رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مختار أبوسعدة يكتب: بعضٌ من ظواهر المِحَن باطنها مِنَح

جريدة الدستور

مهما بلغت قوة قدرات عقولنا البشرية، فهى فى النهاية محدودة، بدليل أن الكثيرين منا يرون معظم ما يتعرضون له فى الدنيا كـ«محن» تدفعهم دومًا للحزن والكآبة والإحباط، بينما مع مضى الأيام نكتشف أن هذه الظروف التى اعترضتنا وأصابت صفو أيامنا، وكنا نراها فى ظاهرها محنًا دنيوية كانت فى جوهرها منحًا إلهية كان من الصعب إن لم يكن من المستحيل، أن نكتشف فضائلها وقتها، وإلا كانت قد فقدت معناها الربانى.. علما بأن ابتلاءاتنا الحقيقية تأتى من طبائع أنفسنا لا من أقدار خالقنا.

على سبيل المثال لا الحصر.. فقد أدمنت نفوسنا البشرية الاطمئنان للوضع الدنيوى الذى أصبحت هى عليه.. سواء هذا الوضع الدنيوى ثراء ماديًا أو صحة متوهجة أو نجاحات فازعة أو وهجًا عاطفيًا متبادلًا بيننا وبين الطرف الآخر الذى يبادلنا نفس العاطفة دون أن نضع فى مخيلتنا، طبائع الدنيا ذاتها المتقلبة المتغيرة التى نتأملها دومًا فى أمور الكثيرين من الناس الذين كانوا قد أفلسوا بعد غنى وانطفأت قوتهم بعد وهجها وافترقوا عن قصص حبهم المتوهجة المتأججة بالعاطفة بعد أن اطمأنوا إليها!، حتى إننى أردد دومًا للمقربين منى على أرض الواقع، من كثرة تأملاتى فى انقلاب أحوال الناس بعد استقرارهم.. أن الدنيا «والله» إن كست أحدًا لا محالة أوكسته.. وإن حلت لأحد أوحلته!.
ودعونى أعلن على- مرأى ومسمع من الجميع- أن الأغبياء فقط، هم من يطمئنون على ثبات أحوالهم فى الدنيا المتقلبة، المتغيرة دون أن يضعوا فى مخيلتهم انقلابها وتغيرها بل زوالها.. فإن نغتر مثلًا بما نملك فى هذه الحياة فى وقتنا الحالى، ونضع فى مخيلتنا دوامه واستمراره، حتى إن هذا الذى نمتلكه يدفعنا- دون وعى- لإسرافنا متوهمين ثبات أحوالنا.. فهذا يعنى، من وجهة نظرى، هلاكنا وضياعنا إن- لا قدر الله- فقدنا ما كنا نمتلكه!.
فمن آفاتنا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، أن نرتكن لحب امرأة مثلًا لدرجة أننا ندمنها دون أن نكون على علم مسبق بكيفية الخروج بسلام وأمان من دوامة حبها وإدماننا قربها، وذلك إن تقلبت قلوب من نحب، وتبدلت نفوس من أدمناهم!، خاصة أن قلوب البشر من وجهة نظرى متقلبة، محيرة، متغيرة، فى حين أن الخالق «فقط» هو الثابت.
كل ما أريد قوله إن الإنسان المتزن، صاحب شفافية الروح وذكاء العقل ووهج عزة النفس هو الذى لا يدخل أبدًا فى شىء إلا عندما يكون على علم مسبق، يصل لدرجة اليقين بالله من كيفية خروجه منه إن تطلب الأمر ذلك، نتاج تبدل الأحوال والظروف بل تغير النفوس- لأن محبة الناس أبدًا لا تدوم- وممتلكاتنا فى دنيانا غير قابلة للثبات. ودعونى أصارحكم بأن الناس التى تمنح صداقاتها وأحباءها ثقتها المطلقة هى أكثر الناس التى قد تتعرض لأزمات وابتلاءات من صنع أنفسها لا من صنع أقدار خالقها.. مثلها مثل الذى يقود سيارته بسرعة جنونية، واندفاع لا حدود له، متناسيًا أثناء سرعته واندفاعه الموت الذى فى الغالب يأتيه فجأة ودون مقدمات، فيفاجئه بالفعل ويبهته بعد فوات وقت الاستدراك.. لدرجة أنه لا يتبقى له سوى الندم.
فالإنسان العاقل، المتزن، المفكر، المتدبر فى أمره، وأمور وطبائع الدنيا والناس هو من كانت عيناه تترقبان عواقب الأمور قبل وقوعها، مثلما يتدبر عقله النهايات قبل بداياتها، فى محاولة جادة منه لعمل كل الاحتياطات لكل الاحتمالات، علما بأن كل هذه الصفات هى صفات أهل الفكر، أهل الاتزان، وهى صفات المخبتين من أهل الحزم.

التقيت بالمصادفة فى القنصلية المصرية بمدينة جدة الخبير المصرى فى علم النظم والمعلومات هشام أبوشعيشع، حيث كان قد جاء من ماليزيا قاصدًا جدة ثم القاهرة علما بأن هشام أبوشعيشع كان قد حصل على عدة جوائز دولية فى كيفية إنشاء وتطوير المواقع الإلكترونية للصحف والمجلات.. وقد أسعدتنى كثيرًا متابعته معظم ما يكتب فى جريدة «الدستور» بمصر من قبل الزملاء والزميلات، وقد أعلن لى خبير النظم والمعلومات المصرى هشام أبوشعيشع استعداده لوضع كل لمساته وخبراته فى موقع جريدة الدستور، وقت أن يحين لقاؤنا بالقاهرة فى أقرب فرصة، وبالأخص بعد انتهاء زيارته البحرين التى ستكون محطته القادمة عقب عيد الفطر المبارك.