رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعنة أردوغان أصابت منتخب ألمانيا


تزلزلت الأرض حين زلزل منتخب المكسيك لكرة القدم شباك منتخب ألمانيا، الذي يسعى للحفاظ على اللقب، وأحد أكبر المرشحين للتتويج بالبطولة. ومع أن هدف المباراة الوحيد جاء في الدقيقة ٣٤، إلا أن المنتخب الألماني، منتخب الماكينات أو «المانشافت»، فشل في كل محاولات التعادل والخروج بنقطة وحيدة على الأقل. وهكذا، حقق المنتخب المكسيكي مفاجأة كبرى، في مونديال روسيا ٢٠١٨، بفوزه على حامل اللقب واحد- صفر.

فعلًا وليس مجازًا، تزلزلت الأرض حين زلزل منتخب المكسيك شباك منتخب ألمانيا، وأكدت الحكومة المكسيكية أن أجهزة قياس الزلازل رصدت هزة أرضية بالبلاد لحظة إحراز منتخب بلادها الهدف الوحيد في شباك منتخب ألمانيا، في المباراة التي جمعت المنتخبين يوم الأحد. وأفاد معهد البحوث الجيولوجية بأن هزة أرضية ضربت البلاد بسبب فرحة الجماهير الهستيرية وقفزهم احتفالًا بهدف اللاعب هيرفينج لوزانو في شباك مانويل نوير. وطبقًا لما أعلنته شبكة رصد الزلازل المكسيكية، في حسابها الرسمي على «تويتر»، فقد اكتشف اثنان من أجهزة الاستشعار، على الأقل، النشاط الزلزالي وقت تسجيل الهدف!.

لم يكن منتخب المكسيك قد حقق المفاجأة أو المعجزة، حين كتبت مقال أمس «لعنة أردوغان تطارد منتخب ألمانيا» الذي أنهيته بالإشارة إلى أن محاولات الاستفادة سياسيًا من كرة القدم، عادية وطبيعية. وأن الذنب لا يقع على السياسي الذي يحاول، بل على اللاعب الذي يستجيب أو يقع في الفخ، دون أن يدرس العواقب أو يضع في ‏اعتباره الخسائر التي قد يتكبدها، خاصة لو كانت هناك مؤشرات وشواهد كثيرة تؤكد أن هذا السياسي ملعون، وأن لعنته تصيب كل من يقترب منه. وهذا هو ما حدث فعلًا، أو أحد التفسيرات الممكنة لما حدث.

أصابت اللعنة، إذن، منتخب ألمانيا بعد أن ظلت تطارده، لعدة أسابيع، منذ التقاط الرئيس التركي، طيب رجب أردوغان، خلال زيارته إلى العاصمة البريطانية لندن، منتصف مايو الماضي، صورة مع نجمي الفريق، إلكاي جندوجان ومسعود أوزيل، يقفان فيها بجواره، وهما يبتسمان ويمنحانه قميصي فريقيهما، أرسنال ومانشستر سيتي. ‏وكان الأكثر استفزازًا للألمان هو أن جندوجان كتب على قميصه الذي أهداه للرئيس التركي عبارة «كل الاحترام لرئيسي». الأمر الذي رأته الجماهير الألمانية يتناقض مع قيم بلادها، التي تشهد ‏علاقاتها مع تركيا أزمة طاحنة. ووصل غضب الجماهير، وبعض السياسيين، حد المطالبة باستبعاد اللاعبين من المنتخب الألماني. وقبل صيحات الاستهجان والهتافات المسيئة، التي لاحقت بها الجماهير اللاعبين، في مباراتين وديتين، مع السويد والسعودية، تم تحطيم ‏سيارة جندوجان يوم الخميس قبل الماضي.

وسواء تزلزلت الأرض فعليًا أم مجازًا، وسواء اقتنعت بأن لعنة أردوغان لها علاقة بهزيمة منتخب ألمانيا أو استنتجت أننا نـ«تلكك» لنقحم سيرة المذكور غير النظيفة في الموضوع، فإن المنتخب الألماني، بطل العالم لأربع مرات، ظهر بشكل باهت للغاية، وعجز عن هز شباك منتخب المكسيك، الذي قدم لاعبوه أداءً بطوليًا منحهم أول انتصار في تاريخ المنتخب الأمريكي الشمالي خلال مواجهاته مع منتخب الماكينات. إذ سبق للألمان هزيمة المكسيك في المواجهات الثلاث التي جمعت بينهما في المونديال أعوام ١٩٧٨ و١٩٨٦ و١٩٩٨. أما هذه المرة فقد فرض المنتخب المكسيكي نفسه خصمًا قويًا منذ بداية المباراة على ملعب «لوجنيكي»، الذي يأمل الألمان في أن يعودوا إليه في ١٥ يوليو المقبل، موعد مباراة نهائي المونديال.

