رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيخ الأزهر: لا توجد آية واحدة فى القرآن تدعو إلى قتل اليهود والنصارى

جريدة الدستور

- رأى أن الجرأة على مقدسات الآخرين من أقوى أسباب الإرهاب.. وحذر من تشويه كتاب الله
- ليس فى القرآن مكان للقسوة والوحشية والقتال فى الإسلام لرد العدوان
- القرآن يتعرض لحملات مضللة من أقلام مسلمة مؤمنة بالمذاهب الأدبية النقدية فى الغرب


قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، إن القرآن نزل فى ليلة القدر، ليعلن احترام الإنسان، ويؤكد تكريمه وتفضيله على سائر المخلوقات، ويفتح أمامه آفاق العلم، وأبواب المعرفة، بلا حدود، ويدفعه دفعًا للتفكير والنظر، والبحث بعدما حرر عقله من أغلال الجهل والجمود والاتباع الأعمى بغير حجة ولا دليل.
وأضاف الطيب، خلال احتفال وزارة الأوقاف بليلة القدر بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن القرآن الكريم جاء بفلسفة جديدة للحكم تقوم على العدل والمساواة والشورى ومنع الاستبداد، مشيرًا إلى أن القرآن جاء أيضًا بأمهات الفضائل وجوامع الأخلاق والآداب وقرر المسئولية الفردية ومسئولية المجتمع كذلك.
وأشار إلى أن القرآن أعلن تحرير المرأة، وأعاد لها ما صادرته عليها أنظمة المجتمعات فى ذلك الوقت من حقوق لا يتسع المقام لتعدادها وبيانها.
وأكد أن التعدد والاختلاف بين عقائد الناس وألوانهم ولغاتهم، كان وسيلة لتعارفهم واجتماعهم وتعاونهم، لافتًا إلى أن هناك الكثير مما نزل به القرآن الكريم فى شئون المجتمعات وفى العلاقات الدولية، وأمر العقوبات، وفى الأسرة، بخلاف ما يتعلق بالعقيدة والعبادة والمعاملات بتنوعاتها والغيبيات والدار الآخرة.
وقال شيخ الأزهر، إن ليلة القدر هى ليلة قدر خير من ألف شهر، ولا خلاف أن القرآن نزل فى ليلة القدر التى تُعد إحدى ليالى شهر رمضان الكريم، وهذا ما اتفق عليه العلماء لاخلاف بينهم فيه ولا جدال.
وأضاف أن الدرس الذى يجب أن يستخلصه المسلم فى ذكرى هذه الليلة هو نزول القرآن فى هذه الليلة فرقانًا بين الحق والباطل، وتمييزًا للخير من الشر وبيانًا للمباح والمحظور، وبداية لعهد جديد أصبح الإنسان فيه خليفة عن الله تعالى فى عمارة الكون وتسخيره، ومسئولًا مسئولية كاملة عن السير على منهج الله من أجل إقامة العدل والحكم بالحق، وتطبيق المساواة بين الناس ودفع البغى، والعدوان والظلم والتظالم بينهم، مشيرًا إلى أن هذه هى أبرز القيم التى يرتفع بها مجتمع أو يهبط دونها مجتمع آخر فى منطق القرآن وفلسفة الإسلام.
وأكد أن هذا القرآن هو الكتاب الإلهى الذى شكل حصن الأمة وكان وسيظل درعها الواقية، وسياجها الفولاذى الذى حماها على طول تاريخها من السقوط والانسحاق والذوبان، موضحًا أن أعتى حضارتين عرفهما التاريخ فى عصر ظهور الإسلام وهما الحضارة الفارسية والبيزنطية أو دولة الأكاسرة فى الشرق ودولة القياصرة فى الغرب، كانتا حديث الدنيا قوة وصراعًا واستعمارًا للأرض، ولم تكن تتحسبان لأى خطر يأتيهما إلا من خطر إحداهما على الأخرى غير أن ما حدث لهاتين الدولتين يومئذ كان من أعجب العجب.
وأشار إلى أن الخطر جاءهما من قلب الجزيرة العربية ومن جيش مجهول قليل العدد ضعيف العتاد ثقيل السلاح، ولم تمض بضع سنين حتى هُزمت الدولتان أمام هذا الجيش، وأصبحتا أثرًا بعد عين، بينما بقيت حضارة المسلمين تتحدى الزمن وتراهن على البقاء والتشبث بالوجود رغم تلاحق الضربات وملاحقات التمزيق والتفريق وطمس الهُوية، وإثارة الفتن وإشعال الحروب، لافتًا إلى أنه قيل الكثير فى تعليل انهيار القوتين العظميين، وانتصار الإسلام وانتشاره فى الأرض غربًا وشرقًا حتى ساد العالم كله، ولم يمض على ظهوره ثمانون عامًا. ولفت إلى أن السبب الحقيقى الذى حرص أعداء الإسلام على إخفائه واستبعاده هو هذا القرآن الكريم الذى كان بأيدى هذه القلة الضعيفة، يعرضون قيمه وأخلاقه على الناس فيسارعون إليه فرارًا من الظلم والعبودية، والتمييز والطبقية والعنصرية، وغير ذلك من أمراض الدول العظمى فى ذلك الوقت.
