رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل شىء أو لا شىء.. ماذا سيفعل ترامب وكيم في "قمة كابيلا"؟

جريدة الدستور

تتجه أنظار شعوب العالم، غدا، إلى دولة سنغافورة فى جنوب شرق آسيا، حيث يعقد اللقاء التاريخى الذى يجمع بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون، لأول مرة.

ومن المقرر أن يشتمل جدول الأعمال على مسألتى نزع السلاح النووى، ووضع نهاية رسمية للحرب الكورية المستمرة منذ خمسينيات القرن الماضى.

وفى إطار اللقاء المرتقب، ينشغل المحللون والسياسيون حول العالم برصد السيناريوهات المحتملة لسير القمة، فى إطار الطبيعة الانفعالية للزعيمين، ومدى قدرتهما على التوصل إلى تسويات حقيقية للأوضاع فى شبه الجزيرة الكورية، واحتواء الرعب النووى الذى مثلته بيونج يانج فى الأعوام الماضية.

كما يترقب الجميع احتمالات نجاح سيد الصفقات الأمريكى فى إقناع زعيم الرعب الكورى الشمالى، بالتخلى عن ترسانته النووية، والدور الذى يمكن أن تلعبه دولتا كوريا الجنوبية والصين، باعتبارهما طرفين معنيين بكل ما ستسفر عنه هذه القمة من قرارات مهمة حال نجاحها، أو تداعيات سلبية فى حال فشلها.

كوريا الشمالية تطالب بإلغاء الوجود العسكرى الأمريكى فى الجنوب
تمثل القمة أهمية كبيرة بالنسبة للزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون، الذى يرى أن برنامج بلاده النووى يمثل سيفا قويا ومظلة تدافع بها بيونج يانج عن مفهومها الخاص لنزع السلاح النووى فى شبه الجزيرة الكورية، وهو مفهوم يختلف كثيرا عما تريده الولايات المتحدة.
ففى ذروة الحرب الباردة فى ستينات القرن الماضى، نشرت الولايات المتحدة أسلحة نووية استراتيجية فى كوريا الجنوبية، وهى أسلحة ظلت باقية بشكل رسمى فى البلاد حتى عام ١٩٩٢، وفقا لتقارير منشورة فى صحيفة «ذا دبلوماتيك» المتخصصة فى السياسة الدولية.
ووفقا لذلك، تعتبر كوريا الشمالية أن الوجود الأمريكى فى شبه الجزيرة يمثل تهديدًا نوويًا خطيرًا عليها، نظرًا لمخزون واشنطن الضخم من الأسلحة النووية، وقدرتها على استخدام القوة فى جميع أنحاء العالم، خاصة أنها تمتلك عددا من الصواريخ والقدرات الجوية والبحرية النووية بعيدة المدى.
ولهذا السبب وضعت كوريا الشمالية فى ٢٠١٦ شروطًا أساسية مقابل الموافقة على إيقاف برنامجها النووى تتمثل فى أن توافق واشنطن وسول على السماح بالتحقق من إزالة جميع الأسلحة النووية المرابطة سابقًا فى كوريا الجنوبية، مع تعهد واشنطن بعدم نشر أى أسلحة نووية فى شبه الجزيرة الكورية، وعدم استخدامها لتهديد بيونج يانج أو مهاجمتها بأى شكل.
وعليه، فإن الحجة الرئيسية التى تكررها بيونج يانج، كما يرى المحلل أولى تيرى، فى تقريره بصحيفة «ذى دبلوماتيك»، هى: «كيف يمكن أن نتخلى عن ضماناتنا للأمن النووى، عندما يكون لدى جيراننا أو أعدائنا فى الجنوب ضمانات أمنية نووية أمريكية تحميهم؟». ومن هذا المنظور، يعتقد كثير من المحللين أن الموقف الأكثر ترجيحا لـ«كيم»، هو أن توافق كوريا الشمالية على تجميد تطوير الأسلحة واختبارات الصواريخ، وربما وضع حد لتطوير ترسانتها النووية مقابل تخفيف العقوبات، وتخفيض أو تجميد التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
من الجهة الأخرى، لا يبدو مثل هذا المقترح مقبولا من الولايات المتحدة، فهو مسار غير جذاب لواشنطن، التى لا ترغب فى التخلى عن ميزتها الاستراتيجية، المتمثلة فى التواجد العسكرى الدائم فى شبه الجزيرة الكورية.
وفى إطار هذا الخلاف، لا يبدو أن كيم لا يمكنه الحديث عن التفكيك، أو بحث التخلى عن برنامجه النووى بشكل كامل، إلا فى حال أبدت الولايات المتحدة استعداداتها لسحب قواتها من كوريا الجنوبية، وإنهاء التحالف الأمنى مع سيول و«المظلة النووية» التى توفرها لها.
ووفقًا لصحيفة «ذا دبلوماتيك»، فإن الحل الأكثر منطقية قد يكون طرح فكرة الموافقة على إنشاء «منطقة خالية من الأسلحة النووية»، وهى النقطة التى سبق أن طرحها الزعيم الكورى الشمالى السابق، كيم إيل سونج فى التسعينات، بما يعنى أن تتوقف الدول الكبرى عن نشر الأسلحة النووية فى ساحات المنازل، على حد تعبيره.
وعلى الصعيد الدولى، تعد هذه الفكرة أكثر قابلية للتنفيذ، لاتفاقها مع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وقرارات الأمم المتحدة، والتفاهمات الدولية حول إزالة خطر هذا النوع من الأسلحة، والسعى لتكوين مناطق خالية منه فى أمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا والشرق الأوسط.

