رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزهر يحاكم سيد ومحمد قطب

جريدة الدستور

- الدستور تنشر نص تقرير للمشيخة عن أخطر كتابين للشقيقين
- معالم فى الطريق.. كاتبه يتبع منهج الخوارج.. يدعو إلى الفتنة وإشعال الحروب.. ويقود الناس إلى التهلكة
- سيد قطب مسرف فى التشاؤم ويستبيح استفزاز البسطاء باسم الدين
- يناقض الإسلام ويدَّعى أنه دين الهجوم على كل طائفة ودعوته مدمرة


محمد قطب أهدافه إفسادية فى بواعثها ونتائجها.. ولا يرى أحدًا بريئًا من الكفر إلا نفسه وشقيقه
لأول نظرة فى الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام ولكن أسلوبه استقزازى يفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية، خاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون فى غير روية إلى دعوة الداعى باسم الدين ويتقبلون ما يوحى إليهم به من أهداف ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله، وأن الأخذ بها سبيل إلى الجنة.
وأحب أن أذكر بعض نصوص من عبارات المؤلف لتكون أمامنا فى تصور موقفه.
ص ١١:٩- «إن العالم يعيش اليوم كله فى جاهلية، هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله فى الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية.
إنها تسند الحاكمية إلى البشر.. وفى هذا يتفرد المنهج الإسلامى، فالناس فى كل نظام غير النظام الإسلامى يعبد بعضهم بعضًا.. «ص ١٠» وفى المنهج الإسلامى وحده يتحرر الناس جميعًا من عبادة بعضهم بعضًا.. وهذا هو التصور الجديد الذى نملك إعطاءه للبشرية.. ولكن هذا الجديد لا بد أن يتمثل فى واقع عملى، لا بد أن تعيش به أمة، وهذا يقتضى عملية بعث فى الرقعة الإسلامية، فكيف تبدأ عملية البعث؟ إنه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة وتمضى فى الطريق.. «ص ١١» ولا بد لهذه الطليعة التى تعزم هذه العزمة من معالم فى الطريق».
«لهذه الطليعة الموجودة المرتقبة كتبت (معالم فى الطريق).. فهذه دعوة مكشوفة إلى قيام طليعة من الناس ببعث جديد فى الرقعة الإسلامية، والمؤلف هو الذى تكفل بوضع المعالم لهذه الطليعة ولهذا البعث المرتقب».
ص ٢١- «نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم فكل ما حولنا جاهلية».
ص ٢٣- «إن مهمتنا الأولى هى تغيير واقع هذا المجتمع، مهمتنا هى تغيير هذا الواقع الجاهلى من أساسه».
ص ٣١- «وليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت رومانى أو طاغوت فارسى إلى يد طاغوت عربى، فالطاغوت كله طاغوت، إن الأرض لله.. وليس الطريق أن يتحرر الناس فى هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت.. إن الناس عبيد لله وحده.. فلا حاكمية إلا لله ولا شريعة إلا من الله ولا سلطان لأحد على أحد.. وهذا هو الطريق».
إن كلمة «الحاكمية لله.. ولا حاكمية إلا لله» كلمة قالها الخوارج قديمًا، وهى وسيلتهم إلى ما كان منهم فى عهد الإمام علىّ من تشقيق الجماعة الإسلامية، وتفريق الصفوف، وهى الكلمة التى قال عنها الإمام علىّ: «إنها كلمة حق أريد بها باطل».
فالمؤلف يدعو مرة إلى بعث جديد فى الرقعة الإسلامية، ثم يتوسع فيجعلها دعوة فى الدنيا كلها، وهى دعوة على يد الطليعة التى ينشدها، والتى وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة.
وليس أغرب من هذه النزعة الخيالية وهى نزعة تخريبية يسميها طريق الإسلام.
والإسلام كما هو اسمه ومسماه يأبى الفتنة ولو فى أبسط صورة، فكيف إذا كانت فتنة غاشمة جبارة كالتى يتخيلها المؤلف.
وما معنى الحاكمية لله وحده؟.
هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمتنع الناس جميعًا عن ولاية الحكم؟.. أو يكون الممثل لله فى الحكم هو شخصية هذا المؤلف الدعى، والذى ينكر وجود الحكام ويضع المعالم فى الطريق للخروج على كل حاكم فى الدنيا؟!.
