رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدي عبد الرحيم: تراجع الحريات وراء أزمة الصحافة.. تمنيت محاورة كشك.. والخال سحرني بـ"الإمام" (حوار)

حمدي عبد الرحيم خلال
حمدي عبد الرحيم خلال حواره مع الدستور - عدسة: أحمد الصياد

حين تجلس أمامه وهو مُستغرق في حديثه، تجد نفسك واقعًا بين يدي صنايعي ذاب عشقًا في رحاب صاحبة الجلالة، خاض في تفاصيلها ويعلم جزءًا كبير من دقائقها، لذا تجده فرحًا فخورًا حين يعرّف نفسه بأنه واحد من الذين صانوا أقلامهم وحفظوا كلماتهم، فلم يك يومًا من المتورطين في البهتان على قارئه؛ لأنه، وبحسب وصفه، يعتبره دومًا «سيده وتاج رأسه».

الكاتب الصحفي والرّوائي حمدي عبد الرحيم، التقته «الدستور» في حوار خاص، سرد فيه كواليس رحلته منذ أيام الدّيسك والميكروباص، وصولًا إلي منصبه الحالي بالعمل مدير تحرير لصحيفة «صوت الأمة»، كاشفًا عن رأيه في حال الصحافة والإعلام ورؤيته لمستقبله، وغير ذلك من الأمور، وإلى نص الحوار:




◘ بداية.. لماذا اختار حمدي عبدالرحيم أن يكون طريق الكتابة والصحافة سبيله نحو المجد والثروة؟

○ بدا من بريق عينيه وكأنما السؤال قد ألهب حماسه: «اتخاذي طريق الكتابة سبيلًا نابع من نشأتي في بيت ريفي يقدّس الكتاب ويعشق القلم، ففي ذلك الزمن البعيد نسبيًا من القرن الماضي، كان والدي يمتلك مكتبة حيث كان شخص نهم للقراءة ومتلهّف للمعرفة اضف إلى ذلك إخوتي كانوا قُرّاء جيدين وحرضوني على القراءة منذ الصغر، عندما دفعوا إلىَّ بالعديد من المجلات لتصفحها، لعلها تشغلني عن البكاء، وهو ما كان سببي نحو جنوحي وجنوني بالقلم والكتاب منذ طفولتي وإلى الآن.

◘ طالما أنك اخترت أن تكون كاتبًا.. لماذا اخترت أن تطل على القارئ من باب الصحافة؟

○ الكتابة كانت همّي الأول، لكن يقيني كان مؤمنًا بأنه لا يوجد في مصر مشروع كاتب، دون أن يبدأ أو يمر من باب صاحبة الجلالة، لذا امتهنت الصحافة أملًا في أن أكون كاتبًا، وهو دفعني ذلك للخوض في تفاصيل الكتابة الصحفية استخرج تفاصيلها وأتعلم من دقائقها، بالفعل نجحت تلك في أن تُثري تجربتي بشكل كبير، وأسهمت في تعريفي على مواقف وأحداث لم أكن لأعلمها لولا خوضي في دهاليز عالم الصحافة الممتع والشيق جدًا.

◘ كيف نجحت صاحبة الجلالة في استفزازك للدرجة التي دفعتك لأن تخوض في تفاصيلها وعوالمها الخفية؟

○ منذ يومي الأولي بها وهبت نفسي للبحث عما يشغل الناس، وجاءت البداية من عند رجل نجح في أن يشغل جيلي والأجيال اللاحقة لنا بأكملها خلال فترة الثمانيات، وكان قد برع في تقديم أعمال عن الثقافة الجنسية صاغها في شكل روايات تارة وأعمال أخرى قام بتمصيرها تارة أخرى، وبلغت عدد تلك المؤلفات 200 عمل.

هذا الرجل اسمه خليل حنا تادرس بحثت عنه كثيرًا فلم أجده، حتى ظننت أنه شخص هُلامي غير موجود، إلى أن تمكنت من العثور عليه أخيرًا، وأجريت معه حوارًا صحفيًا أحدث حالة حينها.

دفعني الحوار دفعًا نحو البحث عن أحاديث صحفية أخرى مع العديد من الشخصيات المثيرة للجدل وقتها مثل رجل يدعي محمود عبد الرازق عفيفي كان يقدم نفسه في وسائل الإعلام باعتباره أديب للشباب، للدرجة التي جعلت الفنان فؤاد المهندس لمهاجمته في برامجه الإذاعية، إضافة إلى ذلك فأنني قمت بعمل مقابلة مع الشيخ كشك وبالفعل التقيته ودارت بيننا أحاديث كثيرة، لكنه لم يأذن لي بنشرها.