تخلى بيونج يانج عن ترسانتها النووية كاملة مستبعد والتخفيض التدريجى مقابل رفع العقوبات السيناريو الأرجح
وفقًا لخبراء يترقب الجميع حدوث أى من السيناريوهات الأربعة المتوقعة للقاء، بكل ما يعنيه كل منها من تداعيات.
ويتمثل السيناريو الأول والأكثر ترجيحا فى أن يوافق كل من ترامب وكيم على إطار واسع لعقد صفقة نووية، على أن يسمحا لمساعديهما بوضع التفاصيل بعد ذلك، على مدى زمنى أطول.
أما السيناريو الثانى، فيتضمن أن يوافق الزعيمان على تسوية تتضمن تقديم تنازلات كبيرة من الطرفين، مثل تخفيض كوريا الشمالية حجم ترسانتها النووية، مقابل إزالة الولايات المتحدة قواتها المتواجدة فى كوريا الجنوبية بالتزامن، مع استبعاد الحديث حول تفكيك برنامج بيونج يانج النووى بأكمله، وهو ما قد يحقق فوزا دبلوماسيا للطرفين. ويقضى السيناريو الثالث والأكثر استبعادا، أن ينجح الرئيس الأمريكى فى إقناع الزعيم الكورى الشمالى بتفكيك برنامجه النووى بالكامل، مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. أما السيناريو الرابع، فيمثل الوضع الأكثر خطرا على الاستقرار العالمى، وهو أن تفشل القمة، وتنتهى دون أن يتفق ترامب وكيم على أى شىء، وهو ما من شأنه أن يؤدى إلى نتيجة مخيفة، ويضيع من فرص حل الأزمة النووية الكورية دبلوماسيًا. ويرى محللون أن القمة إذا فشلت، فإن كوريا الجنوبية ستكون معنية بشكل كبير بتجديد جهودها الدبلوماسية لاستعادة الاستقرار فى شبه الجزيرة الكورية، والحفاظ على ضبط النفس مع الجار الشمالى، الذى قد يسعى إلى تصعيد الصراع العسكرى من جديد، ويفتح الباب أمام دخول الصين كدولة موازية أمام التواجد الأمريكى فى المنطقة.
ويعتقد عدد من الخبراء أن الاختلاف حول مصطلح ومعنى «نزع الأسلحة النووية» من المرجح أن يعقد المحادثات بين الزعيمين بشكل كبير، لأنه قد يكون لكلمة «نزع السلاح النووى» دلالات مختلفة بالنسبة لواشنطن وبيونج يانج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن واشنطن لا تريد من بيونج يانج سوى تفكيك كامل وشامل لترسانتها ولكل المرافق اللازمة لإعادة بناء الأسلحة النووية، مع ضمانات بعدم تنشيط المرافق الموجودة بعد تفكيكها، على أن يحدث ذلك بشكل يمكن التحقق منه. كما تتوقع واشنطن أنه فى حال الاتفاق على نزع السلاح النووى الكامل، أن تقوم بيونج يانج بالسماح للهيئات الدولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) بإجراء عمليات تفتيش منتظمة لمتابعة برنامجها النووى بشكل دائم، وهو ما لن توافق عليه كوريا الشمالية.

