رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. لطفى دويدار.. سيرة أحد رجال التنوير


بعد ظهر السبت ١٢ أبريل ٢٠١٤ ودع أساتذة جامعة الإسكندرية ورجال التنوير بالإسكندرية بصفة عامة، وأساتذة وطلاب طب الإسكندرية بصفة خاصة، أستاذًا فاضلًا متميزًا فى جميع المجالات هو الأستاذ الدكتور محمد لطفى دويدار، رائد وأستاذ جراحة الصدر والقلب بطب الإسكندرية ورئيس جامعة الإسكندرية السابق، وأحد رجال التنوير بالثغر السكندرى.
وُلد بالإسكندرية فى ٢ مارس ١٩١٦. حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة فؤاد الأول (حاليًا جامعة القاهرة) فى عام ١٩٣٨، ثم ماجستير فى الجراحة عام ١٩٤٤. عمل طبيب امتياز، ثم طبيبًا بمستشفيات جامعة القاهرة فى الفترة ١٩٤٥ – ١٩٤٩. بعد ذلك شغل وظيفة مدرس للجراحة ثم أستاذ كرسى ورئيس قسم الجراحة بجامعة الإسكندرية فى الفترة من ١٩٥٣ – ١٩٥٧. بعد ذلك فى عام ١٩٧٠ تم تعيينه عميدًا لطب الإسكندرية، وفى العام التالى تم تعيينه رئيسًا لجامعة الإسكندرية فى الفترة ١٩٧١ – ١٩٧٦ (وقت بلوغه السن القانونية). وأعتز بأنى عملت تحت رئاسته وقت أن كنت طالبًا ببكالوريوس هندسة الإسكندرية، ثم معيدًا بهندسة الإسكندرية حتى سفرى للدراسة بالخارج فى سبتمبر ١٩٧٥، وكان دائم اللقاء بالمعيدين بالكليات المختلفة للتعرف على أحوالهم. تم تعيينه بعد ذلك أستاذًا متفرغًا للجراحة بطب الإسكندرية. حدث أثناء فترة رئاسته جامعة الإسكندرية أن نُشر خبر بالصفحة الأولى بجريدة «الأهرام» يفيد بترشيح د. محمد لطفى دويدار لوزارة الصحة. قام أحد تلاميذه من أطباء الجراحة بالاتصال به وتهنئته على هذا التقدير من الدولة، لكنه أجاب محدثه قائلًا: «هو أنا يا فلان كيف أقبل هذا المنصب اليوم وغدًا يُشاع عنى أنى كنت مختلسًا ومرتشيًا وتتناولنى الألسنة بالقيل والقال، من الأفضل أن أحترم تاريخى الأكاديمى وتاريخى العائلى»، وكان دائمًا رافضًا المناصب الوزارية.
أثناء رئاسته جامعة الإسكندرية، رأى بنفسه حجم العمل الذى تتطلبه كلية الهندسة- نظرًا لتعدد التخصصات الهندسية- وبعضها نادر، والعدد الضخم من أعضاء هيئة التدريس بالكلية، وجميعهم من النوابغ ومن ذوى الكفاءات العلمية الدولية، فقال فى أحد الاجتماعات إن كلية الهندسة بمفردها تحتاج إلى رئيس جامعة متفرغ لها ورئيس جامعة آخر لبقية كليات الجامعة. كان يرى فى كلية الهندسة: «معمل توليد العلماء والنوابغ».
كان عضوًا بالجمعية الأوروبية لجراحة القلب وكلية الجراحين الدولية. فى عام ١٩٧١ اهتم بإنشاء متحف «الباثولوجى الجراحى» الخاص بأمراض الرئة والمرىء وقسم خاص لجراحات الطوارئ والإصابات والجراحات الحادة وقسم خاص للجراحات التجريبية. فى عام ١٩٧٥ اشترك فى إنشاء الجمعية المصرية للطب والقانون.
