رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. التلمساني لـ"فؤاد سراج الدين": يمكن أن نتقاسم حكم مصر إذا تحالفنا

جريدة الدستور

- التلمسانى: «الإخوان» ليست مدرسة للمتفوقين والنابهين لكنها مستشفى للمرضى
- عمر التلمسانى طلب منى بعد عودتى إلى «الإخوان» توثيق صلتى بـ«مختار نوح»


خذ من هذه الحلقات فقرات واجعلها تحت الفحص والدراسة الاجتماعية، فابحث مثلا عن متى دخل لقب «الحاج» بهذا الاقتحام إلى حياتنا ليكون لقبا لأفرادٍ من شريحة اجتماعية لم يحصلوا على شهادات جامعية، أو وظيفة من الوظائف العليا، ولماذا بالذات أصبح لقب «الحاج» المرتبط بالدين هو لقب هؤلاء الأفراد بدلا من المِعلم والأسطى والأفندى؟!، ومن خلال تلك الدراسة قد نفهم كيف تغلغل مشروع الإسلام السياسى حتى أصبح متحكما فى مفاصل المجتمع كله.
ابحث معى عن موائد الطعام فى مجتمعنا ودورها الكبير فى إبرام الصفقات السياسية وتجنيد الأفراد فى جماعات التطرف، ولنبحث معا عن الوسائل الدينية لجماعات التطرف فى تجنيد الشباب الجدد وكيفية التأثير على نفوسهم وإخضاعهم للسيطرة التامة ووسائلهم فى البرمجة الذهنية، واللعب عاطفيا على فكرة الاضطهاد والمظلومية، ورغم أننى لم أضع فى حلقاتى هذه تلك الأمور للدراسة الاجتماعية والنفسية إلا أننى أشرت إليها فقط ولكنها جديرة بالبحث المتعمق.
نعود إلى ما انتهينا إليه فى الحلقة السابقة حينما نظر لى عمر التلمسانى وهو يتفحصنى ثم قال: هُوَّ أنا شفتك قبل كده؟.
أسرع الأستاذ علوان قائلا: الأستاذ ثروت الخرباوى هو أحد المحامين بمكتبى ويمت لى بصلات قرابة.
قاطعه التلمسانى موجها كلامه لى: بس أنا شفتك قبل كده!.
قلت: أنا كنت على صلة بعمى الحاج سعد لاشين وسبق أن التقيت من خلاله بفضيلتك منذ أربع سنوات تقريبا حينما كنت طالبا فى الحقوق.
قال: ومَن كان معنا؟
قلت: الجلسة كان فيها الشيخ عبدالبديع صقر، وعمى الأستاذ محمد هلال، وفضيلة الشيخ مصطفى مشهور.
ضحك المرشد وهو يقول: فضيلة مين يا بنى، الفضيلة للرسول فقط، ألسنا ندعو الله ونقول: اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة.
أومأت برأسى بالإيجاب فقال: يبأه خلاص، أنا ما بحبش حد يقولى يا فضيلة المرشد، ثم إن عمك مصطفى مشهور لا هو شيخ ولا له فى المشيخة، هو رجل مثابر وقوى لكنه ليس شيخًا.
ثم استرسل: وبعدين إيه حكايتكم، هما انتوا كنتوا عاملين تجمع للشراقوة، عبدالبديع صقر شرقاوى وكذلك سعد لاشين ومصطفى مشهور، ثم أنت، ألست شرقاويا؟.
قلت: وهو حضرتك عرفت منين إنى شرقاوى؟
رد: ألم يقل الأستاذ محمد علوان إنك قريبه، تبأه شرقاوى زيه.
