رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوى.. الدخول إلى عالم "الإخوان" رسميًا

جريدة الدستور

- أول نقيب إخوانى عاصرته كان ضابطًا فى القوات المسلحة
- «الإخوان» تستغل التأثير النفسى فى استقطاب العناصر

عندما ننظر إلى القمر فى ليلة اكتماله فإن نوره سيستلب عيوننا ويخطف أفئدتنا إلا أننا لن ندرك تحت وطأة هذا النور أن القمر ما هو إلا جسم معتم شديد الظلام والوحشة كثير الصخور والحفر، وقد عَرَفت البشرية حقيقة القمر بعد آلاف السنين التى كانوا يعشقون فيها القمر أحيانًا ويقدسونه أحيانًا ويعبدونه أحيانًا أخرى، بل إن الله سبحانه قال عن سيدنا إبراهيم فى رحلته للبحث عن الله «فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّى» ولم يكفر إبراهيم بالقمر إلا عندما غاب نوره عنه إذ يقول الله «فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ».

حينما عرفت البشرية «التلسكوبات» وخرج إلى الوجود العالم الإيطالى «جاليليو» كان اكتشافه الكونى الأعظم هو أن الأرض هى مجرد كوكب من كواكب المجموعة الشمسية، وأنها ليست مركز الكون ولكنها تدور حول الشمس، ثم وصل من خلال التلسكوب إلى أن القمر ما هو إلا مجرد جسم مستدير معتم به العديد من الجبال، وأنه مجرد مرآة فقط تعكس ضوء الشمس فيظهر أمام أعيننا نور، ولكن جاليليو لم يسلم من الأذى فقد حوكم واتُهم بالهرطقة من أجل اكتشافاته.
هكذا هى جماعة الإخوان، جماعة قمرية، تنظر إليها من بعيد فتراها منيرة، وقد تكتب الأشعار عنها، وتؤلف القصص والروايات عن مشاعرك التى انساحت كانسياح الصباح من فرط التأثر بنورها، وقد تظل عمرك على هذه الحال، ولكنك عندما تهبط على أرضها ستقع على بقعة ليس فيها نور، فتظن أن النور قد انحسر عن هذه البقعة فقط، فتظل على سذاجتك وتغفيلك تبحث عن النور فى مواضع القمر الإخوانى المختلفة فلا تراه، وقتئذ إما أن تأبى الاعتراف أمام نفسك بأنك كنت أبلهًا فتظل تضلل الدنيا وتحكى للناس عن نور الإخوان وأنت تعرف أن لا نور لهم، أو أن تخرج من كوكبهم صامتًا لا تنبس بحقيقة، أو تخرج مندهشًا وأنت تقول: «ليس فيها نور» فيتهمك بعضهم بالهرطقة، ويتهمك البعض الآخر بالكذب، ويقول المغفلون من الناس: لقد كان بينه وبين نور الإخوان ضغينة، أما الجهلاء الذين عرفوا حقيقة النور الوهمى للإخوان من خلالك فسيقولون: لا تصدقوه إنه ينكر نور الإخوان لأنه يعمل لمصلحتهم، ثم عليك أن تضحك بعد أن تسمع هذا كله.
لا شك أن طريقة مقابلة المرشد عمر التلمسانى لى وأنا فى معية أستاذى محمد علوان تركت أثرًا كبيرًا فى نفسى، ويعرف المقربون منى أننى عندما تباغتنى مفاجأة مذهلة أو محزنة أو حتى مفرحة تنتابنى قشعريرة تقودنى بعد ذلك إلى الفراش وقد ارتفعت حرارتى، وتظل الحرارة مرتفعة يومًا ثم تهدأ بعد ذلك، ولا أعرف السبب الطبى لهذه الحالة ولكن هذا هو الذى حدث لى عندما قال التلمسانى: عُد حُبًا وكرامة لمن قَبَّل يدك، ظللت يومًا فى الفراش مرتعشًا محمومًا بلا سبب طبى ثم تعافيت فى اليوم التالى، وبعد ذلك بدأ إبراهيم جمعة أبودراهم فى تنفيذ وصية التلمسانى فتقابلنا مع مختار نوح الذى كان يكبرنا بأربع سنوات، وكان اللقاء على سطح بيته فى شارع المسيرى بالزيتون، وكان نوح وقتئذ يهتم بتربية الدجاج، فكانت الأفراخ والكتاكيت تتقافز من حولنا، وكانت الجلسة عبارة عن خاطرة دينية قال فيها نوح: إن الله يفتح أبواب الرحمة لعباده فكلنا فى رحمة الله، حتى الكافر يمكن أن ينال من رحمة الله فالأمر متعلق بمشيئته لا بمشيئتنا، وكان درس الرحمة هذا من الدروس التى لا أنساها أبدًا وما زالت منقوشة فى ذاكرتى بالحرف الواحد حتى الآن، وقد حببنى هذا الدرس فى نوح وأعطانى انطباعًا خاطئًا بأن ما عليه نوح هو ما عليه تلك الجماعة.
وبدأت رحلتى فى البحث عن نور الإخوان، فذهبت مع إبراهيم جمعة إلى معسكر إخوانى فى إحدى العزب التابعة لأنشاص التفتيش اسمها عزبة «دوَّار الجبل» وقد كانت عزبة دوار الجبل ذات مكانة كبيرة فى نفسى منذ زمن، فقد ولدتُ وعشتُ فى «أنشاص التفتيش» فترة من حياتى إلى أن انتقلنا وأنا فى الصف الأول الإعدادى إلى القاهرة، وقد كان لى فى هذه العزبة الكثير من ذكريات الطفولة، وفيها كان يسكن أحد أقرب أصدقاء الطفولة وهو «محمد جمعة عبدالعزيز الشيخ» الذى أصبح فى مستقبل الأيام أحد أكبر أساتذة اللغة العربية فى مركز بلبيس كله، إلا أن القائمين على المعسكر حذرونى من الاتصال به فترة المعسكر، وفى هذا المعسكر تقابلت مع مجموعة من أصدقاء الطفولة كانوا معى فى مدرسة «البساتين» الابتدائية، ويبدو أن إدارة هذا المعسكر كانت تعرف الكثير عنى وعن أصدقاء طفولتى، وكان إدخالى هذا المعسكر من وسائل التأثير النفسى والهيمنة العاطفية على مشاعرى، وانطلقت من هذا المعسكر بعد ذلك إلى عالم الإخوان بشكل تنظيمى، وقد كانت أولى الفعاليات هى أن أصبحت عضوًا فى إدارة معركة انتخابات البرلمان عام ١٩٨٤ عن دائرة بلبيس التى تحالف فيها الإخوان مع الوفد، ولكننى كنت مُختارًا من قبل الوفد بحسب أن علوان كان مرشحًا فى القائمة المطلقة عن بلبيس، ولكننى كنت أعمل مع الوفد وقلبى مع الإخوان.
وبعد عامين تم تسكينى إخوانيًا بشكل تنظيمى فى حى الزيتون ليكون أول نقيب إخوانى لى هو ضابط من ضباط القوات المسلحة، وبدأت فى سداد الاشتراك الشهرى.