الزعيم الكورى يسعى للتحول إلى «رجل دولة» والرئيس الأمريكى يحاول إثبات نجاحه
فى هذه القمة المرتقبة، يريد الزعيم الكورى الشمالى تحقيق ما لم يتمكن أبوه وجده من تحقيقه، وهو اللقاء مع رئيس أمريكى، بما يعزز من شرعيته فى الداخل ويسمح له بتحقيق التنمية الاقتصادية التى تحتاجها بلاده. وفقا لذلك، تحول رجل الرعب الكورى الشمالى، بشكل دراماتيكى، من شخصية رجل قوى غاضب يستخدم لغة الخطابة النارية المتزامنة مع تقدم نووى مطرد، إلى رجل دولة شعبى متحضر يبحث عن تفاهمات مع الجنوب وتحسين صورة بلاده بعد إرساله وفدًا خاصًا إلى الألعاب الأوليمبية ثم لقاء الرئيس الكورى الجنوبى على حدود البلدين. وتبدت هذه الرغبة فى موقف الزعيم الكورى، ورسالته التى ساهمت فى إعادة التقارب، بعدما أعلن الرئيس الأمريكى مؤخرا، عن انسحابه بشكل جذرى من القمة.
ويرى الخبير جان لى، من مركز «ويلسون» الأمريكى للدراسات، أن عقد قمة مع رئيس الولايات المتحدة هو أمر تطمح إليه العديد من الدول، ويمثل أهمية كبيرة لكوريا الشمالية، التى تعد بلدا صغيرا لا يزال فى حالة حرب، من الناحية الفنية، مع الولايات المتحدة، لذا فإن وصول زعيمه للجلوس مع رئيس أمريكى، يعد انتصارا كبيرا لنظامه. وبالنسبة لترامب، يرى محللون أنه يحاول تصوير نفسه باعتباره الشخص الوحيد الذى يمكنه إحراز تقدم تجاه التهديد الكورى الشمالى، فهو رجل الأعمال والتاجر الذى لم يتخل أبدًا عن «فن الصفقة».
ونظرا لخبرته فى هذا المجال، تمكن ترامب من تصوير اندفاع كوريا الشمالية لإقناعه بالبقاء فى المحادثات، باعتباره نصرا لإدارته، كما استغل ذلك لوضع شروط على المحادثات، وقدرة على فتح المجال أمام الحديث عن مطالبة كوريا الشمالية بالتخلى الكامل عن أسلحتها النووية بشكل تدريجى، وهو ما لم يكن مطروحا من قبل. وحقق الرئيس الأمريكى بالفعل نقطتى فوز، تتمثلان فى ترحيبه بـ٣ معتقلين أمريكيين لدى إطلاق سراحهم من كوريا الشمالية، وتدمير بيونج يانج موقع التجارب النووية الوحيد لها، وهو ما منحه الرضا الشعبى على آلية تعامله مع هذا الملف، وفقا لاستطلاعات الرأى.

سول أكثر المترقبين.. دور غامض لـ«بكين».. وتفاؤل دولى باللقاء
أما عن الدول المعنية بالأزمة، وعلى رأسها كوريا الجنوبية والصين، فإن مون جاى إن، الرئيس الكورى الجنوبى الحالى يحاول منذ ٢٠٠٧ وأثناء شغله منصب كبير مساعدى الرئيس الراحل روه مو هيون، أن يجمع الرئيس الأمريكى مع زعيم كوريا الشمالية ويكافح من أجل ذلك منذ زمن ليكون إرثه الخاص. وخلال حملته الانتخابية، وعد مون جاى بأن تؤدى كوريا الجنوبية دور الوسيط بين الطرفين، وسعى لإرضاء كل من واشنطن وبيونج يانج، كما استخدم أكثر من مرة أسلوب الإطراء، فطالب بترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، كما أبدى إعجابه وتفاؤله وكال المديح بـ«كيم»، منذ لقائه الأول به فى أكثر من مناسبة.
أما عن الصين، الجار الأكبر لكوريا الشمالية، فإن دور زعيمها شى جين بينج فى المشهد الحالى، يظل غامضًا، فلطالما ضغطت الصين-الحليف الوحيد لنظام بيونج يانج - للحوار مع واشنطن، وعندما خرج كيم لأول مرة من عزلته الدولية، كان ذلك لعقد اجتماع سرى فى بكين، وهو ما تكرر بعدها بفترة وجيزة، دون الإعلان عن تفاصيل اللقاءين. ويقول يون سون، مدير برنامج الصين فى مركز ستيمسون الأمريكى للدراسات، إن بكين ترغب فى عقد هذه القمة، لكنها لا تريد كذلك أن تستثنى من المحادثات، لذا فإن جدول أعمالها غير معروف، فى ظل علاقاتها المعقدة مع الجانبين. كما جاءت ردود الأفعال الدولية على فكرة عقد القمة متفائلة بشكل كبير، فمنها ما قاله وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، بـ«أنها خطوة فى الاتجاه الصحيح بدلًا من النيران والغضب»، كما أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن رأيها فى المحادثات، بأنها ترى فيها «بريق الأمل» فى سبيل حل أزمة الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، مضيفة: «سيكون من المدهش أن يحدث انفراج». فيما علق وزير الشئون الخارجية الأسترالى جولى بيشوب بقوله: «قمة ترامب - كيم هى حل دبلوماسى قاس، قد يؤدى إلى التزامات ملموسة لإتمام نزع السلاح النووى، ويجب تحقيقه من أجل السلام العالمى، لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، حتى لو كانت هذه العملية الدبلوماسية طويلة ومعقدة».