إن القرآن نفسه يعترف بالحكام المسلمين ويفرض لهم حق الطاعة علينا كما يفرض عليهم العدل فينا ويوجه الرعية دائمًا إلى التعاون معهم. والإسلام نفسه لا يعتبر الحكام رسلًا معصومين من الخطأ، بل فرض لهم أخطاء تبدر عن بعضهم وناشدهم أن يصححوا أخطاءهم بالرجوع إلى الله وسنة الرسول وبالتشاور فى الأمر مع أهل الرأى من المسلمين، فغريب جدًا أن يقوم واحد أو نفر من الناس ويرسموا طريقًا معوجًا ويسموه طريق الإسلام لا غير، لا بد لاستقرار الحياة على أى وضع من أوضاعها من وجود حكام يتولون أمور الناس بالدين وبالقوانين العادلة.
ومن المقررات الإسلامية أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فكيف يستقيم فى عقل إنسان أن تقوم طليعة مزعومة لتجريد الحكام جميعًا من سلطانهم؟ وبين الحكام كثيرون يسيرون على الجادة بقدر ما تتاح لهم من الوسائل، هذا شطط فى الخيال يجمح بمؤلف الكتاب إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة والتطورات المعقولة.
ص ٤٣ - «فلا بد أولًا أن يقوم المجتمع المسلم الذى يقر عقيدة: لا إله إلا الله وأن الحاكمية ليست إلا لله.. وحين يقوم هذا المجتمع فلا تكون له حياة واقعية وعندئذ فقط يبدأ هذا الدين فى تقرير النظم وفى سن الشرائع».
فهذا هجوم من المؤلف على الواقع إذ ينكر وجود «مجتمع إسلامى» وينكر وجود نظام إسلامى، ويدعو إلى الانتظار فى التشريع الإسلامى حتى يوجد المجتمع المحتاج إليه - يريد المجتمع الذى سينشأ على يده ويد الطليعة.
يخيل إلينا أن المؤلف شطح شطحة جديدة، فزعم لنفسه الهيمنة العليا الإلهية فى تنظيم الحياة الدنيا، حيث يقترح أولًا هدم النظم القائمة دون استثناء وطرد الحكام وإيجاد مجتمع جديد، ثم التشريع من جديد لهذا المجتمع الجديد.
ص ٤٥- يكرر هذا الكلام.
ص ٤٦- يصرح به مرة ثالثة أو رابعة، فيقول إن دعاة الإسلام حين يدعون الناس لإنشاء هذا الدين- كذا- يجب أولًا أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون، ويعلموهم أن كلمة لا إله إلا الله، مدلولها الحقيقى هو رد الحاكمية لله، وطرد المعتدين على سلطان الله.. وهكذا.
وتلك نزعة المؤلف المتهوس، يناقض بها الإسلام ويزعم أنه أغير الخلق على تعاليم الإسلام.. أليست هذه الفتنة الجامحة بل الفتنة الجائحة.. من إنسان يفرض نفسه على الدين وعلى المجتمع.
ص ٥٠- يعزز فكرته الفائتة فيقول: «وهكذا ينبغى أن يكون كلما أريد إعادة البناء مرة أخرى».
ص ٨١- يقول «إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين.. معناه الثورة الشاملة على حاكمية البشر فى كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع فى أرجاء الأرض، الحكم فيه للبشر بصورة من الصور...إلخ».
ص ٨٣- يقول: «إن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان فى الأرض.. لم يكن إعلانًا نظريًا فلسفيًا إنما كان إعلانًا حركيًا واقعيًا إيجابيًا.. ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان... إلخ».
ويسير المؤلف على هذا النحو من الإغراء للبسطاء والشباب باسم الجهاد للإسلام حتى يقرر ما يأتى:
فى ص٩٠- «إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هى إعلان تحرير الإنسان إعلانًا جادًا يواجه الواقع الفعلى سواء كان الوطن الإسلامى آمنًا أم مهددًا من جيرانه، فالإسلام حين يسعى إلى السلم لا يقصد السلم الرخيص وهو مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التى يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية».
فهذه دعوة إلى إشعال الحروب مع الغير، ولو كان الوطن الإسلامى آمنًا، مع أن نصوص القرآن والسنة وتوجيهات الإسلام عامة لا تدعو إلى مثل هذا الانفعال الغاشم، وإنما تعتبر الحرب وسيلة علاجية لاستقرار الحياة وقمع الفتن وشق طريق الدعوة إذا وقف فى سبيلها خصوم يعاندونها ويعوقونها.
والإسلام كله يدعو إلى المسالمة مع من يسالمه، ويترك الآخرين على عقائدهم الكتابية الأولى ويقبل منهم الجزية، بل الإسلام يحبب إلينا أن نحسن إلى المسالمين منهم، والبر والعدل معهم وينهانا عن التودد إلى المسيئين إلينا منهم، وهذه الملاطفة مع المسالمين والمقاطعة للمسيئين، هى ظاهرة العزة الإسلامية وترفعها عن الجبروت أولًا وعن المذلة ثانيًا.
