رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. شهادة هيكل عن أسطورة حسن البنا الكاذبة

ثروت الخرباوي
ثروت الخرباوي

- هيكل: البنا «محدود جدًا» لكن أصحابه قدسوه
- رأيت داخل «الإخوان» الخيانة والغدر والنفاق والرياء


أمنيتى فى الحياة أن تنتهى قصة الإخوان من حياتى، تلك القصة التى أخذت منى عُمرين، وزمنين، العمر الأول وأنا فيهم، والعمر الثانى وأنا أُحذر الناس منهم، ثم إن هذه القصة أخذتنى من الطريق الذى كنت أحبه، أخذتنى من طريق الله، فقد كنت مثل «ديوجين» الذى حمل مصباحه فى واضحة النهار ليبحث عن الحقيقة، وأنا حملت مصباحى وذهبتُ به إلى معبد الأوثان أبحث عن الله، وياللغرابة لو حملت مصباحى منذ البداية وفتشت فى قلبى لرأيتُ الله.

بناء على دعوة لزيارته حملها لى الصديق الناصرى الأستاذ «مُعتمر أمين» من الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، فكان أن التقينا فى بيته على نيل الدقى قبل وفاته بعامين، وحينما سألنى الأستاذ هيكل فى وجود صديقى «مُعتمر» ونحن نجلس فى شرفة شقته التى تطل على النيل: كيف كنت مع هؤلاء؟! يقصد الإخوان، قلت: كنت فيهم ولم أكن منهم، فالحقيقة أننى لم أشعر فى أى يوم من الأيام بأن هذه الجماعة فى داخلى، لذلك كان الفراق حتميًا، فقال الأستاذ: أنا فى شدة الدهشة من هؤلاء الذين فُتنوا بحسن البنا، فقد جلست معه مرتين واستمعت إليه فى خطبه، وقد كان فى كل هذا شخصية محدودة جدًا، ثم أضاف: «هو عكس الليث بن سعد، فقد كان الليث أفقه الأئمة ولكن أصحابه ضيعوه، وكان حسن البنا أجهل الأئمة ولكن أصحابه قدسوه».. ثم سألنى الأستاذ عن وسائل الإخوان فى تجنيد الأفراد الجدد، ويبدو أننى استحضرت من ذاكرتى ما قاموا به من أجل تجنيدى، فرويت له ما أسعفتنى به البديهة وقتها، ولكننى وأنا أكتب هذه الأوراق أجدنى قد تعمدت أن ألقى الضوء بشكل مكثف على «منطقة التجنيد الإخوانية»، وكيفية اصطياد الشباب الجدد، ولكن يجب أن نعرف أن «لكل وقت أذان». فطريقتهم بالأمس غير طريقتهم فى الوقت الحاضر، وعندما أحلل سر اهتمام الإخوان بى منذ كنت طالبًا جامعيًا، لدرجة أن يهتم التلمسانى بطالب عادى فى كلية الحقوق ليس له أى ذكر، بل كان من أغمار الناس، ووصل الاهتمام به لدرجة أن يجلس معه فى وجود ثلة من القيادات، ثم عندما يغضب هذا «الولد» ويتحول إلى حصان برى فيفر هاربًا منهم، وبعد سنوات من الفرار يلتقى هذا الحصان البرى بالمرشد مرة ثانية فإذا به لا يزال يتذكره، أَمِن المعقول أن يظل هذا الولد فى ذاكرة المرشد عدة سنوات؟! نعم من المعقول لأننا يجب أن نقيس الأمر بوضع الإخوان فى فترة السبعينيات، وقتئذ كانت الجماعة تستهدف طلاب الجامعات وكانت قد استطاعت وضع يدها على طلاب كليات الهندسة والطب، إلا أن طلاب الحقوق والآداب كانوا خارج سيطرتهم، لذلك كان الاهتمام بى بحسب أننى من طلاب الحقوق، وفوق هذا فإن جماعة الإخوان هى جماعة انتقائية، وهى التى تنتقى أفرادها فتعمل على تجنيدهم وترويضهم إخوانيًا، وعندما ظنوا أننى أصبحت تحت السيطرة إذا بهذا «الحصان البرى» يزمجر غضبًا، ثم يصهل فى وجه واحد من أكبر قياداتهم ويولى الفرار، فمسّ هذا الأمر كرامة الجماعة، وظلت قصة الشاب الذى رفض أن يكون «زجاجة زيت» تُحمل وتُنقل بلا خيار لها، موضع التندر بينهم لفترة طويلة، حتى أننى لم ألتق فى الإخوان بمصطفى مشهور إلا مرات معدودة، بل إن عبدالمنعم أبوالفتوح عندما أراد أن يرتب لى لقاء مع مشهور قبل تركى الجماعة قال مشهور لعبدالمنعم: «ثروت عنيف رتّب له اللقاء مع الهضيبى بلاش أنا»، وقد كان.
ومع هذا وذاك فإننى فى مقابلتى الثانية مع التلمسانى عام ١٩٨٣ كنت محاميًا، ويبدو أنه رأى أنى شخصية حركية، وكان وقتها قد بدأ فى ترتيب أمره مع مختار نوح، كى يخوض الانتخابات القادمة لنقابة المحامين، فكان يبحث عن شباب متحركين يحملون رؤى جديدة بحيث يستطيعون مساعدة نوح فى تلك المعركة المصيرية، لذلك أوصانى بملازمة نوح والعمل تنظيميًا معه، وأيضًا كان يعرف من خلال الصياد الإخوانى الذى أوقعنى فى شباكه، أننى أنتمى من ناحية الأب والأم لعائلتين من العائلات الكبيرة فى مركز بلبيس، وفكرة اقتحام العائلات الكبيرة من خلال شبابها كانت من خطط الجماعة للتغلغل فى المجتمع كله، ولذلك كان الشباب فى فترة السبعينيات هم الدماء الجديدة التى سيتم ضخها فى شرايين الجماعة التى جفت، ومن خلالها سيشغل هؤلاء مواقع فى مؤسسات الدولة بعد تخرجهم فى كلياتهم، الأمر الذى سيتيح لهم على المدى الطويل، الوصول إلى مواقع قيادية فى الدولة، لذلك كان التلمسانى يقول للكبار: «الشاب بعشرة من أمثالكم».
وعشت فى الإخوان سنوات، كنت أرى فيها الخيانة والغدر والنفاق والرياء وادعاء التدين والنصب باسم الدين، فكنت ألتمس العذر وأقول لعل النور قد انحسر عن هؤلاء وهؤلاء، لا بد أن يكون النور فى الجانب الأكبر من الجماعة، ولم يكن هناك أى نور، وكنت أقول لعل هؤلاء الفاسدين هم مرضى «المستشفى الإخوانى» الذى حدثنى عنه التلمسانى، وأننى يجب أن أشارك فى إصلاح تلك الجماعة، وأدركت بعد سنوات معنى بيت الشعر: ما يُصلِحُ المِلحَ إذا المِلحُ فسد؟ إذا كان الأساس فاسدًا فكل ما يأتى بعد ذلك فاسد، وحتى لو كان فى الجماعة مُصلحون فسيفسدون، فقد كانت جماعة إفساد، فكرتهم فاسدة تخالف الدين، وحركتهم فاسدة تخالف الوطن، وتأملت قول الله تعالى «إن الله لا يصلح عمل المفسدين»، لذلك لن ينصلح حالهم أبدًا، ولكن هل كان خروجى من جماعتهم سهلًا؟