◘ من أي منبر صحفي بدأ حمدي عبد الرحيم رحلته مع صاحبة الجلالة؟

○ البداية كانت بالعمل في صحيفة «صوت العرب»، ومن بعدها انتقلت للعمل في صحيفة «مصر الفتاة» وكان يزاملني وقتها كلًا من عماد الدين حسين وعادل السنهوري وخالد صلاح وغيرهم، وكانت أول تجربة صحفية تُنشر فيها أعمالي الصحفية.

لكن يبقي الميلاد الحقيقي بالفعل لاسم حمدي عبد الرحيم كان سنة 1994، وقت أن كنت أعمل في جريدة «الأحرار»، بفعل مبادرة الكاتب الصحفي مصطفي بكري بمنحي عمود للكتابة، وكانت البداية موضوعي حول مذبحة صربيا، وكانت تلك القصة سببًا في إعطائي درسًا هو الأكبر والأعظم طوال مشوار حياتي.
◘ ما هي التفاصيل الخاصة بتلك القصة التي منحتك درس حياتك؟

○ عندما وقعت مذبحة في صربيًا، وقتها ألقى في يدي مصطفي بكري نسخة من مجلة فرنسية، كانت قد نشرت صورة لفتاة مسلمة تم اغتصابها من أحد المعتدين، لكنها بعد ذلك نجحت في قتله قبل أن تقوم بعدها بقتل نفسها، وكان ذلك كل المعلومات التي ساقتها المجلة في تقريرها.

وقتها طلب مني بكري كتابة قصة كاملة عن ذلك الموضوع، وطلب مني أن أتخيّل نفسي وكأنني في مكان تلك الفتاة، وبالفعل وفقت في صياغة صفحة كاملة كتبتها من وجهة نظري، وبعد أن تم نشرها كان ما كان بعدما حدث ما لم أكن أتوقعه.

◘ كيف صارت الأحداث لاحقًا بالطريقة التي تم تتخيلها؟

○ بعد فترة من نشر الموضوع وجدت الزميل إيهاب الزلاقي، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس التحرير التنفيذي لـ«المصري اليوم»، يُخبرني بأن أحد أئمة قريته اتخذ من القصة موضوعًا لخطبة الجمعة، وقام بقراءة الصفحة كاملة على أعين المصلين، وسط بكاء حار من جانبه هو ومن كان موجودًا حينها بالمسجد.

وقتها أيقنت بأن كل كلمة لها قارئها، وأنها لا بدّ من أن تضعه في حسبانك وهو ما جعلني لاحقًا في كل كتاباتي أبحث عن إمتاعه لا الكذب عليه وخديعته بأفكار وأحاديث إفك، فالقارئ بالنسبة للكاتب «سيده وتاج رأسه».

◘ ما هي التفاصيل الخاصة في العلاقة التي تجمع بينك وبين الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي الذي لم يؤسس تجربة صحفية إلا وأنت شريكًا أو ضيفًا على صفحاتها؟

○ منذ أن كنا طلابًا في الجامعة وكان علاقة خاصة وكيمياء متبادلة بيني وبين إبراهيم عيسي، فقد اجتمعنا على حب محمود درويش وعشق روايات نجيب محفوظ، ووجدنا في أنفسنا الكثير من المشتركات، وهو ما جعلنا مقترنين في أحايين كثيرة في الحياة.

بخصوص الاقتراب بيني وبينه في العمل الصحفي، فـ«عيسي» موهوب لدرجة المقامرة، وعندما يخسر لا يبكي، وفي كل التجارب التي أسسها كان موقنًا بأن الصحافة فعل الشباب، بل لا أبالغ بأنه كان موقنًا بأن الفنون كلها حالة شبابية، لذا كان حريصًا دومًا على أن أكون من ضمن فريقه.

◘ بالرغم من كُون حمدي عبد الرحيم وإبراهيم عيسي خرجا من معين فكري واحد.. لكن نلحظ في كتابتك تباينًا كبير في المواقف.

- تلك النقطة التي أثرتها في سؤالك أمر يُظهر بالفعل معدن إبراهيم عيسي الصحفي، فطيلة فترة العمل معه، لم يكن يتدخل فيما نكتبه إلا بهدف التجويد أو لأجل المحاذير القانونية.

