رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «28»

محمد الباز يكتب: شهادة باحث فرنسى.. هل كان كشك عشوائيًا إلى هذه الدرجة؟

محمد الباز
محمد الباز

- كشك كان يأتى فى خطبته الواحدة على أكثر من موضوع دون أن يكون هناك ترابط بينها
- الشيخ كان لديه نزوع قوى تجاه ذكر الأعضاء التناسلية بشكل مستمر
- كشك مثل سيد قطب يضع علامات على طريق دون أن يشير إلى نهايته
- مبارك سمح له بالكتابة فى الصحف.. وأصبح له عمود منتظم فى «اللواء الإسلامى»


فعليًا لم يكن (جيلز كيبيل) رجل مخابرات فرنسى، دراويش الشيخ كشك هم الذين أطلقوا عليه ذلك، بعد أن أصدر كتابه المهم «النبى والفرعون» الذى يرصد فيه واقع الجماعات الإسلامية وعلاقتها بالسلطة سلبًا وإيجابًا».
«كيبيل» واقعيًا أستاذ علوم سياسية، تخصص فى دراسات الإسلام والعالم العربى، عمل فى معهد الدراسات السياسية بباريس، وكان عضوًا فى معهد فرنسا الجامعى، حصل على اثنتين من شهادات الدكتوراه فى علم الاجتماع السياسى، وإلى جوار دراسته الفلسفة، كان متمكنًا من اللغة العربية.
عمل فى مصر لمدة ثلاث سنوات ما بين «١٩٨٠ - ١٩٨٣» ضمن باحثى المركز المصرى الفرنسى للتعاون العلمى بالقاهرة، وكان نتاج عمله هذا كتابه «النبى والفرعون» الذى صدر بالفرنسية فى عام ١٩٨٤، أى بعد رحيله عن مصر بعام واحد، وهو الكتاب الذى لم يصدر بالعربية إلا بعد ذلك بـ٤ سنوات، حيث صدرت ترجمته عن دار مدبولى فى القاهرة فى عام ١٩٨٨.
تنقلت به الدنيا بعد ذلك، فعمل أستاذًا بجامعة نيويورك فى عام ١٩٩٤، وانتقل منها إلى جامعة كولومبيا فى عام ١٩٩٥، وفى الفترة من ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٠ ترأس قسم التاريخ والعلاقات الدولية فى لندن، وعمل لفترة عضوًا فى المجلس الأعلى لمعهد العالم العربى والمدير الأكاديمى لبرنامج الكويت «IEP»، وخلال رحلته العملية والعلمية، كان يداوم على الكتابة فى صحف «اللوموند، ونيويورك تايمز، ولاريبوليك، والبايس»، كما نشر عدة مقالات فى صحف عربية.
ما الذى جعل دراويش كشك يقولون إنه جاسوس؟
الكلمة التى قالها أحد تلاميذ كشك فى واحد من برامج القنوات السلفية، لم تكن عفو الخاطر، اسمه أحمد عبدالرحمن، كان يتحدث عن كتاب «كيبيل»، وفجأة قال إن الشهادة التى قدمها ضابط المخابرات الفرنسية «جيلز كيبيل» عن الشيخ كشك مهمة جدًا، وبدأ يقرأ بعضًا مما كتبه.
هناك حساسية كبيرة لدى أفراد الجماعات الإسلامية من الكتّاب الغربيين عامة، يعتبرونهم خصومًا وجواسيس بشكل كامل، ولذلك فاتهامهم بأنهم رجال مخابرات هو الاتهام الأقرب والأسهل، لأنهم لا يملكون أفقًا لأن يكون هناك كاتب أو باحث مهتم بشئون الجماعات الإسلامية، يكتب عنهم، دون أن يكون متصلًا بأجهزة المخابرات، ثم إن أحمد عبدالرحمن الموصوف بأنه أحد تلامذة الشيخ كشك، واحد من قيادات جماعة الإخوان الذين لديهم خبرة كبيرة بمعرفة مَنْ هو رجل المخابرات ومَنْ هو غير ذلك.
