رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «25»

محمد الباز يكتب: سينما كشك وعدوية.. إحنا مدرسة في الضحك والنعنشة

محمد الباز
محمد الباز

- عدوية: عادل إمام كان بيجرى ورايا عشان أمثل معاه والمخرجون كانوا بيطاردونى
- كشك شن حملة ضخمة على الأفلام والمدهش قدرته على الإلمام بمشاهدها حتى الساخنة

لم أصدق كشك وعدوية فى حديثهما عن السينما، وقبل أن تبحث عما يجمع بين الواعظ والمغنى هنا، سأقول لك: يمكن أن نتعامل مع عدوية على أنه ممثل سينمائى وكشك ناقد.
ولأن الأول لم يكن ممثلًا من الأساس، والثانى لم يكن ناقدا أبدا، لذلك قلت إننى لا أصدقهما أبدا، وهو أمر بالنسبة لى له منطقه وأسبابه ومبرراته.
فى أحاديثه الصحفية كان يحلو لعدوية أن يتعامل مع نفسه كنجم سينمائى، رغم أن الأسئلة التى كانت تفتح له الطريق للحديث عن تجربته السينمائية لم تكن مشجعة، بل واجهه أصحابها بفشله التام.
فى نصف الدنيا، حوار بتاريخ ٣١ ديسمبر ٢٠٠٠
كان السؤال: كانت لك تجارب سينمائية كثيرة جدا وصلت ربما إلى ١٨ تجربة، لكنها كانت فاشلة، فما رأيك؟
وكانت الإجابة: لا.. لا يا أستاذ حرام عليك، أولا أنا قدمت عشرين فيلما وليس ثمانية عشر، منها «خدعتنى امرأة» و«السلخانة» و«حسن بيه الغلبان» و«٤-٢-٤» و«ممنوع للطلبة»، فهل كل هذه الأفلام فاشلة؟ يا راجل ده «خدعتنى امرأة» كسر الدنيا، وعملت فى الفيلم موالين يا بوى عليهم، ثم «حسن بيه الغلبان» ولّع الدنيا، و«البنات عايزه إيه» دمر الدنيا، أنا كنت فاكهة السينما للناس الغلابة الذين لم يتمكنوا من دخول الفنادق التى أغنى فيها.
كان السؤال جارحًا جدًا لعدوية فيما يبدو، ولذلك واصل كلامه بحماس شديد: ونسيت «المتسول» و«شعبان تحت الصفر» مع عادل إمام، الفيلمين دول كسروا الدنيا، وإلا مكنش عادل إمام يجرى ورايا فى المحلات اللى كنت بأغنى فيها علشان أمثل معاه، اسألوه ليه كان بيجرى ورايا وهو صديق عمرى، ولم أرفض له شيئا فى حياتى.
وحتى يؤكد عدوية جدارته السينمائية من وجهة نظره بالطبع، يقول: أنا فى كل أفلامى كان المخرجون يجرون خلفى من أجلها، لأننى نجم شباك، أول فيلم كان اسمه «الفاتنة والصعلوك» وغنيت فيه «حبة فوق وحبة تحت»، وسينما ميامى كانت «مولعة».
فى مذكراته التى نشرتها مجلة الإذاعة والتليفزيون، يعيد عدوية نفس الكلام بطريقة أخرى، لكن فيها نفس الروح، يقول: أنا عملت أفلام كسرت الدنيا، وخليت نجم زى عادل إمام يجرى ورايا علشان أطلع فى أفلامه، ولأنى باحبه وعمرى ما رفضت له طلب، عملت معاه «المتسول» و«شعبان تحت الصفر»، ولّعنا بيهم الدنيا أيامها، أنا كنت نجم شباك فى السينما، وفاكر إن الناس كانت بتتخانق قدام سينما ميامى علشان تدخل تشوفنى وأنا باغنى «حبة فوق وحبة تحت»، فى فيلم «الفاتنة والصعلوك» لدرجة إن الفيلم قعد سنة فى دور العرض.
لا يمكن أن نعتمد على رصد مسيرة أحمد عدوية فى السينما على ذاكرته، لا الآن ولا قبل ذلك بسنوات، فعلى ما يبدو أنه لم يكن مهتمًا بما يكفى برصد أحداث مسيرته.
فى حوار له سنة ٢٠٠٠ يقول عدوية إن عادل إمام كان يطلب منه أغنية تقول كلماتها «وادى دقنى إن عشت أعملك مشط مشط من خشب الخشرنفش».