وقال الطيب، إنه رغم أن القرآن قد أقر سنة التفاوت بين الناس فى العلم والخلق والرزق والمعيشة، فإنه هدم العصبية، وأتى على بنيانها الجاهلى من القواعد، فساوى بين الناس ولم يفرق بين إنسان وإنسان ولا بين جنس وجنس ولا بين أمة وأمة إلا بالعمل الصالح.
وأضاف أن القرآن الكريم تعرض على مدى ١٤ قرنًا لحملات التشويه والازدراء وتنفير الناس منه، ولا يزال يتعرض لهذه الحملات المضللة فى عصرنا هذا، ومن أقلام ينتمى أصحابها إلى الإسلام ممن يؤمنون بالمذاهب الأدبية النقدية فى الغرب، وخاصة ما يسمى بالحداثة وما بعد الحداثة.
وأشار إلى أن تلك المذاهب تقوم فى صورتها الأخيرة على قواعد صنعوها ومسلمات اخترعوها اختراعًا مثل إلغاء كل حقيقة دينية فوقية والتمسك بالأنسنة أو الذاتية الإنسانية كمصدر أوحد للمعرفة أيًا كان نوعها، وأن الإنسان وحده قادر على أن يمتلك الحقيقة بعلمه المحدود وأهوائه وشهواته، وهو وحده معيار الحق والباطل والخير والشر ومقياس كل حقيقة.
ولفت إلى أن من مسلمات هذا المذهب أيضًا التقاطع مع الدين ومع التراث، ونزع القداسة، وتفكيك المقدس، وموت مؤلف النص، وتعدد القراءات بتعدد القراء.
وقال شيخ الأزهر، إن آخر ما حملته إلينا الأنباء ونحن نحتفل بنزول القرآن الكريم من ثمرات الحداثة المرة البيان الذى صدر بعنوان «المسيرة البيضاء فى الغرب الأوروبى» بعد مقتل سيدة فرنسية يهودية مسنة تبلغ من العمر ٨٥ عامًا فى شقتها، مبينًا أنه على الرغم مما فى البيان من إشارات سلبية واضحة للإسلام والمسلمين يمكن التغاضى عنها من كثرة ما ترددت على مسامعنا إلا أن الذى لا يمكن التغاضى عنه هو عبارة تطالب السلطات الدينية الإسلامية بأن تعلن أن آيات القرآن التى تدعو إلى قتل اليهود والمسيحيين وغير المؤمنين ومعاقبتهم «قد عفا عليها الزمان».
وأضاف أنه «كما كان حال التناقضات فى الإنجيل ومعاداة السامية التى تتبناها الكنيسة الكاثوليكية من قبل المجلس الفاتيكانى الثانى بحيث لا يستطيع أى مؤمن الاستناد إلى نص مقدس لارتكاب الجريمة».
وقال شيخ الأزهر، إن «هذه الجرأة على مقدسات الآخرين هى من أقوى أسباب الإرهاب وأشدها وأكبر مشجع على إهدار دماء الآمنين، ويحزننى كثيرًا ألا ينتبه قائلو هذا الكلام إلى كم الحقد والكراهية الذى يتركه كلامهم فى قلوب أكثر من مليار ونصف المليار ممن يقدسون هذا الكتاب».
وتابع: «لقد رجعنا إلى مضابط الفاتيكان فلم نجد حذفًا ولا تجميدًا لأى حرف من الكتاب المقدس، وما وجدناه هو أن المجمع الفاتيكانى وإن كان يقر بأن بعض اليهود من ذوى السلطان وأتباعهم هم المسئولون عن قتل المسيح، إلا أن المجمع يرى أن ما اقترفته هذه الأيدى الآثمة لا يمكن أن ينسب لكل اليهود فى عصر المسيح عليه السلام ولا فى عصرنا الحاضر، ثم يطالب المجمع سائر الكنائس بأن تراعى هذه الروح وهى تعلم الإنجيل».
وشدد على أنه «ما نقوله إزاء هذا البيان هو أنه لا توجد آية واحدة فى القرآن الكريم تدعو إلى قتل اليهود والنصارى وليس فى هذا الكتاب مكان لمثل هذه القسوة والوحشية، وما ورد فى القرآن من آيات تدعو إلى القتال فإنما ورد فى شأن العدوان ووجوب التصدى للمعتدى ومقاتلته حتى لو جاء هذا العدوان من بعض المسلمين.. بسم الله الرحمن الرحيم « فقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ».