رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وزير إسرائيلى.. جاسوس إيرانى!


ساعات تفصلنا عن مباراة منتخبنا الوطني ومنتخب روسيا، التي نتمنى «وندعو الله» أن تنتهي بنتيجة آخر مواجهة بين الفريقين، سنة ١٩٩١، التي فاز فيها منتخبنا الوطني على منتخب روسيا بهدفين سجلهما حسام حسن وأحمد رمزي، مقابل هدف واحد. وإلى أن نشاهد المباراة، وتنتهي بالشكل الذي نتمناه، لا مانع من أن نلهو ونلعب مع تلك المزاعم التي رددتها وسائل إعلام إسرائيلية ونقلتها عنها وكالات أنباء دولية، بشأن جونين سيجيف، الوزير الإسرائيلي الأسبق، الذي أعلنت السلطات الإسرائيلية، يوم الإثنين، أنها وجهت إليه تهمة التجسس لصالح إيران: «جنّدته المخابرات الإيرانية وأصبح عميلًا لها».

سيجيف كان عضوًا بالكنيست الإسرائيلي بين عامي ١٩٩٢ و١٩٩٥ وقضى أقل من سنة «من ١٩٩٥ إلى ١٩٩٦» وزيرًا للطاقة في حكومة حزب العمل برئاسة إسحق رابين. غير أنه كان محل اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية والدولية لخمس مرات على الأقل خلال السنوات الـ٢٢ التي مرت على تركه الوزارة والتي لم يتول خلالها أي منصب سياسي آخر. بينما لم يلتفت إليه أحد وقت أن كان وزيرًا باستثناء ما تردد عن حصوله على المنصب مقابل تصويته لصالح اتفاقية أوسلو مع السلطة الوطنية الفلسطينية التي عارضها حزب تسوميت اليميني المتطرف الذي كان ينتمي إليه، وانفصل عنه في ١٩٩٤ ليؤسس حزبًا جديدًا اسمه «Yiud» عاش لفترة قصيرة في تسعينيات القرن الماضي.

حين عمل مستشارًا لشركة إسرائيلية، تم اتهامه باستغلال نفوذه السياسي السابق من أجل تربيح الشركة. لكن القضية انتهت إلى لا شيء. وسنة ٢٠٠٢، قيل إن السلطات الإسرائيلية أحبطت محاولة قام بها حزب الله اللبناني لخطف مواطنين إسرائيليين ونقلهم إلى لبنان من أجل التفاوض حول صفقة لإفراج عن محتجزين لدى إسرائيل، وكان «سيجيف» بين من تعرضوا لتلك المحاولة. وسنة ٢٠٠٤ اتهمته وزارة الدفاع الإسرائيلية بمحاولة التقرب مع الجيش السيريلانكي ومحاولة إقناعهم بأن يبيع لهم أسلحة إسرائيلية بأسعار أقل. وفي أبريل من السنة نفسها، ٢٠٠٤، تم إلقاء القبض عليه بعد تهريبه ٣٠ ألف قرص مخدر من هولندا إلى إسرائيل وتزوير جواز سفر دبلوماسي. وفي فبراير ٢٠٠٥ اعترف بارتكابه الجريمتين مقابل تخفيف الحكم من خمس سنوات إلى ثلاث. وبمجرد الإفراج عنه في ٢٠٠٧ غادر البلاد ليستقر في نيجيريا. وحين غادرها في مايو الماضي متوجها إلى غينيا الاستوائية قامت الأخيرة بتسليمه إلى الإسرائيليين بناءً على طلب الشرطة الإسرائيلية!.

حدث ذلك في مايو، لكن منذ ساعات أعلنت وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية «شين بيت» أن سيجيف متهم بمساعدة «بلد عدو»، بعد أن استقر في نيجيريا، وعمل طبيبًا لشخصيات مهمة بينهم سفراء، ودبلوماسيون ورجال أعمال. وذكر بيان صادر عن الوكالة أن التحقيقات كشفت عن أن سيجيف تم تجنيده سنة ٢٠١٢ في السفارة الإيرانية بنيجيريا، وأنه سافر إلى طهران مرتين التقى خلالهما مع ضباط مخابرات في إيران، وتلقى جهاز اتصال سريًا لتشفير الرسائل بينه وبين ضباط المخابرات الإيرانية الذين قاموا بتوجيهه، وتلقوا منه معلومات تتعلق بسوق الطاقة والمواقع الأمنية الإسرائيلية والمباني والمسئولين في الهيئات السياسية والأمنية. كما ساهم في تواصل بعض الإسرائيليين العاملين في قطاع الأمن وضباط بالمخابرات الإيرانية، وقدم الإيرانيين على أنهم رجال أعمال.