ولكن صاحب- «معالم فى الطريق»- يفهم غير ذلك ويعمد إلى بعض الكتب وينقل منها كلامًا عن ابن القيم الجوزية ونحوه ثم يفهم كلامهم على ما يطابق نزعته، ويتخذ من ذلك دليلًا على أن الإسلام دين المهاجمات لكل طائفة وفى كل وطن وفى كل حين.
وفى ص ١٠٥- يقول «وكما أسلفنا فإن الانطلاق بالمذهب الإلهى- يريد مذهبه فى الثورة والفتنة والتدمير- تقوم فى وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة، وهذه كلها هى التى ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة».
ولو حاولت أنا شخصيًا أن أغالط فيما فهمته، أو أحسن الظن بما يقوله مؤلف «معالم فى الطريق» لكنت فى نظر نفسى مدلسًا فى الحقيقة السافرة، ومبتعدًا عما يريده هو من كلامه من صدام وتخريب وشر مستطير لا يعلم مداه غير الله.
وفى الصفحات من ١١٠ إلى ١٥٦ وما تليها تشتعل الثورة الخانقة فى نفس الكاتب فيلهب مشاعر القارئ البسيط ويدس فى الكلام توجيهًا رطبًا جذابًا نحو الأمل الذى يتخيله لنفسه ولمن ينصاع لفتنته.
ويقول فى ص ١٥٦، «سطر ٩ و١٠»- «المجتمع الإسلامى وليد الحركة، والحركة هى التى تعين أقدار الأشخاص فيه وقيمتها، ومن ثم تحدد وظائفهم فيه ومراكزهم، هكذا»، ويكرر هذا الأمل فى ص١٥٨ سطر ٨ وما بعده.
ثم يتابع هذه العبارات بعبارات مثلها وأشد منها خداعًا وتوريطًا مما لا يدع مجالًا لحسن الظن بما يقوله الكاتب فى كتابه.
وهكذا يدور المؤلف حول فكرته فى عبارات متشابهة أو بعضها أشد من بعض فى تحريضه وإننى لأكتفى بما أنقله أخيرًا من كلماته.
ص ٢٠٦، ٢٠٧ يقول: «وحين ندرك حقيقة الإسلام على هذا النحو- الذى فهمه هو فى ثورته- فإن هذا الإدراك بطبيعته سيجعلنا نخاطب الناس ونحن نقدم لهم الإسلام فى ثقة وقوة وفى عطف كذلك ورحمة، ثقة الذى يستيقن أن ما معه هو الحق وأن ما عليه غيرهم هو الباطل، وعطف الذى يرى شقوة البشرة وهو يعرف كيف يسعدهم، ورحمة الذى يرى ضلال الناس وهو يعرف أين الهدى الذى ليس بعده هدى».
وهذه الكلمات يستبيحها لنفسه من يتطاول إلى مقام الرسالة إذ يكون مطمئنًا إلى ما يتلقاه من الوحى، ومستشعرًا بعصمة نفسه بسبب عصمة الله له من الخطأ وأنه على الهدى الذى لا هدى بعده.
ومن ذلك الذى بلغ هذا المبلغ بعد «محمد بن عبد الله» يا ترى؟
أهو «سيد قطب» الذى سول له شيطانه أن ينعق فى الناس بهذه المزاعم ويقتادهم وراء المهالك ليظفر بأوهامه التى يحلم بها!
إنه ليمعن فى غروره فيقول- نفس ص٢٠٦- «لن نتدسس إليهم بالإسلام، سنكون صرحاء معهم غاية الصراحة، هذه الجاهلية التى أنتم فيها نجس والله يريد أن يطهركم.. هذه الأوضاع التى أنتم فيها خبث والله يريد أن يطيبكم.. هذه الحياة التى تحيونها دون، والله يريد أن يرفعكم.. هذا الذى أنتم فيه شقوة وبؤس ونكد والله يريد أن يخفف عنكم ويرحمكم ويسعدكم، والإسلام سيغير تصوراتكم وأوضاعكم وقيمكم وسيرفعكم إلى حياة أخرى تنكرون معها هذه الحياة التى تعيشونها... إلخ».
ص ٢٠٩- «ولم تكن الدعوة فى أول عهدها فى وضع أقوى ولا أفضل منها الآن، كانت مجهولة مستنكرة من الجاهلية وكانت محصورة فى شعاب مكة مطاردة من أصحاب الجاه والسلطان فيها... إلخ».