سنغافورة تغلق مجالها الجوى 4 أيام خوفًا من الإرهاب.. والاستعانة برجال من الهيمالايا لتأمين محيط الاجتماع
من المقرر أن تنعقد قمة «ترامب - كيم» فى فندق «كابيلا»، ذى الخمس نجوم، فى جزيرة «سينتوسا»، التى يوجد بها مقر السفارة الأمريكية بسنغافورة، ويحتوى الفندق الذى صممه المهندس المعمارى البريطانى الشهير «نورمان فوستر»، على ١١١ غرفة، مستعدة لاستقبال الضيوف، بالإضافة إلى مبنى رئاسى.
وترجع أسباب اختيار هذا الفندق إلى كونه جديدا على الساحة السياسية، فهو لم يستضف أى اجتماعات رفيعة المستوى من قبل، على عكس فندق «شانجريلا»، الذى كان مقررا أن يستضيف القمة فى البداية، لذا يبدو هذا المكان مناسبا أكثر لهذا النوع من القمم، التى يمكن أن تؤثر فى التاريخ. واجتمعت وفود الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ٤ مرات الأسبوع الماضى، فى فندق «كابيلا»، من أجل التخطيط للقمة، وذكرت بعض المصادر الدبلوماسية أنه من المرجح أن يقيم كل من ترامب وكيم فى فندقين مختلفين، بعيدا عن الفندق المرتقب إقامة اللقاء به. ويشهد مقر القمة ترتيبات أمنية مشددة، تشتمل على عمليات تفتيش مفاجئة على الحقائب، والتفتيش الذاتى، وفرض القيود على دخول السيارات وحركة المشاة، كما يتم حظر وضع الأعلام واللافتات، وحمل المواد القابلة للاشتعال.
وحول الإجراءات الأمنية، قال المحلل السنغافورى محمد فايزال عبدالرحمن، الباحث فى شئون الأمن الوطنى، إن موقع فندق «كابيلا» المنفصل عن البر الرئيسى للبلاد، قد يكون بمثابة جدار افتراضى، لمنع التهديدات الأمنية من الاقتراب من مكان عقد القمة.
وأضاف: السلطات ذهبت إلى أبعد مدى، لتوفير أعلى مستوى ممكن من الأمن، كما وفرت الحماية للمكان عن طريق رجال ينتمون إلى واحدة من أعنف قبائل المحاربين فى العالم، وهم رجال قبيلة «جوركا» من دولة «نيبال».
وحسب المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، فإن رجال قبيلة «جوركا»، يتسمون بتقاليد عريقة، منذ زمن الإمبراطورية البريطانية، ويعدون من فرق النخبة فى دولة «نيبال» الواقعة فى منطقة جبال الهيمالايا، على الحدود الهندية الصينية، منذ أكثر من ٢٠٠ عام، لذا يخدم منهم ١٨٠٠ فرد فى قوات الشرطة بسنغافورة، وينتمون إلى ٦ شركات أمنية. وقررت دولة سنغافورة، حظر استخدام مجالها الجوى بالكامل، طوال فترة انعقاد القمة، حسبما جاء فى إخطار نشرته منظمة الطيران المدنى الدولى (ICAO) وإدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA).