رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجلس الأعلى للسوشيال ميديا!


لوهلة، قد تعتقد أن المتابع رقم ٥٠٠٠ سيضعك تحت طائلة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. لكنك لو أعدت قراءة المادة ١٩ من مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام ستكتشف أنها تضع المجلس تحت طائلة القانون لو عجز عن فعل ما صار واجبًا عليه فعله، والذي من المؤكد أنه سيعجز عن ذلك.

فات على واضعي القانون أن يضعوا تعريفًا لـ«المتابع»، وتكاد تشك أنهم جميعًا من «زباين» أو سكان كوكب «تويتر» الذي لا يوجد فيه أصدقاء أو معجبون كحسابات «فيسبوك» الشخصية والعامة، وبالتالي يطل هذا السؤال العويص برأسه: هل الخمسة آلاف صديق الذين أتاحهم الأستاذ مارك زوكربيرج لكل حساب شخصي، محسوبين ضمن المتابعين أم أن العد يبدأ حين يتيح المستخدم لغير الأصدقاء إمكانية متابعته؟!. ولعلك تعرف طبعًا أن التدوينات (البوستات) المخصصة للأصدقاء فقط، لا يراها المتابعون. بما يعني أن المجلس لن يلتفت إلى جرائم «أميرة الأحزان» لو لم يكن صديقًا لها، كما أنه لن يتمكن من أداء واجبه الذي نص عليه القانون، لأن صاحبة الحساب ذات الاسم المستعار، نائمة في قصر مرصود، وكلاب تحرسها وجنود، ولن تسمح شركة «فيسبوك» للأستاذ مكرم، لو استمر رئيسًا للمجلس، أن يدنو من سور حديقتها أو يدخل حجرتها أو يحاول فك ضفائرها!.

المادة ١٩ من مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام تحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف والكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية. واستثناء من حكم المادة الأولى من مواد إصدار هذا القانون يلتزم بأحكام هذه المادة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر. ومع عدم الإخلال بالمسئولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة يجب على المجلس الأعلى اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة، وله في سبيل ذلك وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه.

حتى تكتمل الصورة، فإن المادة الأولى من مواد الإصدار تقول «يُعمل بأحكام القانون المرفق في شأن الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وتسري أحكامه على جميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وفقًا لأحكام القانون المرافق، ويُستثنى من ذلك الموقع أو الوسيلة والحساب الإلكتروني الشخصي». وخلاصة ذلك كله هو أن المادة الأولى من مواد الإصدار استثنت شبكات التواصل الاجتماعي، ثم ألغت المادة ١٩ هذا الاستثناء. وقامت بتحميل المجلس الأعلى للإعلام عبئًا لا تستطيع أن تتحمله الجبال.

الالتفات إلى شبكات التواصل الاجتماعي ليس جديدًا، ولعلك تتذكر أن المستشار نبيل صادق، النائب العام، أصدر قرارًا، منذ شهور، بـتكليف المحامين العامين، ورؤساء النيابة العامة، كل في دائرة اختصاصه، بالاستمرار في متابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وضبط ما يبث عنها ويصدر عنها عمدًا من أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة، واتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات جنائية. ولاحظ أن الإسرائيليين يعملون جاهدين على تطوير أدواتهم التكنولوجية، للسيطرة على مناطق لا تستطيع بلوغها أو احتلالها عسكريًا، وللتأثير على شعوب الدول المعادية، ونحن منهم طبعًا. وطبيعي أن يكون للإسرائيليين، كما للأتراك والقطريين والإخوان، كتائب وتابعون ومركوبون، ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعي. الأمر الذي يستوجب رد فعل. لكن يظل سؤال كيف أو «إزاي» هو الأهم: كيف يتم ذلك أو إزاي ده يتعمل؟!.

دراسة أعدتها لجنة الاتصالات في مجلس النواب، نهاية سنة ٢٠١٧، قالت إن عدد مستخدمي «فيسبوك» في مصر بين ٤٥ و٤٨ مليونًا، نصفهم على الأقل يزيد عدد متابعيهم (أصدقاء أو متابعين) على الخمسة آلاف. بما يعني أن المجلس يجب عليه (أي صار ملزمًا، بفتح الزاي) بحكم المادة ١٩ من مشروع القانون أن يراقب أكثر من ٢٠ مليون حساب، حتى يتمكن من «اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة وله في سبيل ذلك وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه». والثابت، علميًا وعمليًا أنه يمكن لأي شخص إنشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتحال شخصية أخرى ببطاقة رقم قومي مزورة وأحد برامج التضليل الإلكتروني، ووقتها لن يتمكن المجلس الأعلى أو العفريت الأزرق من الوصول إليه على الإطلاق.

