رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم إسحق: اتفاق الكنائس على «الأحوال الشخصية» مستحيل

الأنبا إبراهيم إسحق
الأنبا إبراهيم إسحق للدستور

- بطريرك الكاثوليك طالب بتنظيم جلسات حوارية بين طلاب الأزهر والمعاهد اللاهوتية
- ربع مليون قبطى كاثوليكى فى مصر.. 130 كنيسة غير مقننة.. و170 مدرسة بالمحافظات منها ٣٠ بالصعيد
- العجز الجنسى والخداع يبطلان الزواج.. و«المدنى» لدينا مثل العلاقات غير الشرعية
- لسنا مهمشين ولا يمكن إخفاء وجود حالات تمييز ضد الأقباط
- كنيسة كبرى فى العاصمة الإدارية على 6 آلاف متر
- تجديد الفكر الإنسانى ضرورى.. ومصر كانت على وشك الإفلاس لولا قرارات السيسى


استبعد الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية، الاتفاق على قانون موحد للأحوال الشخصية بين الكنائس المصرية الثلاث، الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، معتبرًا أن الأمر «مستحيل». واعترف «إسحق»، فى حواره مع «الدستور»، بمقر بطريركية الأقباط الكاثوليك فى كوبرى القبة، برفض الدولة ملف المواريث فى مسودة القانون المقترح، لا سيما أن الكنيسة الكاثوليكية ترى مساواة المرأة بالرجل فى التركة. ورفض القول بوجود اضطهاد للأقباط فى مصر، لكنه لفت إلى بعض ممارسات «التمييز» فى تولى المناصب العليا أو ممارسة كرة القدم، على سبيل المثال.

■ بداية.. كثير من المصريين يلجأون لمستشفيات الكنيسة الكاثوليكية.. ما الخدمات التى تقدمونها للمرضى؟
- الكنيسة الكاثوليكية كانت لديها مستشفيات كُبرى تابعة لها، لكن بسبب قلة عدد الرهبان والخُدام المُكرسين لذلك الشأن، خضع البعض منها الآن لإدارة الدولة لتحظى بمتابعة كافية، مثل مستشفى «دار الشفاء» الشهيرة.
وللتغلب على هذه الأزمة، خصصت الكنيسة مستشفيات صغيرة الحجم، وهى «المستوصفات»، التى بها أيضا قدر عال من الرعاية لا تقل عن المستشفيات الكبرى، وتكلفة الخدمات فيها مدعمة ومخفضة لكل المصريين.
وعلى سبيل المثال، مستوصف الكنيسة فى منطقة كفرالدوار يقصده ما لا يقل عن ١٥٠٠ فرد يوميًا من كل الفئات.
■ ماذا عن التعليم بمدارسكم؟
- تولى الكنيسة اهتمامًا جليًا بركن التعليم، عبر إنشاء المدارس بوفرة فى كل المحافظات، ودائما ما نسعى لتقديم خدمات مُميزة، مُساهمةً فى تكوين نشء مصرى سوى يدعم مُجتمعه.
■ كم عدد هذه المدارس؟
- الكنيسة الكاثوليكية لديها نحو ١٧٠ مدرسة، تسعى بشكل مستمر لتطوير خدماتها التعليمية، وستكون هناك مدرسة بالعاصمة الإدارية الجديدة، تخضع لإشراف راهبات الكنيسة.
وفى الصعيد، لدينا ٣٠ مدرسة، ونحاول زيادة هذا الرقم، إيمانا منا بدورنا فى خدمة الإنسان عمومًا، والمصريين خصوصًا.
■ ماذا تقول لمن يرى أن الكنيسة الكاثوليكية وافدة أو غير متأصلة فى مصر؟
- هذا الكلام لا علاقة له بأرض الواقع، لا من بعيد ولا من قريب، وهناك أدلة على ذلك، فأولا أنا كبطريرك الكنيسة ولدت فى الصعيد لعائلة مصرية أصيلة، وخدمت فى كنيستى الكاثوليكية هناك.
ثانيًا: الخدمات التى تقدمها الكنيسة للمصريين تثبت وطنيتها، مع التأكيد على أن مثيرى تلك الشائعات يتسببون فى حالة من البلبلة حتى وإن كان ذلك بشكل غير مقصود، بينما تتعامل الكنيسة مع ذلك بالصمت التام، لأن أعمالها وإنجازاتها تُثبت محبتها لمصر ووطنيتها.
والمؤسف فى الأمر أن بعض الجهات الإعلامية تنتهز تلك الفرص لإشعال أزمات، تخرج من رحمها «حلقات ساخنة» فقط لجذب انتباه بعض المشاهدين بمعلومات غير صحيحة.
■ كيف ترى تعامل الكنيسة مع ظاهرة الإلحاد؟
- لا يوجد فى مصر إلحاد بشكله الحقيقى كما يُروج البعض. كيف يمكن أن يُلحد شاب مراهق فى الـ١٦ من عمره وهو لم يُدرك العديد من أمور الدين والعقيدة بعد؟! ما يحدث مجرد مواقف وقتية وتكاد تكون لحظية، إلا أنه مهما كان توصيفها فهى ليست موجات إلحاد مُطلقًا.
ورأيى أن المواقف الوقتية تلك يتسبب بها بعض التساؤلات الكامنة فى صدور الشباب، أو لحظات من الدروشة تسيطر على بعضهم نتيجة ظروف خاصة يمرون بها.
ولمواجهة ذلك، على الجهات الدينية الإجابة عن أسئلة الشباب عن الله، وكذلك احتواؤهم فى أشد اللحظات التى تؤثر عليهم، والتصدى لبعض الأفكار التى تروج دون رقابة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، الأمر الذى يُحتم أن يكون للأسرة دور هام.
■ فى رأيك.. ما دور الكنيسة الكاثوليكية فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟
- مناداة الرئيس السيسى بذلك خطوة عُظمى فى حد ذاتها، لكن الأمر يكمُن فى تجديد الفكر الإنسانى نفسه، بأن يكون الخطاب الموجه للإنسان على مستوى علمى وحضارى وإنسانى، يؤدى إلى اليقين والإيمان بأهمية قبول الآخر، وهذا أمر يُثرى المجتمع ويدفعه للأمام.
وأنا تمنيت أثناء إلقاء كلمتى بمؤتمر مؤسسة الأزهر الشريف لمحاربة الإرهاب، عقد لقاء للتقريب بين الطلاب فى الأزهر والكليات الإكليريكية والمعاهد اللاهوتية، لأنه من غير المنطقى أن يدرس الشاب لمدة ١٢ سنة دون أن يناقش فئة أخرى من البشر.
والأزمات الناتجة عن عدم حدوث ذلك تظهر فى بعض المراحل الدراسية فى المدارس بين الفتيان والفتيات، وتنتج عنها «كارثة» حقيقية بكل المقاييس.
■ ما رؤيتك لمصر بعد ٤ سنوات على تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم؟
- التقييم يُترك لذوى الخبرات فى الشئون السياسية والاقتصادية، أنا لا أقيم لأنى رجل دين، لكن مؤكد مصر تتقدم، وسيظهر ذلك فى المستقبل واضحًا.
مسئولية الحكم متعبة ومرهقة، وهذا جانب غير مرئى، ولا يشعر بها إلا من جربها، ومنذ تنصيبى بطريركًا للأقباط الكاثوليك تذوقت صعوبة المسئولية التى يحملها الرئيس السيسى، لذلك دائما ما أقول عنه: «كان الله فى عونه».
مصر كانت على وشك الإفلاس لولا القرارات التى اتخذها الرئيس، الذى يتحمل عبء مليون ونصف المليون زيادة سكانية سنويًا، فى حين لا يرغب بعض المصريين فى «التعب».
■ إلى أى مدى تستقل الكنيسة الكاثوليكية عن شقيقتها الأرثوذكسية فى مصر؟
