رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيرى يكتب: فك وتركيب وزارة الثقافة ‏


عندما قرر ثوار ٢٣ يوليو إقامة دولة.. عندما قرروا أنهم سيحكمون.. فكروا فى وزارة الثقافة ليصل ما يريدونه إلى الناس.. وقتها كان الأمر مجرد إرشاد.. فأسموها وزارة الإرشاد.. وقرر الوزير ‏فتحى رضوان إنشاء مصلحة الفنون.. ولما بدأ العمل بالتعاون مع الصين.. أرسلت الأخيرة فرقًا لموسيقاها الشعبية.. فاكتشف المسئولون عندنا أننا لم نعرف الشعب أصلًا فكيف نعرف موسيقاه.. طب نعمل ‏إيه؟.. هات زكريا الحجاوى.. وأوفدوه لمدة عام ليمسح محافظات مصر.. من بحرى للصعيد ومن الدلتا إلى السواحل.. ثم جاءوا بمجموعة من المثقفين الكبار.. ليصنعوا فنًا يوظفون من خلاله أولئك ‏الفنانين الشعبيين الذين جاء بهم الحجاوى من البر والبحر، وكانت البداية لفرق الفنون الشعبية.. وهيئة قصور الثقافة.. إلخ.‏
جميعنا يعرف ماذا حدث بعد ذلك.. ازدهار وإنتاج ثقافى مدهش ما زلنا نعيش على أطلاله.. وقوى ناعمة حقيقية كثيرًا ما نتحسر كلما جاءت سيرة أحدهم.. ثم انهار كل شىء مع حكومات السادات التى ‏باعت كل شىء.. وأول ما باعت.. باعت الثقافة.‏
الآن.. نحن فى توهة حقيقية.. فلا أحد قال ماذا نريد من هذه الوزارة؟.. ولا أى ثقافة بالتحديد تلك التى نريدها؟.. وهل الشعب.. الشعب الذى نحمّله كل شىء من ذنوب حكومات جابت عاليها واطيها ‏موجود فى حسبان من يفكرون له؟.. وهل هناك أحد يفكر له من الأصل؟!.‏
لقد صار الأمر روتينيًا حتى الثمالة.. ولم يعد هناك حل سوى تفكيك وإعادة تركيب هذه المنظومة الثقافية التى تمددت بنفس الطريقة التى تمددت بها هيئات وزارة الصحة.. فلا المواطن اتعالج ولا الثقافة ‏أنتجت!.‏
عشرات اللجان تزخر بها هيئة واحدة من هيئات الوزارة الكثيفة.. لم نعرف بها ولن نعرف.. واختلطت الأدوار التى تؤديها هيئات الوزارة، فالكل يعمل ما تعود سابقوه أن يفعلوه وخلاص.‏
يعمل الجميع نعم.. ويوقع الموظفون فى دفاتر الحضور والانصراف نعم.. وهناك مهرجانات وكتب يتم نشرها.. وأدباء يختلفون ويتعاركون على جوائز لا قيمة لها.. فى حياة الناس أو حتى حياة المبدعين ‏أنفسهم نعم.. هذا يحدث فعلًا.. لكن ما علاقة كل ما يحدث بمجتمع مستقر وثقافته.. وإذا كنا نعيش أيامًا غير مستقرة.. وتنتظر البلاد من الثقافة وناسها دورًا أكبر مما هو معتاد فى المجتمعات المستقرة.. بل ‏تعوّل على أنهم سيحاربون كتفًا بكتف مع الذين يحاربون الإرهاب على الجبهة.. فكيف يحدث ذلك والدور العادى لا نؤديه؟!.‏
لا ألوم الوزيرة إيناس عبدالدايم.. ولا فريق عملها.. فهذا ما وجدت آباءنا عليه.. لكن اللحظة سيدتى المبدعة لا علاقة لها بما تركه لنا «الآباء».‏
اللحظة تقتضى نسفًا كاملًا لكل هياكل الوزارة.. بصيغتها الحالية.. وإعادة فك.. وتركيب معظم مفاصلها.. ونسف المجلس الأعلى للثقافة.. الذى لا هو مجلس ولا هو ثقافة.. وصياغة بيت تفكيرى عاجل ‏يضع أهدفًا مجددة لفترة محددة لصياغة جسر ثقافى جديد يصنع فارقًا وتحولًا فى «الفكرة».‏
فمثلًا عملية اكتشاف شعراء ومبدعين فى القصة والرواية.. هدف نبيل وضرورى.. وتوفير مناخ لإبداعهم أيضًا هدف مهم وضرورى.. لكن ما الفرق بين ما تفعله الوزارة فى هذا السياق وما تفعله ‏وزارة الشباب مثلا؟.. وما الفرق بين ما تصنعه كلتاهما.. وزارتا الشباب والثقافة.. وبين ما يصنعه برنامج تليفزيونى واحد لاكتشاف المواهب؟..‏
ما الفرق بين ما تنتجه دور النشر الخاصة فى بلادنا، وما تقدمه هيئة الكتاب.. وما الفرق بين ما تقدمه الهيئة ذاتها وما تنشره هيئة قصور الثقافة؟!.‏
وكلتاهما ضلعان فى وزارة واحدة.. هل ناقش أحدهم تأثير النشر الإلكترونى على «المنتج الثقافى فى بلادنا.. وماذا سنفعل حيال ذلك؟».. طبعًا لم يحدث.‏
كيف تكون هناك صيغة جديدة للتعامل مع وزارة التربية والتعليم فى ظل نظام تربوى وتعليمى جديد؟ وما موقف «صُناع الثقافة» منه.. وكيف سيتعاونون أو سيتعاملون معه؟!.‏
إننى أدعو السيدة إيناس عبدالدايم التى ضاع من عمر توزيرها ما يقرب من نصف العام إلى مؤتمر عاجل لا للحكى والرغى والخناق.. يمكن اختصار ذلك فى ورشة عمل.. لوضع مشروع ثقافى لبلادنا ‏فى ظل حروب تخوضها من الداخل والخارج.. فى ظل فقر يزداد ليصنع إرهابًا محتملًا ومصانع جديدة لتفريغ إرهابيين جدد لا نعرف عنهم شيئًا سوى الأفكار التى تحركهم.‏
بلادنا فى حاجة لرؤية جديدة فى الثقافة.. ومبدعونا فى حاجة إلى جسر جديد يربط بينهم وبين الدولة والمواطنين.. نحن فى حاجة إلى جسر إلى المستقبل حتى نعبر بأبنائنا بشكل آمن.‏
ولسنا فى حاجة إلى موظفين يوقعون فى دفاتر الحضور والانصرف.. لدينا حتمًا ما نستطيع البناء فوقه.. فنحن لن نبدأ من فراغ.. و«الكادر البشرى».. وهو أحد أهم عناصر التنمية الثفافية.. هو الأكثر ‏وفرة فى بلادنا.. وحتى لا يتحجج أحدهم بميزانية الوزارة.. ما أتحدث عنه «فكرة».. مش «فلوس».. ولسه الكلام ما انتهاش بيننا.‏