هل هي مصادفة أن يتم الإعلان عن القضية بعد أسابيع من قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإعلان حصول وزارة الدفاع على «كمية ضخمة من الوثائق الإيرانية السرية بشأن برنامجها النووي»؟!

في ٣٠ أبريل الماضي، قام نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، باستعراض درامي لوثائق وصفها بـ«ملفات سرية نووية»، وقف أمام شاشة عملاقة وخزائن برفوف مغطاة ليقدّم عرضه مزودًا بمقاطع فيديو، وصور، ووثائق مكتوبة بالفارسية، وأعلن أن المخابرات الإسرائيلية استطاعت الاستيلاء على نصف طن من الوثائق، التي تتكون من ٥٥ ألف صفحة و٥٥ ألف ملف آخر على ١٨٣ قرصًا مضغوطًا، ادعى أنها تؤكد استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي خرقًا لالتزاماتها أمام المجتمع الدولي.

تحليل نشرته جريدة الـ«تايمز» البريطانية لكاثرين فيليب، وقتها، عنوانه «استعراض مسرحي.. بلا جديد»، رأت فيه أن الوثائق لم يكن فيها أي جديد، وأن الدراما الحقيقية كانت في ضخامة العملية المخابراتية التي حصلت بها إسرائيل على تلك الوثائق، وفي طريقة العرض التي أدارها نتنياهو «بمهارة ساحر على خشبة المسرح». وكان السؤال الذي طرحته شبكة «سي إن إن» الأمريكية على نتنياهو: «هل تسعى إسرائيل إلى الحرب بعد كشفها الوثائق النووية الإيرانية؟» وأجاب عنه بأنه «لا أحد يسعى وراء هذا التطور»، مضيفًا أنه أراد أن يقول للعالم إن لديه دليلًا على برنامج نووي إيراني سري، ولهذا تحدث باللغة الإنجليزية. قال: «اعتقدت أنه من المهم أن يستمع أكبر جمهور ممكن إلى النتائج المثيرة التي وجدناها». فهل يكون الهدف نفسه هو الذي دفع الإسرائيليين إلى تفجير قضية أو قصة عمالة الوزير الإسرائيلي لإيران؟!

الله أعلم. أما ما نعلمه، فهو أن وكالة «رويترز» ذكرت منذ أيام قليلة أن مدرسة بن جوريون الثانوية تسعى منذ سنة ٢٠١٥ إلى تخريج طلاب يجيدون اللغة الفارسية، لتلبية احتياجات أجهزة المخابرات الإسرائيلية، التي كانت تكتفي بتوفير دورات تدريبية داخلية لكوادرها في اللغة الفارسية، لكن البرنامج الدراسي الجديد يهدف إلى إعداد أجيال صغيرة قادرة على التعامل مع اللغة والثقافة الإيرانيتين. ونقلت الوكالة عن المشرف على المشروع أن العديد من خريجي البرنامج صاروا يخدمون بالفعل في وحدات المخابرات، وأشار إلى أن إقبال هذه الأجهزة على تجنيد خريجي برنامج دراسي يُعدّ مؤشرًا على حاجتها لضم المزيد من المتحدثين باللغة الفارسية إلى صفوفها. وطبقًا لما ذكرته «رويترز»، فإن البرنامج التعليمي يقوم بتخريج نحو ٢٥ طالبًا سنويًا، جميعهم يكونون مرشحين طبيعيين للانضمام إلى وحدات المخابرات الإسرائيلية.

عودة إلى جونين سيجيف، الوزير الإسرائيلي الأسبق المتهم بالتجسس لصالح إيران، لنكرر أن الاتهامات الموجهة إليه ليست أكثر من مزاعم ترددها وسائل إعلام إسرائيلية وتنقلها عنها وكالات أنباء دولية. ويؤكد ذلك بيان صدر عن محامي المتهم أكد فيه أن غالبية تفاصيل هذه الاتهامات سرية، وتخضع لتعتيم تفرضه الحكومة، وأن القليل الذي تم الكشف عنه يعطي انطباعًا مضللًا، لأن الوقائع التي تمت الموافقة على نشرها تبدو كأنها أفعال خطيرة، بينما الصورة مختلفة في لائحة الاتهامات التي تم حظر نشر تفاصيلها بالكامل.