رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هشام أباظة.. الجهادي الذي لا يطيق مفارقة السجون

جريدة الدستور

فجأة وأنا فى عنبر التحقيقات بسجن مزرعة طرة، دخل علينا فى صلاة العصر، شاب فى مقتبل العمر اسمه هشام أباظة. هشام كان منضمًا لمجموعة مختلفة.. كانوا متأثرين بالثورة الإيرانية، يرون أن الثورة الشعبية هى الحل للوصول للسلطة، ولما دخل هذا الشاب، أصبح هو أميرالعنبر، ومن هنا عرفت أن له قدرًا كبيرًا داخل هذه المجموعة الجهادية.
هشام أباظة، الذى كان دائمًا ما يتفاخر أنه من عائلة وزير الكهرباء والطاقة الأسبق، ماهر أباظة، شارك فى أحداث ٨١، وأفرج عنه بعد ٣ أعوام قضاها فى ليمان طرة، وخرج بعدها ليستمر على نفس الطريق، وفى هذه الأثناء التى التقيته فيها، كان مقبوضًا عليه فى مظاهرات حول سليمان خاطر، داخل الجامعة.
سافر أباظة إلى أفغانستان، وعاد بعد سنوات طوال، ليقضى باقى الفترة فى السجون، حتى التقيته للمرة الثانية بالقاهرة.
حدثنى أباظة عما يسمى بالمراجعات الفكرية، وقال لى إن الأفكار لم تتغير مطلقا لأننا نعتبرها أحكامًا شرعية سارية ليوم القيامة، لكن الجهاديون خارجون من السجون بعد سنوات طويلة، والقتال والعمل المسلح لا يقدرون عليه، لكنهم لا يستطيعون أن يسقطوا حكمًا شرعيًا، وأنهم لو تمكنوا من التغيير بالقوة، لفعلوا، لكن ليس هناك إمكانية الآن، كما أن قتال الحكام الكفرة يجوز بل يجب أحيانًا.
أباظة أكد لى أنهم اختلفوا داخل السجون حول هذه التطبيقات، وحول الاستراتيجيات الجديدة لكنهم فى النهاية كلهم يؤمنون بأنه لا يمكن أن ينتهى الجهاد، بل يحفزون القاعدة، رغم أنه أوضح لى- فى هذه الفترة التى التقيته فيها- أن العلاقات مع الظواهرى راكدة فى انتظار ما ستسفر عنه الأحوال.
غير هشام أباظة بعض قناعاته واتجه عقب ٢٥ يناير إلى إنشاء حزب سياسى، وكان معه أسامة قاسم، نائب الظواهرى، الذى قتل فى سوريا مؤخرًا، وكمال حبيب، والتقيته مرة أخرى فحكى لى ما حصل، مشيرًا إلى أنه أيد عزل كمال حبيب من قيادة الحزب، وبالفعل التقيت حبيب الذى أكد لى أنها تجربة ومرت، وأنه أخطأ فى هذا الاختيار، وأنه كان يريد أن يجمعهم فى حزب يمارس العمل السياسى، وأنه لن يعود لذلك مرة أخرى.
كان أباظة ورفاقه فى هذه الأوقات قد أعلنوا عن تأسيس «حزب السلامة والتنمية» ولما اختلفوا معًا حول القيادة، أسسوا الحزب الإسلامى، ليكون أمينه العام مجدى سالم، أحد المحكوم عليهم سابقًا فى قضية تنظيم طلائع الفتح الجهادى، والهارب الآن لتركيا.
ودعا الحزب الإسلامى، ساعتها، لطرح اتفاقية كامب ديفيد للاستفتاء الشعبى، وذلك لتحديد الموقف المصرى منها، كما طالب بضرورة الوقف الفورى لتصدير الغاز لإسرائيل، وتفعيل دور مجلس الشعب مع تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية.
وأرجع المؤسسون اختيار اسم الحزب إلى قناعة القائمين عليه أن مصر أوشكت على الاقتراب من عبور المرحلة الانتقالية بسلام، وأنها تحتاج إلى حزب إسلامى يقودها.
فجأة انقلب أتباع هذا الحزب عقب سقوط الإخوان وعادوا لعاداتهم القديمة وفلسفتهم الجهادية، إذ وقفوا فى ميدان رابعة والنهضة يعلنون الجهاد على الدولة، ويدعون لما يسمى بالثورة الإسلامية.
التقيت أباظة بعدها وسرنا طريقنا مشيًا حتى محطة مترو الجيزة، فقال لى إنه كان فى محافظة الشرقية يحاول مساعدة جماعة الإخوان لإنجاح تجربتهم فى الحكم، وتوجد مجموعات لا علاقة لها بالتنظيم، تنادى بالفكرة، والمنحنى الجهادى بعد الثورة ينزل ويختلف، لأننا ننتظر ونقف كى نبلور سلوك الحاكم، ونعرف ما هو سلوكه الجديد، وهل يتوافق مع الإسلام أم لا، وأنهم لو رجعوا لحمل السلاح فذلك يرجع إلى الحاكم، وبسبب الارتباك فى تفسير حالة الحاكم، ستتكرر نفس الأمور، ونختلف ونفترق ونصبح أكثر من جماعة وتنظيم، فيحدث النزاع بيننا، فواحد يفسر الجهاد على الحاكمية، وآخر يفسره على الحدود، وآخر على سيطرة الحاكم من أول وهلة وتغييره ما هو مخالف مثل الكازينوهات، وساعتها يحكم على الحاكم، ونفترق، وهذا حدث معنا، ويقع الآن.
لم ألتق هشام ولا مرة بعدها، فقد سقط الإخوان، واندلعت أحداث العنف، وألقى القبض على أباظة، ليستمر فى نفس تجربته، ما بين التنظيمات والسجون.