الواقعة رواها عادل إمام فى حفل تكريم عدوية بعد عودته من رحلة مرضه فى العام ١٩٨٩، يقول عادل: مرة كنت فى الاستديو وكان أحمد عدوية الفنان الكبير موجود، كان مفروض هيعمل غنيوة فى الفيلم اللى باعمله، المهم مرة لقيته زعلان، قلت له: مالك زعلان ليه يا أحمد؟ قال: أنا مقدم أغنية للرقابة، لكن الرقابة مش موافقة عليها، قلت له: الأغنية بتقول ايه؟ وأحمد مطلعش الأغنية، لكن أنا حافظها من ساعتها، الأغنية كانت بتقول: «وادى دقنى إن عشت أعملك مشط مشط مشط من خشب الخشرنفش وأعمل لك من خشبة حبشة قفشة لعزولى اللى معرفوش»، ثم ضحك عادل إمام وقال: أنا مش عارف الحقيقة الرقابة معترضة ليه؟.
بحكاية بسيطة وضع عادل إمام أحمد عدوية فى حجمه السينمائى، فهو مجرد مطرب كان يؤدى أغنية هنا أو أغنية هناك، وينتهى الأمر، وقد جرى وراءه المنتجون والنجوم بالفعل، لأنه كان الموضة، ربحوا منه كثيرا، ولذلك كان طبيعيا أن يرى أنه سبب نجاح كل الأفلام التى ظهر فيها، رغم أنه فى معظم الأفلام لم يكن له دور محدد، وعندما ظهر فى أفلام بدور محدد، بدا للجميع أنه لا علاقة له بالعمل السينمائى من قريب أو بعيد.
من بين الأفلام التى ظهر فيها عدوية بدور يوازى دور البطل تماما، كان فيلم «أنياب»، الذى كتبه وأخرجه وأنتجه المخرج العائد من الولايات المتحدة الأمريكية محمد شبل، وكان ذلك فى العام ١٩٨١، أى بعد ما يقرب من ١٠ سنوات من انفجار طوفان عدوية.
قام عدوية فى الفيلم بدور «مصاص دماء»، ويبدو أن شبل كان يريد إدانة كل الفاسدين فى كل مجال من خلال شخصية مصاص الدماء، فهو يكشف بوضوح- كما كتب الناقد الفنى الكبير أحمد صالح فى جريدة الأخبار فى ١١ أغسطس ١٩٨١- كيف أن مصاصى الدماء يمكن أن يحيلوا بهجة الحياة إلى جحيم، ولذلك فهو يبدأ فيلمه من نظرة الشباب الوردية للمستقبل.
توقفت أمام تعليق أحمد صالح على الفيلم، وضعه على هامش مقال، لكنه بالنسبة لى كان فى المتن تماما، قال: من المؤكد أن اختيار عدوية ليلعب دور «دراكولا» يعود إلى عنصر تجارى، وليس لأستاذيته فى الأداء، وأغلب الظن أن محمد شبل اكتشف أن ذكاءه خانه، فجماهير عدوية نفرت من رؤية مطربها الذى تحبه وقد طلعت له أنياب.
فى اعتقادى أن ذكاء شبل لم يخنه فى فيلمه «أنياب»، فعلى ما يبدو أن المخرج الذى مات شابا- ٤٧ سنة- دون أن يحقق كثيرا من أحلامه، أراد أن يكشف حقيقة الظاهرة التى يمثلها عدوية، لقد قال بشكل عملى إن عدوية ليس أكثر من مصاص دماء، ولا بد من أن يحترق تمامًا، ولذلك فإن من خانه ذكاؤه فى هذا الفيلم هو عدوية نفسه، ويكفى أن تسمع أغنيته بالفيلم التى يقول فيها: هاقدم ليكو نفسى أنا نفسى كويسة بصريح النية أصلى أنا صاحب مدرسة فى أصول الفرفشة بخلاف النعنشة.
لخص عدوية علاقته بالسينما فى أحد حواراته، كان السؤال: هل كانت السينما فى دماغك؟ وكان رده: لا.. مش فى دماغى، الحكاية كلها جت من عند الله، عشان كده كانت بتمشى، شوف لو حطيتها فى دماغك تتعقد، إنما لما تسيبها على الله تمشى، واللى فيها لله متغرقش.
