رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ظلم الحسين نفسه والمسلمين؟

محمود خليل
محمود خليل

هل يعيد التاريخ نفسه؟. سؤال قديم قِدم التاريخ، وثمة تضارب فى الإجابة عنه، البعض يذهب إلى أن التاريخ أحداث متكررة، وآخرون يقولون إن كل يوم يأتى بجديد، وحتى لو ظهر تشابه بينه وبين أحداث الأمس، فإن السياق دائمًا مختلف، كما أن الشخوص مختلفون.

فيلسوف التغيير الأشهر هيرقليطس كان يقول «الإنسان لا ينزل النهر مرتين، لأن ماء النهر يتغير باستمرار». التاريخ ليس مجرد أحداث وأشخاص يتحركون، بل هو قبل هذا وذاك سياق زمنى. والسياق يفرض على الفرد الأداء بصورة معينة. على سبيل المثال لو تخيلنا أن محمد أنور السادات كان مكان جمال عبدالناصر، وحكم مصر فى الستينيات، فمن الوارد جدًا أن يؤدى مثلما أدى عبدالناصر، والعكس صحيح فلو حكم عبدالناصر مصر فى السبعينيات، لأدى مثلما أدى السادات، الظرف دائمًا ما يغلب الشخص، والسياق يفرض على من يتحرك على مسرح التاريخ الأداء بطريقة معينة.
العاقل من يستوعب سياق الحال، ويحاول الأداء طبقًا لمعطياته، لأن معاكسة الواقع ليست مأمونة العواقب، والنتائج التى تترتب عليها من الخطورة بمكان. دعونا نضرب مثلًا على ذلك من التاريخ نفسه، ونستدعى مشهد خروج الحسين بن على ضد يزيد بن معاوية. «الحسين» كان يشبه أباه عليًا بن أبى طالب، رجل مثالى يبحث عن الدولة الديّانة القادرة على تمثل خطى دولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، إمكانات «على» وقدراته وموقعه على الخريطة السياسية حينذاك، كانت تفوق إمكانات وقدرات الحسين عشرات المرات، وقد أخفق «على» فى تحقيق هدفه، لأن معطيات الظرف والحالة التى أوجدها حكم «عثمان» لم تبق على كثرة قادرة على استيعاب فكرة الدولة التى يريدها «على». كان الحسن بن على أوعى أفراد الأسرة بهذه الحقيقة، لذلك فقد نصح أباه بعدم الدخول فى الأمر، إلا إذا بايعه الجميع، وعندما اغتيل الخليفة على بن أبى طالب، وآل الأمر إلى الحسن تنازل عنه بملء إرادته لمعاوية بن أبى سفيان، لأنه كان يستوعب أن الظرف يعمل لصالح معاوية. هذه المسألة لم يستوعبها «الحسين» حين قرر الخروج على «يزيد»، لأن تركيبته كانت تتشابه مع تركيبة أبيه رضى الله عنهما، فكانت النتيجة أن وجد نفسه وحيدًا يصارع جيش عبيدالله بن زياد بن أبيه فى كربلاء.
رسائل كثيرة وصلت «الحسين» تدعوه إلى العراق وتعده بالبيعة وبإقامة مركز قادر على مناوأة الأمويين فى الشام، لكن الأصوات التى كانت تجلجل بالدعوة للحسين اختفت وتوارت بمجرد أن سمعت صليل سيوف بنى أمية. خسر «الحسين» لأنه لم يقرأ الظرف جيدًا، ولم يستوعب السياق الذى لخصه له أحدهم وهو ينهاه عن السير إلى العراق فى مقالة: «هؤلاء قوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك». لم تسقط الدولة الأموية إلا عندما وصل الحكم إلى مروان بن محمد، وهو واحد من أضعف حكام الدولة، وكان جوهر ضعفه مرتبطًا بعدم استيعابه للسياق وتحركات بنى العباس، وانتشار دعاتهم فى بلاد فارس، وأبرزهم أبومسلم الخراسانى وأبوسلمة الخلال. وعلى يد هذين الداعيتين زالت الدولة الأموية وسطع نجم العباسيين.