رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى تنصيبه.. كيف بنى محمد علي مصر؟

 محمد علي
محمد علي

يوافق، اليوم الاثنين، الـ18 من يونيو الجارى، ذكرى تنصيب محمد علي باشا واليًا على مصر، ومن المعروف بدايةً أن محمد علي ولد بقولة، الواقعة في شمال اليونان حاليًا، وهو من أبناء القومية الألبانية، بدأ حياته تاجرًا للتبغ ولم يحصل على أي قدر من التعليم وكان تقريبًا نصف أمّي، لكنه تمتع بذكاء خارق وطموح شديد وبقدر غير قليل من المكر، هذا ما يؤكده المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي، في كتابه "عصر محمد علي".

كل ذلك أهلّهُ ليصل إلى ما سعى إليه في الخفاء ألا هو حكم الديار المصرية، والمثير أنه لم يبدِ أية رغبة في تولي أمور البلاد وبذكائه جعل الأهالي وكبار الأعيان والعلماء يطالبونه بذلك، حتى إذا جاءه الحكم أبدى زهده وخجله وكأنه سِيقَ إلى الحكم وهو عنه راغب.

ورغم استبداد محمد علي وما اتسم به من غلظة القلب وقساوة الطبع لكنه نجح في جعل مصر لأول مرة دولة حديثة بجيش قوي جَنّد فيه المصريين أنفسهم مستفيدًا من عزيمتهم القوية وحسن استعدادهم للقتال، كما ذكرنا الرافعي في كتابه، فقد تميز محمد علي بذكاء خارق وهو ما شهد به معاصريه ومن بعدهم من مؤرخي تلك الحقبة، ما أهله لإدراك أهمية التعليم في خلق دولة قوية ومتمدنة ذات ريادة ولذلك استثمر ميزانية دولته وخيراتها في مشروع تعليم الشباب وأنشأ المدارس العليا "الكليات حاليًا"، ومنها مدرسة الطب والمدرسة الحربية ومدرسة المهندس خانة وكانت تضم في بدايتها الطلبة الذين تخرجوا من الأزهر الشريف ليتحولوا إلى أفندية بعد أن كانوا مشايخ وكان منهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، الذي ذهب إلى فرنسا كواعظ للمبتعثين فاستغل الفرصة وتعلم من الأوروبيين الكثير وارتاد المسارح وعاد لينقل تجربته في كتابه الهام والممتع "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".

يُذكر أن الإمام محمد عبده كان له رأي خاص، في مذكراته، يفيد بأن نهضة مصر التي سعى إليها محمد علي كانت لإشباع طموحه الشخصي ورغبته الحثية في الملك والسيطرة وهو الذي استولى على الحجاز والشام ووصلت جحافله إلى أضنه، جنوب تركيا، وكان الطريق مفتوحًا أمامه إلى الأستانة، عاصمة الخلافة، وكان يستعد لتنصيب نفسه خليفة بالفعل.

وسعى محمد علي لتكوين إمبراطورية بدافع من طموحه الشخصي الكبير هو الذي دفعه لتكوين جيش قوي، وتكوين الجيش دفعه بدوره إلى الاعتماد على المتعلمين وأصحاب الخبرات كما أنه احتاج إلى المال لتسليح الجيش فاعتمد على محصول القطن، ما أدى إلى اهتمامه بتطوير تلك الزراعة لزيادة الدخل وهذا أدى بدوره إلى تحديث نظام الري مما أوجب عليه الاعتماد على أصحاب الكفاءة والمتعلمين تعليمًا رفيعًا لذلك اهتم بالتعليم لتغيير نظام الري حتى يتحسن محصول القطن ويزيد الدخل وبالتالي يستطيع الإنفاق على الجيش.

وعندما قرر محمد علي إنشاء المدارس وجد عقبة صعبة وهي خوف المصريين من التعليم وذلك لأن الجهل ساد واستفحل، آنذاك، إلى حد اعتبار الكيمياء ضربًا من ضروب السحر وإلى حد خوف الأهالي من تعليم أبنائهم وكان المحفل العلمي الوحيد المفتوح في ذلك العهد هو الأزهر الشريف واقتصرت الدراسة فيه على علوم الشريعة واللغة العربية أما علوم الدنيا فلم تقع في دائرة الاهتمام فأصبح الجهل الشديد هو عنوان العصر وتغذت الأمراض على أجساد المصريين لدرجة أن تعدادهم في عام 1517 بلغ 8 ملايين، وأصبح عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية 2 مليون فقط، كما ذكر ذلك الجبرتي، ولا تسألوا عن الستة ملايين الذين اختفوا فقد أكلتهم الأوبئة.

ولما وجد محمد علي أن الأهالي يخافون من تعليم أبنائهم اضطر إلى اقتياد الأطفال بالسلاسل وخطفهم عنوة من بيوت أهاليهم وتكفل بدفع راتب شهري للمتفوقين مع وجبة غذاء لكل طالب وكسوة محترمة وخرج من صفوف هؤلاء الطلاب نابغون كُثر منهم الراحل الكبير علي باشا مبارك، المهندس الأشهر ورائد التعليم المصري.

وأسس محمد علي، وفقًا للمؤرخ الراحل عبد الرحمن الرافعي، ثلاثة أنواع من المدارس "ابتدائية وتجهيزية وخاصة"، وتساوي المدارس التجهيزية تساوي الآن ما نطلق عليه اسم "المدارس الثانوية" وبنى محمد علي 50 مدرسة لتخدم 11 ألف طالبًا على مستوى الولاية المصرية مع مدرسة خاصة لتعليم أبناء النخبة أطلق عليها اسم "كلية الأمراء" ضمت نحو 500 تلميذ، وفي عهده تم تأسيس مدرسة الطب على يد الطبيب الفرنسي كلوت بك، فقضت على عهد السحر والتمائم وأوجدت العلاج الفعال والملائم للعديد من الأمراض التي نهشت في أبدان المصريين.

يُذكر أن مدرسة الطب تأسست في البداية لسد احتياجات الجيش من الأطباء المؤهلين بأبو زعبل، عام 1828، وبلغت دقة محمد علي إلى حد أنه أسس مدرسة لتعليم مفاهيم وآليات الموسيقى العسكرية لذلك يصف المؤرخون محمد علي باشا بـ"مؤسس مصر الحديثة".