هذا الأمل بات محل شك بعد أن توّج «لوزانو» مجهود زملائه الذين فرضوا شبكة دفاعية صلبة في مواجهة الهجوم الألماني، واعتمدوا على هجمات مرتدة سريعة أربكت دفاع الماكينات، بينها تلك الهجمة السريعة التي انطلقت بعد قطع المكسيك محاولة هجومية ألمانية، لتصل الكرة إلى خافيير هيرنانديز الذي تقدم بها سريعًا نحو المنطقة الألمانية، قبل أن يمررها نحو لوزانو المنطلق من الخلف، ليحرز الهدف بعد أن تلاعب بمسعود أوزيل، الذي لا أريدك أن تنسى أنه أحد اللاعبَين اللذين التقط معهما أردوغان الصورة المشئومة. وبهذا الشكل، كانت الجماهير الألمانية على حق حين طالبت باستبعاد أوزيل وزميله إلكاي جندوجان، من المنتخب الألماني، بسبب «النحس»، وليس فقط بسبب علاقات بلادهم المتوترة بتركيا.

قبل أن يخرج العاقل «اللي جواك» وينفي وجود «النحس» أو الحظ» أو اللعنة، أوجه عناية سيادتك إلى أننا بـ«نتلكك»، أي نفتعل تلكيكة أو تكأة، لنقحم سيرة المذكور غير النظيفة في الموضوع، ولكي نشير إلى أن الأزمة الدبلوماسية الطاحنة بين ألمانيا وتركيا زادت حدتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، التي مهد لها أردوغان بتعديل دستوري أجراه العام الماضي، زادت بموجبه ‏سلطات الرئيس بشكل غير مسبوق، وقوبل بانتقادات عدد من الحكومات الأوروبية، بينها الحكومة الألمانية، فزادت العلاقات توترًا بين البلدين، وهي العلاقات التي كانت متوترة ‏منذ محاولة الانقلاب الفاشلة (أو المزعومة) ضد أردوغان في يوليو الماضي، واتهام أنقرة لعدة دول، بينها ألمانيا، بعدم الإسراع بإدانة العناصر العسكرية المارقة. وهو الاتهام الذي ردت عليه برلين بشكل متواصل، وبأكثر من طريقة، بينها استخدام كارت حقوق الإنسان، وانتقاد الاعتقالات الجماعية للسياسيين والصحفيين وغيرهم في تركيا.

ضد أن تتدخل دولة في شئون دولة أخرى. لكن ذلك لن يمنعنا من الإشارة إلى أن الشعب التركي كان يتمتع بقليل من الديمقراطية، أو هامش ضئيل منها، قبل يوم ١٥ يوليو ٢٠١٦، وبعده شهدت تركيا إجراءات وممارسات لم تشهدها أكثر الدول قمعًا وتخلفًا. وزادت الأوضاع سوءًا، وباتت فرضية «المسرحية»، مسرحية محاولة الانقلاب الفاشلة، أكثر منطقية مع تعديل الدستور. وسبق أن أوضحت في مقالي «سلطان الشر الأوسط الكبير» أن تعديل دستور تركيا وانتقالها من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، توسيعًا لصلاحيات رجب طيب أردوغان، هو في تصوري تحصيل حاصل. ليس فقط لأن الاستخدام الأوحد والوحيد لـ«سلّم الديمقراطية»، لدى الإسلاميين، أو المتأسلمين، هو صعودهم دون غيرهم إلى السلطة، وإنما لأن «أردوغان» هو «الفرس» الذي يراهن عليه الأمريكيون لتحقيق حلم «القرن الأمريكي» أو «الإمبراطورية الأمريكية»، الذي كان مشروع «الشرق الأوسط الكبير» إحدى أهم الخطوات في الطريق إليه.

أخيرًا، وقبل أن يخرج العاقل «اللي جواك» ويسأل عن علاقة الفقرات الثلاث السابقة، أو غيرها، بمباراة كرة قدم، أوجه عناية سيادتك إلى أننا بـ«نتلكك»، أي نفتعل تلكيكة أو تكأة، لنقحم سيرة الرئيس التركي غير النظيفة في الموضوع. هذا بالإضافة إلى أننا بـ«نتسلّى مع بعض» والكلام بـ«يجيب بعضه» أو في قول آخر «الشيء بالشيء يُذكر»!.