في بعض الأحيان كنت أطالبه بمراجعة بعض الموضوعات التي تحمل اختلافًا كبيرًا في وجهة النظر التي يتبناها، فكانت إجابته على طلبي لا أقرأ إلاّ مع القارئ، هذا رأيك وأنت مسئول عنه، فهو من المؤمنين بفقه الاختلاف والفروق الفردية، وكان دائمًا ما يردد قوله: «دماغي لن تكون نسخة منكم، فلكل واحد طريقة تفكيره».
◘ ولماذا قررت بعد ذلك فراق إبراهيم عيسي بعدما وقررت العمل مع الراحل صلاح عيسي؟

○ أنا لم أفارق إبراهيم عيسي، فالقصة تكمن في أن تجربة صحيفة «الدستور» الأولى كانت قصيرة العمر كالزهور، فالجريدة تجاوزت الخطوط الحمراء، وهو ما دفع النظام حينها لإجهاض ذلك الحلم، وكان لذلك بالغ السبب في تشتيت شلل وجماعات، حيث اتجه كلا واحد من أبناء جيلي في زاوية بحثًا عن «لقمة العيش».

وأذكر أنه خلال تلك الفترة عانينا من البطالة لمدة 10 شهور، قبل أن يجمعنا الكبيرين لويس جريس وعلي بدرخان على مائدة الإعداد التليفزيوني، بالعمل في أحد مكاتب القنوات العربية بالقاهرة، ونجحوا في أن يفتحوا لنا رؤية ثانية لمرحلة خصبة وثرية إلى أن طلبني الراحل صلاح عيسي لأجل العمل معه في جريدة «القاهرة».

◘ ما الذي دفعك للانخراط في عالم الصحافة الثقافية ومخاصمة صحافة الخبر اليومية بما تحمله من اشتباك وإثارة؟

○ ذات يوم وجدت الراحل الكبير صلاح عيسي يحدثني: «هنعمل جورنال اسمه القاهرة أنا رئيس تحرير وأنت مدير تحرير؛ وأنت مسئول عن تشكيل الفريق المعاون»، وأمام تلك الثقة وافقت على العمل.

وخلال 3 سنوات قضيتها هناك نجحت في تكوين وجهة نظر حقيقية، وخرجت من تلك التجربة وأنا اعتبر نفسي قادرًا على العمل في أي مكان، باستثناء أن يكون مكان صهيوني، أو أن يكون بصحبة أشخاص أو جماعات لا تريد من الوطن إلا مصالحها مثل الإخوان، لأنني لا أكتب إلا ابتغاء وجه الله والوطن، ودائما ما أقول مصر «زي أمي بجد»، وتلك حقيقة مؤكدة وليس كلامًا للاستهلاك.

◘ هل سطّر قلمك ذات يوم كلمات لم يكن مؤمنًا بها؟

- لم أكتب أي كلمة غير مقتنع بها في كل التجارب التي عملت فيها، لإيماني بأن ما ينفع الناس يمكُث في الأرض، بالرغم من أنني أحيانا قد خاض قلمي في قضايا، واكتشفت بعدها بأنني كنت مخطئا في وجهة نظري تجاهها، مثلما حدث في واقعة طعن أديب نوبل نجيب محفوظ.

◘ قبل أن نغلق الحديث عن عالم الصحافة.. نسأل مَن يتأمل في مسيرتك يجد لك كتابات تُغرد عكس تيار الصحيفة التي تعمل بها.. تعقيبك؟

- مثلما ذكرت لك سابقًا قلمي يمتلك القدرة على العمل في أي مكان، حتي وإن كان هناك تباينًا بين أفكاري والقضايا التي تنتهجها الجريدة، فأنا كاتب مسئول فقط عما أوقع عليه، مثلما الحال مع الفنان مسئول عن فنه فقط.

وطالما لم يُمل علىّ ما أكتبه ولا أقوله، فلا يوجد لدي مانع في العمل في أي صحيفة، وطيلة مسيرتي لم أتعرض لهذا، ولن أسمح بحدوثه.
◘ حمدي عبد الرحيم.. ما سر تلقيبك بـ«الخال»؟

- تلك مداعبة أطلقها علىّ الزملاء والأصدقاء باعتبار أن هذا اللقب من أكثر المسميات تداولًا عندنا في الصعيد.

◘ وما سر الارتباط الشديد بين الخال الأصغر حمدي عبد الرحيم والخال الأكبر عبد الرحمن الأبنودي؟

- ارتباطي بالخال الأبنودي قصة تستطيع أن تنسج من وحيها حلقات لا تكفيها صفحات؛ لكنها باختصار بدأت منذ أن تم عرض السيرة الهلالية على إذاعة الشعب سابقًا، الشباب والرياضة حاليًا، التي كانت محور اهتمام العائلة بشكل كبير، إضافة إلى أنها نجحت في جذب اهتمام أهل القرية؛ للدرجة جعلت شوارع القرية كانت تخلو من المارة وقت إذاعتها.