كانت له اهتمامات عديدة فى التعليم الطبى وتأريخ الطب، كما أنشأ مجلة طبية بالإسكندرية وكان رئيس تحريرها طوال الفترة ١٩٥٣- ١٩٦٤. وكأستاذ جامعى حقيقى متميز كان له العديد من الكتب والمؤلفات الطبية والعلمية، بالإضافة إلى العديد من البحوث فى مجال علاج سرطان المرىء. كان له حضور مُشّرف فى العديد من المؤتمرات العالمية والمحلية. كما كان له دور مؤثر عندما تعاون مع صديقه الأستاذ الدكتور مصطفى العبادى (١٩٢٨ – ٢٠١٧) فى إحياء مكتبة الإسكندرية. والقصة بدأت فى نوفمبر ١٩٧٢ فى محاضرة عامة بنادى أعضاء هيئة تدريس جامعة الإسكندرية بدعوة من د. لطفى دويدار، قال فيها د. العبادى: «إذا كانت جامعة الإسكندرية تريد الاستنارة والاستزادة علميًا وفكريًا فلا بد أن تؤسس مكتبة لأن ظروف الحرب أثناء افتتاح جامعة الإسكندرية عام ١٩٤٢ لم تجعل هناك فرصة لعمل مبنى خاص للمكتبة». وتحمس للكلمة د. محمد فؤاد حلمى، أستاذ الهندسة المعمارية، نائب رئيس الجامعة وقتها. وكانت هذه المحاضرة بمثابة اللبنة الأولى للمشروع، فبدأ العبادى ولطفى دويدار وفؤاد حلمى، فى البحث عن أرض لتنفيذ هذا المشروع. وفى عام ١٩٨٤ قام د. فريد مصطفى- رئيس جامعة الإسكندرية وقتها- بتكوين لجنة ثلاثية لدراسة مشروع «إحياء مكتبة الإسكندرية» وتكونت اللجنة من د. مصطفى العبادى، ود. لطفى دويدار، ود. محسن زهران أستاذ العمارة، لأن د. فؤاد حلمى كان قد رحل. وانتهت مساعى اللجنة بعد سلسلة من المداولات بموافقة هيئة اليونسكو على المشروع وتم وضع حجر الأساس فى عام ١٩٨٨.
حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، جائزة أحسن البحوث التى ألقيت فى مؤتمرات اتحاد الأطباء العرب. وفى عام ١٩٨٣ حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الطبية.
كان له شغف بالتاريخ والآثار المصرية، فكان دائم الحضور فى الندوات الثقافية التى كانت تعقدها جمعية آثار الإسكندرية بمقرها الواقع خلف المتحف اليونانى الرومانى وقت رئاسة الأستاذ الدكتور عبدالمجيد صادق، الأستاذ بطب الإسكندرية وسكرتارية الأستاذ الدكتور داود عبده داود (١٩٢٨- ١٩٩٠) أستاذ الحضارة بآداب الإسكندرية. كنت أتقابل معه فى طريق السلطان حسين بالإسكندرية متوجهًا - سيرًا على الأقدام- لحضور ندوات جمعية آثار الإسكندرية، فكنت أجد متعة فكرية وفخرًا حقيقيًا فى مرافقته للمسير إلى الجمعية. كان ذا أدب جم، وعلم حقيقى، وتواضع العلماء الحقيقيين. تمتع راحلنا الفاضل -مع علمه الغزير- ببشاشة وجه وجدية فى العمل. فكان فى الندوات الثقافية، سواء بجمعية آثار الإسكندرية أو بمكتبة الإسكندرية، يجلس بين الحاضرين ويتناقش معهم بمودة ويستفسر عن أمور تاريخية وأثرية بشغف.
كان بالحق أحد رجال جيل العمالقة فى شخصيتهم الفذة، وعلمهم الحقيقى، وتواضعهم الجم، واستنارتهم الفكرية. وفى عهده شهدت كلية طب الإسكندرية وإدارة جامعة الإسكندرية استقرارًا فى جميع المجالات.