ص ٢١٢- «وحين نخاطب الناس بهذه الحقيقة ونقدم لهم القاعدة العقدية للتصور الإسلامى الشامل يكون لديهم فى أعماق فطرتهم ما يبرر الانتقال من تصور إلى تصور ومن وضع إلى وضع... إلخ».
وبهذا الذى أنقله من كتاب «معالم فى الطريق» صار واضحًا من منطق الكتاب نفسه، أنها دعوة غير سليمة، ولا هادفة إلى إصلاح، وإن كانت مسماة عند صاحبها بذلك الاسم المصطنع.
ومهما يكن أسلوب الكتاب ممزوجًا بآيات قرآنية وذكريات تاريخية إسلامية، فإنه كأساليب الثائرين للإفساد فى كل مجتمع يخلطون بين حق وباطل ليموهوا على الناس.
والمجتمعات لا تخلو من إغراء بسطاء يحسنون الظن بما لا يكون كله حقًا ولا إخلاصًا، وقد يسيرون وراء كل ناعق، خاصة إذا كان يبدى الغيرة باسم الدين ووجدوا فى غضون هذه الدعوة تلميحًا بالأمل فى المراكز والأوضاع والقيم الجديدة فى المجتمع الجديد.
وهذه الحيلة فى نفسها حيلة إبليس فيما صنعه مع آدم وحواء، وفيما يدأب عليه دائمًا فى فتنة الناس عن دينهم وعن الخير فى دنياهم.
وبعد: فقد انتهيت من قراءة كتاب «معالم فى الطريق» إلى أمور:
١- إنه إنسان مسرف فى التشاؤم، وينظر إلى الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود مما يراها.
٢- إن «سيد قطب» استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام مهما يكن فى ذلك من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع وتصدع الأمن وإلهاب الفتن فى صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله، وذلك هو معنى الثورة الحركية التى رددها فى كلامه.
٣- وإذا ربطنا بين «سيد قطب» والأحداث المعاصرة ونظرنا إلى ذلك الاتجاه فى ضوء الثورة المصرية وما ظفرت به من نجاح باهر فى كل مجال من مجالات الحياة، وضح لنا أن الدعوة الإخوانية دعوة مدسوسة على ثورتنا باسم الغيرة على الدين، وأن الذين تزعموا هذه الدعوة أو استجابوا لها إنما أرادوا بها النكاية بالوطن والرجوع به إلى الخلف وتعريضه لويلات تدمى قلب الإنسانية، وتلك هى الفتنة الكبرى لا قدر الله، والله تعالى يقول: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة»، واتقاء الفتنة يكون- أولًا- بالابتعاد عن إثارتها أو الجنوح إليها ولو من بعيد.
ويكون- ثانيًا- بمقاومتها وإحباط تدبيرها وتحذير الناس منها، حتى تكبت فى جحرها، ويسلم الأفراد والمجتمع من شرورها، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها».

جاهلية القرن العشرين.. صاحبه عقليته مشوشة.. ينشر ضلالات.. ويضع المسلمين فى موضع العداء لله ورسوله ودينه
كتب محمد قطب مقدمة فى ثلاث عشرة صفحة قرر فيها أننا نعيش فى جاهلية أشنع من الجاهلية الأولى- وفى سطر ١٠ من صفحة ١٣- قال: «وهدفنا من هذه الدراسة هو تصحيح التصور وتصحيح السلوك، هو كشف هذه الجاهلية التى تفتن الناس باسم التقدم والتطور والحضارة والمدنية، حتى يفيئوا إلى أنفسهم.. وهدفنا كذلك- أى الكاتب- التبشير بمستقبل البشرية». ثم صار إلى ص٥٢ يتحدث فى ذكريات تاريخية عن الجاهلية فى العصور القديمة والعصور الوسطى عند اليونان والرومان وعن احتكاك أوروبا المسيحية بالإسلام فى الحروب الصليبية.
وفى ص٥٢ بدأ فى تعليل الجاهلية بكلام ذى لون دينى فقال «والجاهلية تنشأ من عدم إفراد الله بالألوهية وعدم إفراده بالحاكمية، فتشرك مع الله آلهة أخرى ولا تحكم بما أنزل الله». وذلك كلام يحتاج إلى مزيد من بيان يكشف عن مقصده، ويسير المؤلف سيرًا علميًا لا بأس به إلى ص١٣١- فيقول: «والعلاج الأوحد للنظام.. إنما هو تغييره من أساسه وبالرجوع إلى منهج الله دون سواه، والحكم بما أنزل الله».