ومن فرط اهتمام عائلتي بأشعار الأبنودي، خُيل إلىّ وكأنني تجمعني بهذا المبدع الراحل صلة قرابة وكنت أنظر إليه باعتباره أحد أفراد العائلة، وظللت تلك الفكرة مسيطرة على مُخيلتي، إلى أن بدأ الارتباط والمعرفة الحقيقية بيني وبينه سنة 1990.

ومنذ قدومي إلي القاهرة في 1982 كنت كما المريد في حضرة الأبنودي أذهب وراءه أينما حل أو ارتحل في أي مكان، إلي أن أطلق قصيدته الإمام التي كتبها حبًا في الشاعر الراحل فؤاد حداد، وهي من أروع ما كتب، ونجح في أن يسترد من خلالها جمهوره.

وبعد أن فرغ من ندوته، طلبني وسألني من أكون، وبعد أن استمع مني توطدت العلاقة بيننا لدرجة جعلتني أشعر وكأنني أحد أفراد عائلته، بالرغم ما شهدته تلك العلاقة من منحنيات وصعود وهبوط.

◘ وما هي العلاقة التي جمعت بين الشيخ أبو فهر وحمدي عبد الرحيم؟

- الشيخ محمود محمد شاكر الشهير بـ«أبو فهر»، بدأت معرفتي به عندما سمعت من عائلاتي عنه، واقتصرت علاقتي بمؤلفاته بأنه هو الذي سطر بقلمه كتاب المتنبي، وذات مرة وقع في يدي كتاب «على هامش الغفران» للدكتور لويس عوض، الذي كان يتناول من خلاله أبو العلاء المعري.

وقتها نصحني أحد أساتذتي بقراءة كتاب للدكتور شاكر، لأجد نفسي أمام صفحات تُقيم الحياة الثقافية في مصر بشكل تاريخي، وهو ما دفعني للنهل من بقية مؤلفاته، وعندما قرأت كتابه «رسالة في الطريق إلي ثقافتنا»، وجدت نفسي أمام كتاب غير مسبوق على الإطلاق.

وهذا الرجل الفريد في علمه قولًا وعملًا نجح في أن ينال الجوائز المصرية والعربية؛ غير أنه لم ينل حظه من الشهرة، وقد جربت محاورته غير أن القدر لم يأذن لي بمحاورته، وأتمنى أن يسلط الضوء على الميراث الثري لتلك القيمة الفريدة والنادرة.

◘ برأيك.. لماذا تراجعت القوي الناعمة لمصر على مستوي الكتاب والمفكرين؟

لا يخلو أي جيل من الرواد، لكنهم قد يقلوا أو يكثروا بمقدار الحرية، والسوق الآن مغلق لظرفية تاريخية، عندما نتجاوزها ستجد لدينا فؤاد حداد وصلاح جاهين ومن على شاكلتهم؛ فالحرية المسئولة تُبرز دائما فصولًا متجددة من المبدعين، باعتبارها تُتيح الفعل ولا تقيده، وهذا التراجع الحادث الآن على مستوي الصحافة والكتابة عائد إلي تراجع الحريات.
◘ بصراحة.. لماذا أنت مُقل بشكل ملحوظ في إصدارتك الأدبية والروائية؟

- لأنني من الذين يعشقون الكتابة ويخشون النشر، لهذا تجدني مُقلًا في إصدارتي الأدبية والروائية، وكان ذلك سببًا في أن يكون أول عمل لي صادرًا بعد الأربعين، وبشكل شخصي أجد نفسي فخورًا بمؤلفاتي الخمسة؛ فكل ما يشغلني دومًا هو كتابة عمل أرضي عنه أخلاقيا وأدبيًا، لا أخدع أو أكذب من خلاله على القارئ.

◘ أخيرًا.. هل أنت متفائل بشأن مستقبل الصحافة والثقافة في مصر؟

- بالطبع متفائل، فهناك بقعة ضوء أراها نابعة من إيماني بخصائص هذه الشعب العريق في المقاومة، فالمتأمل لتاريخ تلك الأمة، يجد أن المحن التي واجهته لو تعرض إليها شعب آخر، لتحول إلي رماد تذروه الريح، لكن روعة الشعب المصري تمكن دائما في قدرته على الصمود.

وبعضًا من لمحات الضوء التي أراها، تتمثل في تلك الصروح التي شيّدها العظيمين مجدي يعقوب ومحمد غنيم، فهذه ليست صروح طبية بقدر ما اعتبرها صروح ثقافية؛ وبالتالي فالأمل قائم وموجود في حدوث نهضة ثقافية وفكرية وصحفية.