- رغم أن الكنيسة الكاثوليكية لها مطران متخصص فى شئون الحوار مع الأرثوذكسية، فإن الأولى تحظى بـ«القانون العام» والذى كان محفوظًا باللاتينية وتُرجم للعربية، بالإضافة إلى كتاب «الشرع» الخاص بالكاثوليكية، وأيضًا الدستور الموحد مع الفاتيكان كجزء من عدة قواسم مشتركة.
■ إلى أين وصلت مساعى توحيد المعمودية بعد البروتوكول الموقع بين الباباوين فرنسيس وتواضروس فى أبريل ٢٠١٧؟
- هناك اتفاق ينص على السعى لتوحيد المعمودية بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، وهذا يعتبر أرضية قوية جدًا يُبنى عليها ملف الوحدة بين الكنائس، لكن مثل هذه الملفات تستغرق وقتًا طويلًا لتحقيقها.
■ هل تعانى الكنيسة الكاثوليكية التهميش من الكنائس الأكثر عددًا؟
- لا يمكن إخفاء وجود صعوبات وتمييز أمام المسيحيين بشكل عام، إلا أن هذا لا يعنى أنهم مضطهدون، والإجابة عن ذلك السؤال لا يمكن أن تُختصر بـ«نعم» أو «لا»، وإنما يُجاب عنه بالأمثلة، فهناك مثلا طلاب أقباط متفوقون ويستحقون التعيين بمناصب قيادية كبرى لكن هذا لا يحدث ويُحتسب تمييزًا، ولكنه لا يُعد اضطهادًا، وكذا الحال بالنسبة لرياضة كرة القدم التى يندر أن نرى فيها لاعبا مسيحيا.
وبشكل واضح وصريح، لا يمكن أن أقول إن الكنيسة الكاثوليكية مُهمشة، فهى فعليا غير مهمشة لا فى مصر ولا من قبل الكنائس الأخرى، وحتى فى نقطة أن الدولة تخاطب الكنيسة الأرثوذكسية بصفتها الأكثر عددا هذا لا يعتبر تهميشا لنا.
■ كم يبلغ عدد كنائس الكاثوليك فى مصر؟
- المسيحيون يبلغون من النسبة الكلية من عدد المصريين من ١٢٪ إلى ١٥٪، وعدد الكاثوليك منهم قليل، ربما ربع مليون فقط، لاسيما أن الهجرة تسهم فى تراجع تعدادهم، إلا أن العدد لا يهم فى حد ذاته، فالأهم منه هو الفاعلية.
وبخصوص الكنائس، هناك ما يحتاج إلى تقنين، وعددها أكثر من ١٣٠ كنيسة، إلا أن المعرقل فى الأمر أن غالبيتها تحظى بأصول تاريخية، وبناء عليه يصعب الحصول على سند ملكية ورقى.
■ إلى أين وصل العمل على مسودة قانون الأحوال الشخصية؟
- الأمر غير واضح الملامح، خاصة أنه مع تغيير الوزراء حدث كثير من اللغط، لكن المتفق عليه حتى الآن هو صياغة قانون موحد يجمع بين الكنائس الثلاث، الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، فى الشئون المتفق عليها كأحكام الخطبة والزيجة، ويتم الفصل بين الأحكام المختلف عليها فى أبواب، ولكل كنيسة ما يميزها، فعلى سبيل المثال الأرثوذكسية لديها قاعدة للطلاق وأسباب للانفصال، بينما الكاثوليكية لا تعترف بالطلاق نهائيا.
وفى رأيى، من المستحيل صياغة قانون واحد للكنائس الثلاث، بسبب اختلاف نظرة كل كنيسة عن الأخرى.
■ ما أسباب «بُطلان الزواج» عند الكاثوليك إذن؟
- أن تكون الزيجة قد بُنيت على غش أو خداع، أو عدم الزواج بطريقة صحيحة، مثل وجود عجز جنسى لا يعرف الطرف الآخر به.
■ ماذا عن الزواج المدنى؟
- بالطبع لا نعترف به، ومن أراد أن يتزوج مدنيًا فليكمل حياته على ذلك النمط، وحتى سر التناول «الافخارستيا» يُصبح ممنوعًا عنه، ففى نظر الكنيسة، الزواج المدنى مثل العلاقات غير الشرعية، فلا يقدس العلاقة بين الرجل والمرأة إلا الطقس الكنسى، وبناء عليه فإن الزيجة المدنية ليست زيجة فى نظر الكنيسة.
■ هل يلقى الزواج المختلط قبولا لديكم؟
- الكاثوليكية لا تعيد المعمودية، فما دام الطرفان مسيحيين وخضعا لطقس المعمودية فليس هناك مانع كنسى، لكن الأمر له جانب قانونى، فالزوجان من غير متحدى الملة والمذهب تطبق عليهما قواعد الشريعة الإسلامية، الأمر الذى قد يسهل معه الانفصال، وهذا ما لا ترجوه الكنيسة.
وبناء على هذا، يقوم أحد الطرفين بعمل نص ورقى يفيد بانضمامه للكنيسة الكاثوليكية لضمان عدم تطبيق الشريعة الإسلامية عليهما فيما بعد، كى لا يستغل أحد الأطراف ذلك وقت أن يرغب فى الانفصال.
وفى حالة اعتراض أحد الطرفين على الانضمام، لا يمكن أن يُتمم له السر، لأنه بذلك يعرض الزيجة فى المستقبل للخطر.
■ أخيرا.. هل تنوون بناء كنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة؟
- نعم، الكنيسة مُنحت مساحة ٦ آلاف متر، لتبنى عليها كنيسة كبرى للكاثوليك، بجوار قطعة أرض أخرى مخصصة لإنشاء مدرسة تابعة لها.

ما موقفكم من المواريث والتبنى فى مسودة قانون الأحوال الشخصية؟
- الكنيسة الكاثوليكية تدرك اعتراض الدولة على الأمرين، على اعتبار أنهما من القضايا الحساسة، وعلى سبيل المثال وبخصوص المواريث، تعترف الكنيسة بمساواة الرجل والمرأة فى الميراث، الأمر الذى يحتم على الآباء تسوية الأمور قانونيًا قبيل الوفاة.