وانقطع الكلام بيننا عندما دخل الأستاذ محمد المسمارى للحجرة، وكان الأستاذ المسمارى عضوا بمجلس نقابة المحامين وكان من قيادات الإخوان فضلا عن صداقته الوطيدة بالأستاذ علوان، وكان دائم الزيارة له فى المكتب فكنت ألتقى به كثيرا، ودار بيننا العديد من الحوارات عن الإخوان، ودار الحديث بينهم عن التحالفات التى من الممكن أن تتم مستقبلا بين الإخوان وحزب الوفد، وطلب المرشد من الأستاذ محمد علوان إخبار فؤاد باشا سراج الدين بأن الإخوان على استعداد تام لإنكار ذواتهم فى سبيل تدعيم العمل الحزبى والديمقراطى، واستطرد بأنه يعانى مما يعانى منه الباشا، ففى الداخل الإخوانى يرفض الكثيرون من القيادات إجراء أى تحالف مع الوفد، وأنه يعلم أن داخل الوفد عشرات الأشخاص يرفضون وضع يدهم فى يد الإخوان، ثم قال: لو عقل هؤلاء وأولئك لعلموا أننا من الممكن أن نتقاسم حكم مصر فى بضع سنين.
وفى نهاية الجلسة وبعد أن أوشكنا على الانصراف وسبقنى الأستاذ محمد علوان فى الخروج، قال المرشد لى بصوت مسموع: يا أخ ثروت، إبأه تعالى حبا وكرامة لمن قبَّل يدك!.
أخذتنى المفاجأة، إذن المرشد يتذكرنى، كان هذا الأمر مذهلا لى ولعب على وتر هام فى عاطفتى، فأن أظل فى ذاكرة رجل بهذه الأهمية، وبهذا القدر من المشغوليات لهو من أكثر الأشياء تأثيرا فى نفسية شاب صغير يخطو خطواته الأولى فى حياته العملية، ذلك الشاب الصغير يشعر الآن بأهميته، ذلك الشاب يكاد يمسك النجوم بيديه فرحا وتيها.
وفى سيارة الأستاذ علوان سألنى: من هو الذى قبَّل يدك؟
فقصصت عليه القصة كلها، فضحك وهو يقول: على فكرة التلمسانى لم يُقبِّل يدك إلا كما يقبل الجد يد حفيده، ألا ترى الجد وهو يُقبل يد حفيده، هذا أمرٌ آخر غير تقبيل الإخوان ليد مرشدهم، ثم ختم كلامه وهو يضحك قائلا: يعنى بالعربى إنت بالنسبة لهم كنت عيِّل يا ثروت.
لم يترك كلام الأستاذ علوان أثرا فى نفسيتى، فقد كنت أحلق فى دنيا أخرى، وكان أن عدتُ للإخوان مرة أخرى، وكانت البداية يوم أن ذهبت لمقر «الدعوة» وطلبت مقابلة المرشد، وقابلته وتحدثت عن سبب انقطاعى عن الجماعة هذه السنوات، وقلت له بكل صراحة عن الذى ساءنى وأغضبنى من مصطفى مشهور وعبدالبديع صقر فقال لى: على فكرة يجب أن تعرف أن جماعة الإخوان ليست مدرسة للمتفوقين والنابهين، ولكنها مستشفى للمرضى، وستجد فى تلك الجماعة آلاف المرضى الذين أصيبوا بأمراض لا عد لها ولا حصر، ولدينا نقص كبير فى الأطباء، فإذا أردت أن تدخل وتأخذ دورتك التدريبية ثم تصبح طبيبا يعالج هؤلاء المرضى فهيا بنا، ضع يدك فى يدنا، وقبلت العرض. وفى يوم آخر جاء لى صديقى «إبراهيم جمعة أبودراهم» وأخبرنى بأن المرشد يريدنى، وذهبت إليه مع إبراهيم، وفى جلسة ضمت ثلاثتنا طلب المرشد من إبراهيم أن يوثق صلتى بمختار نوح، وقال لى: لن أطمئن عليك إلا من خلال نوح فكن معه فهو من الراشدين فى تلك الجماعة، وتوثقت صلتى بنوح، ودخلت دورة إخوانية كان لها قصة.