عدوية السينمائى لا شىء، ما الذى جعله يتحدث عن نفسه وكأنه أحد رموز السينما إذن؟
النجاح اللافت لعدوية، كمطرب شعبى، جعل السينما تسعى إليه، وربما كانت الشاشة الكبيرة هى النافذة الثانية التى أطل منها على جمهوره، لكن السينما لم تشفع له فى أن تمر أغانيه من مصفاة الرقابة إلى الناس، فقد ظل حبيس المنع.
الواقعة شديدة الدلالة.
هل تذكرون المذيع القدير إمام عمر؟
فى العام ١٩٧٦ كان إمام مذيعًا شابًا فى إذاعة الشرق الأوسط، يقدم برنامجه «سينما ٧٦»، وهو البرنامج الذى ظل يقدمه لسنوات طويلة، فى حلقة ٣٠ أكتوبر عرض لفيلم «الفاتنة والصعلوك» الذى كان يتصدر شباك التذاكر، بعد بداية عرضه فى ١٢ أكتوبر.
كتب الفيلم وأخرجه حسين عمارة، وطبقا للأفيش جاء ترتيب أسماء أبطاله على النحو التالى: حسين فهمى، ميرفت أمين، عقيلة راتب، توفيق الدقن، عزيزة راشد، إبراهيم سعفان، عبدالله فرغلى، سيف الله مختار، عبدالمنعم بسيونى، والوجه الجديد سعيد عبدالغنى، والراقصة سهير زكى.
أين كان أحمد عدوية؟
اسمه كان موجودا بين الوجه الشاب سعيد عبدالغنى والراقصة سهير زكى، ورغم أن ترتيبه فى الأفيش كان متأخرا جدا، إلا أن نجاح الفيلم نسب له وحده، فقد كانت أغنياته هى جواز المرور الكبير إلى الناس، لم يكن لعدوية دور فى الفيلم، كان مجرد مطرب، يقدم أغنياته بين الأحداث فتبعث فيها الروح.
كان هذا ما قاله إمام عمر، وأقره حسين فهمى، فالفيلم بالفعل من أفلام الدرجة الثالثة، أداء الثنائى حسين فهمى وميرفت أمين كان باهتًا، حتى المشاهد التى رصدت علاقتهما الحميمية كانت باردة جدا.
لم يكن هناك ما يفسر نجاح الفيلم إلا وجود عدوية فقط.
لكن ما الذى كان يفعله عدوية فى الفيلم؟
هنا تأتى المفارقة، ففى الغالب صنع هذا الفيلم من أجل عدوية، أو بالأدق من أجل استغلال نجاحه الجماهيرى لجذب جمهوره العريض إلى قاعة السينما، وهو ما حدث بالفعل.
لم يكن لعدوية دور محدد، ولو خرج من الفيلم فلن تتأثر الأحداث من الأساس، فالمطرب الشعبى يتم تقديمه داخل الفيلم من خلال حوار بين عبده (حسين فهمى) ونجوى (ميرفت أمين)، الذى يسألها: أكلتى من فول عدوية العجمية؟ فتقول له: لا، فيرد: يبقى ما أكلتيش فول طول عمرك، لتنتقل الكاميرا مباشرة إلى عدوية الذى يقف فى الشارع على عربية فول وهو يغنى «حبة فوق وحبة تحت».
ظهر عدوية باسمه فى الفيلم، بياع فول مظهره لا يقول ذلك إطلاقا، فهو يرتدى جلابية وعلى كتفيه كوفيته الشهيرة، وطاقية مميزة، ترقص من حوله فتيات وهو يضع الفول فى أطباق، سعيدًا منتشيًا دون أن نعرف لذلك سببًا.
غنى عدوية فى الفيلم ٣ مرات، كانت أولاها «حبة فوق وحبة تحت»، والمرة الثانية كانت موالًا ربط به الأحداث وقدم لعلاقة البطل بالبطلة «أنا قلت يا بلبل مسيرك ترجع لعشك».
المرة الثالثة ظهر دور عدوية الحقيقى، مطرب يغنى فى حفل زواج عبده ونجوى، تقديمه كان ساخرًا، قالت له عقيلة راتب: إنت جيت يا منيل! قول من غير فول، فرد عليها: هاقول شوية طازة عشان خاطر سى عبده، ثم ترقص ميرفت أمين على أغنيته «كله على كله».