تتبع الحسابات الوهمية أو ذات الأسماء المستعارة والوصول إلى أصحابها، أو غلقها، كلام غير منطقي وليس له أي أساس علمي. بدليل أن الدول المتقدمة تكنولوجيًا كالولايات المتحدة وبريطانيا، نشف ريقها وهي تطلب بيانات مستخدمين من إدارة «فيسبوك» أو «تويتر»، ولم يحدث أن استجابت الشركتين إلا نادرًا، للدرجة التي دفعت آمبر راد، وزيرة داخلية بريطانيا السابقة، إلى اتهام شركة «فيسبوك» بأنها أعطت الإرهابيين «مكانًا سريًا للاختباء». بعد أن رفضت «فيسبوك»، عقب هجوم وستمنستر، إعطاء جهات إنفاذ القانون حق الوصول إلى رسائل أرسلها خالد مسعود إلى عدة جهات وأشخاص. وفي يونيو الماضي، أي منذ سنة، اقترحت المفوضية الأوروبية منح الشرطة سلطات جديدة للحصول على معلومات من شركات الإنترنت بما فيها «فيسبوك» و«جوجل»، و«تويتر» كجزء من تدابير مكافحة الإرهاب. وفاتت سنة ولم يحدث ذلك!.

حتى لو صار لدينا «فيسبوك» مصري، فإن هناك إجراءات أكثر تعقيدًا من تلك التي سيتبعها المجلس لمعرفة هوية مواطن اتصل تليفونيًا ببرنامج تليفزيوني على الهواء وشتم المذيع أو قال شائعة. وعلى ذكر الـ«فيسبوك» المصري، نشير إلى أن هناك مشروع قانون تقدم به أحد النواب، قد تعتقد أنه يجلس فوق السحاب، بمجرد أن تقرأ المادة الأولى التي تلزم شركات مقدمي خدمات الإنترنت والتابعين لها بـ«إنشاء شبكات للتواصل الاجتماعي داخل جمهورية مصر العربية وذلك بالتنسيق مع الجهاز القومي للاتصالات». وسيتأكد لك أن مشروع القانون «سحابي» فعلًا، حين تراه يحظر إنشاء حسابات على شبكة التواصل الاجتماعي إلا من خلال بطاقة الرقم القومي للمستخدم على ألا تقل سن المستخدم عن ١٨ عامًا. وحتى يكتمل المشهد السحابي وضع مشروع القانون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ٥٠ ألف جنيه ولا تتجاوز ١٠٠ ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بإنشاء حساب وهمي على شبكات التواصل الاجتماعي.

مشروع سحابي أي مكتوب فوق السحاب لأن كثيرين انتابتهم كريزة ضحك على تصريحات المهندس ياسر القاضي، وزير الاتصالات، التي نقلتها صحف ومواقع إلكترونية، بزعم أنه قالها (أو أدلى بها)، خلال ورشة عمل نظمتها وزارة العدل. وهي التصريحات التي قال فيها المهندس القاضي إن مصر تعتزم إطلاق نسختها الخاصة أو المحلية من «فيسبوك»، لأنه «يجب أن تكون لدينا القدرة على حماية بيانات المواطنين لحماية استقرار الدولة». مع كلام كبير عن «خطوات إيجابية وفاعلة» تم اتخاذها «في مجال إنشاء وسائل تواصل مجتمعية مصرية خالصة، على غرار دول كثيرة في العالم»، وعن ضرورة أن «تكون مصر جزءًا من التفاعل الدولي والعالمي في مجالات التواصل الاجتماعي». وكانت صحف ومواقع إلكترونية نقلت هذا الكلام عن وزير الاتصالات، في ١٢ مارس الماضي، قبل أن ينفيه مدير عام العلاقات العامة والإعلام بالوزارة، ويوضح أن الوزارة «لا يمكن أن تقوم بتقليد تطبيق عالمي» وأن الوزير لم يقل غير إن «الشباب المصري قادر على ابتكار برامج لحماية البيانات والمعلومات، وإن لديهم القدرة على التميز».

الآن، نشرت «أميرة الأحزان»، أو صديقتها «حبيبة حمادة» تدوينة ممتلئة بأخبار كاذبة تدعو وتحرض على مخالفة القانون وإلى العنف والكراهية وتنطوي على تمييز بين المواطنين وتدعو إلى العنصرية والتعصب وتتضمن طعنًا في أعراض الأفراد وسبًا وقذفًا لهم وامتهانًا للأديان السماوية وللعقائد الدينية. والتدوينة كما ترى تضم الخلطة كلها التي تضع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تحت طائلة القانون، لو لم يقم بواجبه ويتخذ الإجراء المناسب حيال تلك المخالفة. وقطعًا لن يتخذ أي إجراء إلا لو كان صديقًا لـ«أميرة الأحزان» أو «حبيبة حمادة» وكانت لديه لجان إلكترونية أو «مجلس أعلى للسوشيال ميديا» مهمته عمل حملات بلاغات، إبلاغات، «ريبورتات»، Reports، لإدارة «فيسبوك» ضد الحساب قد تنجح في غلقه وقد لا تنجح.