن الجمعية العامة، من ٤٧ دولة عضوًا، تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية بالاقتراع السري المباشر، لمدة ثلاث سنوات، ولا يجوز أن تستمر عضوية الدولة لأكثر من ولايتين متتاليتين.

يخصنا في كل هذا «الهري»، أن السفير علاء يوسف، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة ألقى، الثلاثاء بيانًا أمام مجلس حقوق الإنسان، استعرض فيه برامج التعاون الثنائي القائم بين مصر والمفوضية السامية لحقوق الإنسان في إطار خطة الحكومة لتطوير وبناء القدرات للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان من خلال الاستفادة من برامج المساعدات الفنية التي تتيحها المفوضية في هذا الشأن. وأعرب السفير علاء يوسف عن أمله في استفادة الدول الغربية من تلك البرامج خاصة الدول الأوروبية التي تعاني من انتشار خطاب الكراهية والعنصرية والممارسات التمييزية المعادية للأجانب والمهاجرين وطالبي اللجوء.

وتبقى الإشارة إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة منذ تشكيله، أي منذ سنة ٢٠٠٦، أدان ما توصف بـ«دولة إسرائيل» أكثر من ٥٠ مرة، ولم يترتب على تلك الإدانات أي شيء..حرفيًا لم يترتب عليها أي شيء!.