كل قيمة عدوية فى الفيلم أنه كان مطربا شعبيا محبوبا، ولذلك كان توظيفه مهمًا جدًا لشباك التذاكر وصندوق الإيرادات، وهو ما جرى بالضبط، فقد ظل الفيلم متصدرا الشباك رغم أنه لا قيمة فنية له.
اللافت أن إمام عمر استعان بإحدى أغنيات عدوية فى الفيلم كخلفية لبرنامجه، لم يذعها بشكل صريح، إلا أنه فوجئ بتحويله إلى التحقيق بناء على توصية من إدارة المتابعة، التى رأت فى إذاعة الأغنية مخالفة صريحة للتعليمات.
أيامها كانت الإذاعية الكبيرة آمال فهمى هى مدير عام المتابعة، ولما قيل لها إن التحويل للتحقيق لا يتناسب مع ما فعله إمام عمر، خاصة أنه يتحدث عن فيلم معروض فى دور السينما، وقد سمع الناس الأغنيات التى أداها عدوية فيه، إلا أنها لم تتراجع، وقالت إنها لا تتدخل فى مضمون البرنامج ولا ما يذاع فيه، ولكنها فقط تطبق اللوائح التى تقضى بمنع أغنياته.
كان هذا بالفعل هو كل شىء للمطرب الشعبى فى السينما، فرغم أنه شارك فى ٢٠ فيلمًا، إلا أنه لم يترك بصمة كممثل، كان فقط المطرب الذى يمنح الفيلم روحًا خاصة، وينتهى بعد ذلك كل شىء.
ناقد كبير هو سامى السلامونى، لم تخدعه الظاهرة، ولم يخطف بصره النجاح الذى حققه عدوية فى السينما.
فى ١٢ مايو ١٩٧٦ نشرت له مجلة الإذاعة مقالًا عنوانه «أهلًا عدوية.. وموجة أفلام كله على كله».
وفيه قال: «المخرج حسين عمارة ضرب ضربته الكبرى عندما اخترع دورا محشورا للاكتشاف المكتسح أحمد عدوية الذى يخبط ثلاث أغان تشعل حريقا فى السينما، يقول فى واحدة منها (حبة فوق وحبة تحت) ويقول فى الأخرى (كله على كله)، ويكون المخرج عبقريًا حينما يستطيع تدبير مكان ومناسبة لهذه الأغنيات بحيث يضمن لفيلمه أن يبقى فى السينما سنة كاملة على الأقل، مرحبًا بأحمد عدوية فى السينما فى بداية موجة أفلام كله على كله، وفى انتظار نار يا حبيبى نار فول بالزيت الحار.. وسلامتها أم حسن».
لم يتطور عدوية فى السينما، فقد كان وجوده فى الأفلام بنظرية «شىء لزوم الشىء»، صحيح أن وجوده مهم للتسويق وجلب جمهوره الذى يسعى خلفه، لكن اختفاءه ما كان ليغير شيئا فى قيمة الأفلام الفنية، خاصة أنه كان يشارك فى أفلام درجة ثالثة، وأعتقد أن مستواها هذا هو ما جعل صناعها يقبلون عليه.
كل ذلك جعل رأى سامى السلامونى فى عدوية ثابت لا يتغير.
فى العام ١٩٨٢ شارك عدوية فى فيلم «السلخانة».
عندما تبحث عن هذا الفيلم ستجد الآتى: فيلم دراما مصرى من إنتاج عام ١٩٨٢، بطولة سمير صبرى ومديحة كامل وعادل أدهم، ملخص القصة: ينجح المعلم أبوحلقة (محمد رضا) فى رد الصاع صاعين إلى المعلم نجم (عادل أدهم) وشراء كل البهائم من الأسواق ليصبح هو المعلم الوحيد فى السلخانة، ويوافق المعلم نجم على مضض على الصلح مع المعلم أبوحلقة، ويوافق أيضا على زواج ابنته صفاء (ليلى حمادة) من الابن الثانى للمعلم أبوحلقة المهندس علاء (سمير صبرى)، وفى ليلة الفرح يتفق المعلم نجم مع أحد رجاله على قتل المعلم عمر (سعيد عبدالغنى) الابن الأول للمعلم أبوحلقة وذراعه اليمنى لكى يحرق قلب أبيه عليه وينتقم منه.
أين عدوية فى الفيلم؟ لا وجود حقيقيًا له بالفعل.
سامى السلامونى يكشف لنا ما جرى.