وفى هذا أيضا شىء من الإجمال كسابقه، ونحن معه فى سبيله حتى نقف من كلامه على بينة، وهو يسير فيما بعد هذه الصفحات سيرًا توجيهيًا مقبولًا يشيد فيه بالدين لما يحتويه من الخير للبشرية، ويندد بالحضارات والتقاليد التى زاحمت الدين وصرفت الناس عنه.
وفى ص٢٤٤ يتحدث عن الإسلام فى تفصيل فقال: «إن الإسلام هو الذى يعطى الوضع الصحيح لكل ما انحرفت به الجاهلية فى التصور والسلوك فى السياسة والاجتماع والاقتصاد.. فى الأخلاق والفن وعلاقات الجنسين وكل شىء فى حياة الإنسان».
وهذا كلام لا بأس به إجمالًا.
ولكنه فى الصفحات الآتية أخيرًا فى كتابه، يعرج كثيرًا على خطوات التضليل التى وردت فى كتاب «سيد قطب»، والتى تتعلق بذكر الحاكمية والجاهلية والدعوة إلى الفتنة الجامحة التى يرددها ويدور حولها أسلوب كتاب «سيد قطب».
ومن هذه التضليلات قوله فى ص٢٣٨-٢٣٩ «على أن هناك أمرًا خطيرًا فى شأن الجاهلية الضاربة اليوم فى أعماق الأرض.. فسواء رضى الناس بالعبودية للطاغوت واستكانوا إليه أم سخطوا استعدادًا لإزالته من على كاهلهم.. فمصير الجاهلية الطاغية ليس متروكًا لاختيار الناس! هناك حتميات فى أقدار الناس، ومن هذه الحتميات أن هذه الجاهلية لا تستطيع أن تبقى إلى الأبد مسيطرة على أقدار الناس.. فإنها لا بد ستنهار».
وهذا تضليل فى إسراف، فإن تعاليم الإسلام تدل على أن هذا العمران لا ينهار على النحو الذى يصوره لنا الكاتب إلا إذا انتهى أجل الدنيا «يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار»، وتضليل آخر وهو أنه يصور للناس بعد الانهيار الشامل الذى يتخيله ويعتبره حتمًا أن الناس يختارون لأنفسهم ما يحل لهم بعد انهيار الطاغوت إما الهدى وإما الخضوع لطاغوت آخر.. من أجل ذلك كان لا بد للناس أن يفكروا لأنفسهم قبل الانهيار هل يعدون أنفسهم لطاغوت آخر أم يبحثون عن العلاج؟.
وهذا كلام يدور حول نفسه فى عقلية مشوشة، فإن الانهيار الحتمى الذى تكلم عنه كان فى حديثه تمهيدًا لحياة جديدة يسترد فيها الدين الحاكمية من البشر.
وهو يعود ويقرر أن الناس سيختارون لأنفسهم الهداية أو طاغوتًا آخر. وهكذا يعاود الكلام عن الحاكمية وذكر الطواغيت والاستفزاز بهذه العبارات المعميات ويستمدها من فقرات مرقومة فى كتابه على أنها مقتبسة له من كتاب «سيد قطب» «فى ظلال القرآن» وهكذا كما فى ٢٤٩، ٢٥٠، ٢٥٤... إلخ.
وبعد، فإن الكتاب فى جملته وتفصيله يشتمل على كثير من التوجيهات الصحيحة ويعرج على مناسبات تاريخية معلومة، ولكنه فى كثير من المراحل يجعل أسلوبه ممزوجًا بالاستفزاز إلى الفتنة ويصوغ كلامه بقدرة لفظية تخفى نواياها على البسطاء.. ولئن كان كتابه «جاهلية القرن العشرين»، أخف من كتاب «سيد قطب» «معالم فى الطريق» فإنه يلتقى معه فى المغامز التى يثيرها بكلمات اغتصاب الحاكمية من الله والطواغيت وعبادة الناس بعضهم لبعض وإشراكهم مع الله غيره، وهكذا مما يضع المسلمين جميعًا والحكام جميعًا فى موضع العداء لله ولرسوله ولدينه.
حتى كأنه لم يبق بريئًا من هذه التهم سوى «سيد قطب» و«محمد قطب» والجيل الجديد الذى ينشأ على أيديهما بعد هلاك المجتمع الحاضر على يد هذين المصلحين بمعونة الشيطان وأعداء الإسلام، ونظرًا لأن الكتاب غير محبب إلى من يقرؤه وأنه يدور حول أهداف ليست خالصة لله، بل هى أهداف إفسادية فى بواعثها ونتائجها، رأيت الاكتفاء بما كتبت عنه فى هذه الصفحات القليلة وكفى.