التهمة لا دليل عليها إذن، وإن كنت أميل أنا إلى أن «جيلز» كان يتمتع بحس رجال المخابرات، فوضعه لكشك بين أقطاب الجماعات الإسلامية، كانت لمحة ذكية جدًا بالنسبة لى، فكل الذين كتبوا عنه أو اعترضوا طريقه، كانوا ينظرون إليه فقط على أنه مجرد داعية يصعد المنبر ليقول ما يعتقد أنه صواب، ويغضون الطرف تمامًا عما يفعله الشيخ ويصب فى صالح الجماعات المتطرفة.
خصص «كيبيل» الفصل السادس من كتابه لظاهرة الشيخ كشك، ولأن الظاهرة لا شىء فيها إلا ما كان يُلقيه من فوق منبره، فسمى الفصل بوضوح «خطب الشيخ كشك»، بدأه بحديث عن طفولة الشيخ تأسيسًا على أن ما جرى له فى بداية حياته مقدمات ستؤدى حتمًا إلى نتائج تتناسب معها.
ليس هذا هو المهم بالنسبة لى، المهم هو وضع كشك فى موضعه المناسب وسياقه الصحيح، يقول فى مبتدأ كلامه: «يشغل كل عنصر من عناصر حركة الإسلاميين مجالًا بعينه من مجالات النشاط، فقد انسحب شكرى مصطفى وجماعته من العالم اليومى ولجأوا إلى عالمهم الخاص، وأصدر الإخوان المسلمون الجدد مجلة أخذوا يشنون منها حملاتهم على أعضاء مجلس الشعب، وأصبح للجماعات الإسلامية جذورها داخل الجامعات، التى سعت لتحويلها إلى قلاع إسلامية».
ولأنه يدرك من البداية مساحة دور كشك بين صفوف هذه الجماعات الإسلامية، يشير إليه بأن حضوره كان طاغيًا، ففى السنوات الأخيرة من حكم السادات، كان من المستحيل السير فى شوارع القاهرة دون سماع صوته الجهورى.
لولا السادات ما كان كشك، والسبب نجده عند «كيبيل».
يقول: «مع ارتقاء السادات السلطة اكتسبت البرامج الدينية فى التليفزيون أهمية كبيرة، حتى إن داعية مثل الشيخ الشعراوى ظهر على شاشات التليفزيون أكثر مما ظهر الرئيس نفسه، حيث تتناول خطبه، التى كانت تتمتع بشعبية كبيرة ويصوغها بمهارة فائقة، بشكل صريح ودون خجل مشاكل الحياة اليومية العامة، وتقدم حلول الإسلاميين لهذه المشاكل، لكن لم تشكل هذه الخطب التليفزيونية على الإطلاق أى تحدٍ لشرعية النظام، بل إن الشيخ الشعراوى نفسه تولى منصب وزير الأوقاف فيما بعد».
أما الشيخ كشك- كما يرى «كيبيل»- فقد كان من ناحية أخرى ظاهرة مثيرة بالنسبة للإسلام المصرى المعاصر، وأكسبته بلاغته وقدرته على التحدث بلغة يفهمها العامة نجاحًا لا يستهان به، لكن ولأنه ذاق طعم المعتقلات الناصرية فى مستهل حياته لم يضع موهبته فى خدمة الحكومة، بل اعتبر نفسه رقيبًا على التجاوزات والمواقف التى تتعارض مع الإسلام من وجهة نظره، سواء كانت هذه التجاوزات أخلاقية أو على مستوى الحياة السياسية والاجتماعية، وقد كان النقد الذى يقدمه كشك يلقى شعبية كاسحة، فهو- أو كما اعتقد المعجبون به- لا يخاف شيئًا ولا يرهب أحدًا، ومن ثم اعتبره البعض «روبين هود» المسلم الذى كان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالنسبة له ليس مسألة مظهر وحسب، بل كان قانونًا للحياة ذاتها، وهذا ما حقق له نجاحًا متزايدًا، كما أن شعبيته التى اكتسحت العالم العربى بأكمله، جعلته بعيدًا عن متناول السلطة، إلا فى فترات الأزمات الحادة، وهى حالة الشهر الذى سبق اغتيال السادات.
يمكن أن نتوقف هنا قليلًا، على الأقل لفض الاشتباك بين الخيوط المعقدة فى ذهن «جيلز كيبيل» عن ظاهرة كشك.