فى مقال له تعليقًا على الفيلم، يقول: «كان لا بد من ضمان ألا يفلت متفرج واحد من هذا الفيلم، وهنا يجىء دور سيد الغناء فى مصر الآن، وسيد السينما نفسها فيما يبدو بحيث لم يعد أفيش واحد لفيلم يخلو من اسمه، كأحد الأبطال الرئيسيين، أحمد عدوية الذى يلعب دور صبى مدبح يخبط موالًا حزينًا بصوته المشروخ بين الوقت والآخر، معلقًا على أحداث الفيلم، بل يمثل ويضرب الأشرار أيضا فى خناقة النهاية والجمهور فى الصالة ميت من النشوة والسعادة».
حاول أن تفعل ذلك كله مع أفلام أحمد عدوية كلها، «رحلة الرعب، مخيمر دايما جاهز، رجل فى سجن النسا، خمسة فى الجحيم، سطوحى فوق الشجرة، العسكرى شبراوى، شاطئ الحظ، كله تمام، مطلوب حيًا أو ميتًا».. لن يخرج وجوده عن محاولة استغلال نجومية اشتعلت بين جماهير الترسو، وربما كان هذا تحديدا ما جعل عدوية يقول عن نفسه إنه مثل فريد شوقى تماما.
عبقرية أحمد عدوية أنه بالفعل- واعتبروا هذا اعترافًا- ليس مجرد موضة، تتألق لفترة ثم سرعان ما تنطفئ. لقد حاول صناع السينما أن يستغلوا وهجه، مثله بالنسبة لهم مثل غيره من أصحاب الموضات، يظهر يتألق يتوهج ينتشر يولى الجمهور وجهه شطره، وبعد قليل يمله وينصرف عنه، فينصرف عنه مقاولو السينما بالتبعية.
لقد قرر أحمد عدوية أن يظل يعمل حتى النفس الأخير، وهو ما يجعله يعافر حتى الآن دون أن يكل أو يمل، فى كل فترة كان يكتشف نفسه اكتشافًا يمد فى عمره، وأعتقد أنه يعرف فى قرارة نفسه أن السينما أخذت منه ربما بأكثر مما أخذته، وأنه ليس أكثر من جملة اعتراضية سرعان ما بهتت حروفها وتلاشت.
كل ما جرى أن الجماهير التى زحفت إلى دور السينما لوجوده فى أحد الأفلام، لم تفعل ذلك كما قال من أجل أن يستمعوا إلى مطربهم، لأنهم لا يستطيعون أن يدخلوا الفنادق أو الكباريهات التى يعمل فيها، ولكن لأنهم كانوا يتطلعون وبشدة إلى رؤية مطربهم الأسطورة وهو يتحرك، وأعتقد أنهم ورغم فرحتهم بأغنياته، إلا أنهم كانوا يخرجون من دور العرض وهم فى قمة الإحباط وكسرة الخاطر، لأن الصورة التى رسموها لعدوية فى الغالب كان يهدرها تماما، فهو لم يكن أكثر من استكمال لمشهد الفيلم الكبير.
اعتقد عدوية فى البداية أن السينما ستفيده، لكنها لم تفعل، فلا هى كسرت الحظر الرسمى حول أغنياته، ولا هى زادت جمهوره، الذى كان يحسده عليه أصلا الجميع، ولذلك لا تتعجب من أن عدوية كان يظهر فى أفلامه الأولى دون أن يحصل على أى أجر، كان يفعل ذلك مجاملة لأصدقائه، لكنه عندما أدرك أنه لا يستفيد أى شىء، بدأ يطالب بأجره فى الأفلام، والمفاجأة أنه كان يطالب بأجور عالية نسبيًا مقارنة بالأجور التى كان يحصل عليها النجوم الكبار، وكان أول مبلغ حصل عليه من السينما هو ٦ آلاف جنيه، وأصر على أن يتقاضاه لأنه كان فى حاجة لدفعه فى أرض عمارة قرر بناءها.
على مقربة من هذا المشهد كان كشك يقف متنمرا، لم يوجه سهامه إلى الأفلام التى كانت تعرض حديثًا، ولكنه شن حملة ضخمة على ما كان يصله خبره من أفلام سينمائية، لا تندهش من قدرته على الإلمام بالمشاهد والحوارات التى بها وحتى المشاهد الساخنة، فيبدو أنه كان ينفذ خطة محكمة لإهالة التراب على الفن والفنانين.. وهذه قصة أخرى.