أولًا: كان الكاتب الفرنسى واعيًا عندما وضع كشك وظاهرته وخطبه وحياته ضمن دراسة عن الجماعات الإسلامية التى نمت وترعرعت فى مصر، وكان طبيعيًا أن تنحاز هذه الجماعات للسادات عندما فتح أمامها أبواب العمل والسيطرة على مؤسسات الدولة، فى مقابل مساعدته لمواجهة خصومه، وكان طبيعيًا أكثر أن تلتهم هذه الجماعات السادات، ليس لأنه اختلف معهم، ولكن لأن هذه طبيعة هذه الجماعات، ولو لم يختلف معهم السادات لاخترعوا هم هذا الخلاف.
ثانيًا: مع تقديرى لقدرة «جيلز» على البحث والتحليل والتفسير، إلا أن فهم بعض الظواهر الدعوية فى مصر كان منقوصًا عنده، وإلا لما ذهب إلى أن الشيخ الشعراوى كان نصيرًا للدولة بينما كان الشيخ كشك معارضًا لها، ولو أدرك حقيقة ما يجرى لعرف أن المسألة كانت أدوارًا فقط، كل منهما أدى الدور الذى يتقنه تمامًا، فقد كان كشك هو الآخر مساندًا للسادات فى مشروع مواجهته الناصريين واليساريين، وخدم السادات فى ذلك ربما بأكثر مما فعله معه الشيخ الشعراوى الذى حاول هو الآخر أن يصنع له بعضًا من ألوان البطولة فى مواجهة السادات ورجاله.
حتى الخلاف الشهير الذى نشب بين الشيخين، وكان بسبب السادات، لا يمكن أن نتعامل معه على أنه خلاف حقيقى، بل كان أيضًا من باب تأدية الأدوار التى كانت متقنة للغاية.
كان الشيخ الشعراوى وهو وزير للأوقاف يتحدث فى مجلس الشعب، تحديدًا فى جلسة ٢٠ مارس ١٩٧٨، ومن بين ما قاله عن الرئيس السادات: «والذى نفسى بيده لو كان لى من الأمر شىء لحكمت لهذا الرجل الذى رفعنا تلك الرفعة وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يُسأل عما يفعل؟».
هاجت الدنيا وماجت حول الشيخ الشعراوى، بعض النواب احتدوا عليه، اتهمه بعضهم بأنه يتجاوز فى حق الله، صرخ أحدهم فى وجهه وقال له صراحة إنه بذلك يشرك بالله، ويضع الرئيس فى مكان ومكانة الله الذى قسم لنفسه لأنه هو الذى لا يسأل عما يفعل.
ولأن الشيخ الشعراوى كان متخصصًا فى اللغة خرج من المأزق، عندما قال إنه استخدم «لو» قبل «فعل»، وهو ما يعنى فى اللغة الامتناع عن الامتناع، أى أنه يمتنع أن يضع السادات فى مكان ألا يسأل عما يفعل، لأنه يمتنع على أحد غير الله أن يكون فى هذه المكانة.
لم تدخل هذه الحيلة على منتقدى الشيخ الشعراوى، وكان من بينهم الشيخ كشك، الذى وجه إليه لومًا من على منبره، قائلًا: «ماذا تقول لربك غدًا يا شيخ شعراوى، لما وقفت فى مجلس الشعب وقلت: لو كان بيدى شىء من الأمر لرفعت هذا الحاكم إلى قمة ألا يسأل عما يفعل، من الذى لا يسأل عما يفعل يا شعراوى؟»، وكان طبيعيًا أن تردد الجماهير من خلفه: الله.. الله.. الله.
هل فعل كشك شيئًا غير ذلك، لم يذكر السادات اسمًا كما لم يذكره الشعراوى اسمًا، فلم نكن أمام نموذجين متعارضين، بقدر ما كنا أمام نموذجين متكاملين تمامًا.
ثالثًا: أخطأ «كيبيل» عندما ذهب إلى أن كشك حمته جماهيريته وشعبيته من الاعتقال إلا فى أيام المحن، فعندما اعتقل أول مرة فى عصر عبدالناصر، لم يكن قد وصل إلى حجم الشهرة والجماهيرية التى حصدها فى سنوات السادات الأخيرة، وعندما سيق إلى السجن فى زمن السادات، جرى هذا متأخرًا جدًا، ضمن إجراءات سبتمبر ٨١، وكانت التهمة الموجهة إليه الإضرار بالوحدة الوطنية، فهو لم يكن مناضلًا ولا معارضًا قامت الجماهير الغفيرة بحمايته، وكون سجنه تأخر، فذلك لأنه كان على وفاق تام مع نظام السادات.
يهمنى ما قاله «جيلز كيبيل» عن كشك الخطيب والداعية، فقد وضع يده على ما يمكن أن تكتشفه بسهولة فى أسلوب كشك لو تعاملت معه بموضوعية شديدة، وهو أنه خطيب عشوائى جدًا، يأتى فى خطبته الواحدة على أكثر من موضوع دون أن يكون هناك ترابط بينها، المهم لديه أن يثير انتباه المستمعين له، ولم يكن يفعل ذلك بأساليب عقلية أو منطقية، بل كان يبتز مشاعر مستمعيه حتى يصل بهم إلى حافة ما يريد.
تحدث «كيبيل» عن خطبة واحدة استمع إليها فى ١٠ أبريل ١٩٨١، ملخصًا من خلالها الحالة العشوائية التى كان عليها كشك.
سأترك «جيلز» يتحدث قليلًا.
يقول: «الخطبة لم تستلهم موضوعًا بعينه، حيث لم يحدث شىء خارج عن العادة خلال الأسبوع الأول من شهر أبريل من ذلك العام، وتليت وكأنها خطاب متصل تتخلله مقاطع مرنمة».
ويقول: «كشك مثله مثل أى أزهرى يمكنه التحدث باللغة العربية الفصحى بطلاقة، لكنه كان يعمد أحيانًا لاستخدام الزخارف اللفظية لإحداث تأثير أكبر بين مستمعيه، ورغم أن هذا قد يصدم المحافظين، إلا أنه كان يسعد جمهور الشيخ، إذ إن هذا الأسلوب كما يرى مستمعوه رغم استخدامه لغة القرآن الفصحى إلا أنه يقرب هذه اللغة من أذهانهم».
ويقول: «يعمد كشك فى الدقائق العشر الأخيرة من خطبته إلى استخدام اللهجة القاهرية اليومية، فبعد أن يُغرق مستمعيه فى فيض من لغته الخطابية الطنانة، يتحول فجأة إلى العامية اليومية ليستأثر بكامل انتباههم».
استعرض «جيلز» الخطبة كاملة، ثم يقول: «مهما كان الارتباك الذى يظهر فى هذه الخطبة، إلا أنها ذات تركيبة غير عادية من المعانى التى تجذب المستمعين وتضعهم فى الاتجاه الذى يريده كشك، أما ترجمتها ونقل معانيها فقد لا تنقل سوى تجسيد شاحب لمهارته البلاغية».
مشكلة كشك- كما يرصدها «كيبيل»- هى أنه يتناول معانى النص الذى يؤمن بقدسيته، رغم أن قدسية النص تحجب هذه المعانى، ويفسرها لمستمعيه الذين يعرفون النص كله أو بعضه «أو بحد أدبى يحفظونه سواء فى الكتاب أو فى الدروس الدينية»، ويستمعون إليه عادة كعقيدة جامدة، فجمهور المستمعين يدركون تعاليم القرآن التى تنحصر فى محرمات تقليدية قليلة، لكنهم نادرًا ما يجدون فيها حلولًا لمشاكل الحياة المعاصرة.
يفسر «جيلز» أكثر، ويقول: «إذا كان الداعية يرغب فى إشباع جمهوره من القرآن ومعانيه، فعليه أن يحاول الوصول إلى مستواهم، أى يتكلم لغتهم، وكشك يجيد هذا، ربما إلى الحد الذى ينطبق عليه اتهام منتقديه له بالديماجوجية».
ويلفت «كيبيل» النظر إلى أن الشيخ كشك لديه نزوع قوى تجاه ذكر الأعضاء التناسلية بشكل مستمر، ربما لأن الإسلام يتناول الجنس بشكل صريح، لأنه ورغم أن الزنا جريمة مرفوضة تمامًا إلا أن الجنس الحلال «داخل حدود الزواج» يعتبر امتيازًا، ليس فقط لأنه تكاثر للنوع، بل أيضًا لأنه مصدر للمتعة «للرجل على كل حال».
ما سر نجاح كشك طبقًا لما يراه الباحث الفرنسى؟
يقول «كيبيل»: «يجب علينا أن نفهم أولًا وقبل أى شىء أن نجاح صيغة كشك فى الخطابة، هو نتيجة مباشرة لقدرته على التحدث إلى مستمعيه من العرب المسلمين الذين يستمعون إليه بشكل دائم، ويديرون أشرطة التسجيل التى تحتوى على خطبه بشكل يومى، فهو يتكلم لغتهم ويستخدم تعبيرات خطابهم الدفين».
مرة أخرى يمسك «جيلز» كشك من الشريان الذى يربط بينه وبين الجماعات الإسلامية المتطرفة، يقول: «تيمات كشك هى التيمات الشائعة فى حركة الإسلاميين، والتى غالبًا ما كان يعرضها أفراد لم يتلقوا على الإطلاق ذلك التعليم الأزهرى التقليدى، مثل البنا وقطب، وبدرجة أقل شباب الجماعات الإسلامية أو شكرى مصطفى، لكن أصالته وتأثيره داخل حركة الإسلاميين ينبعان من إنكاره شرعية النظام الإسلامية بصفته شيخًا من الشيوخ، أى بصفته عضوًا فى هيئة العلماء».
هناك ما هو أهم فى الحقيقة.
يختم «كيبيل» فصله عن كشك بقوله: «إن كشك مثله مثل سيد قطب، يضع علامات على طريق دون أن يشير إلى نهايته».
هل تريدون أن تعرفوا لماذا قال ذلك؟
ليس علينا إلا أن نعود للوراء قليلًا عابرين على سطور الفصل السادس من الكتاب، يقول «كيبيل»: «رغم تقديم نجم الدعوة الإسلامية تحليلًا صارمًا للدولة المستقلة، واصمًا إياها بأقسى النعوت، إلا أننا نجده أقل فصاحة عندما تطرح خطة عمل الإطاحة بالدولة وبناء مجتمع مسلم مكانها، فخطبه تقود فى النهاية إلى نفس الموقف، حتى على الرغم من تحذيره مستمعيه من أهواء المفكرين المراهقين، دون أن يذكر لهم الطريق الذى يراه صحيحًا».
ليس فى هذا الكلام غموض، الغموض كان عند الشيخ كشك، وأعتقد أن «جيلز» لم يفضه بشكل واضح، ولذلك قد يكون مناسبًا أن نؤكد أن أهداف كشك لم تختلف فى قليل أو كثير عن أهداف الجماعات الإسلامية، لكن الخلاف فقط كان فى الأسلوب الذى يتم من خلاله تنفيذ هذه الأهداف.
لقد عاب كشك على بعض شباب الجماعات الإسلامية سلوكهم، ليس لأنه يرفض العنف أو يقر به، ولكن لأنه كان ينحاز إلى أن العنف يمكن أن يجهز على هذه الجماعات وينهى وجودها تمامًا، فقد حمل على معتنقى فكرة العنف ومن يروجون لها.
قد تكون مفاجأة لكم إذا قلت إن كشك الذى كان واحدًا من رجال السادات، كان أيضًا واحدًا من رجال مبارك، أو على الأقل لم يحتج على ما فعله مبارك، وقد يكون حمل له أنه أخرجه من السجن.
هل فيما قاله «جيلز كيبيل» شىء يدعم ذلك؟
اقرأ ما قاله الكاتب الفرنسى لتعرف، يقول: «أُفرج عن الشيخ كشك فى ٢٧ يناير ١٩٨٢، ومنذ ذلك الوقت سمح له النظام الجديد بالكتابة فى الصحف، وأصبح له عمود منتظم فى الصحيفة الأسبوعية الجماهيرية (اللواء الإسلامى)، وفى اللقاءات الصحفية العديدة التى أجريت معه بعد إطلاق سراحه كان يدين التطرف».
لم يكن الشيخ كشك قويًا بنفسه إذن، كان كذلك لأن السياق العام الذى عمل به خلال السادات سمح له بذلك، أما فى عصر مبارك فقد ارتضى بما اختاروه له، فدخل فى مساحة باهتة جدًا، وكان طبيعيًا أن يحدث له ذلك؟ لكن كيف حدث؟ فهذا موضوع آخر.