رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. أول لقاء مع مصطفى مشهور ‏في مقر «الدعوة»‏

ثروت الخرباوى
ثروت الخرباوى

لماذا أكتب هذه الحلقات؟ لم أكتبها لأنشر فضائح فما أنا كذلك، ولم أكتبها لأنتقم من أحد، ففى حق نفسى يعرف المقربون منى أننى أسامح، ولم أكتبها للشهرة، فأنا ألملم أوراقى ‏فى هذه الأيام لأغادر المشهد كله، وقد كتبت عن تلك المغادرة سابقًا، ولكننى أكتب لكى يعرف أبناء بلدى كيف يتم تجنيد شاب صغير فى جماعة من جماعات الشر، وما ‏وسائلهم فى التأثير عليه؟.‏

تدخل الجماعة على الشباب من أبواب عديدة، مثل الشيطان الذى يتبع مع الإنسان عشرات الخطوات، ألم يقل الله تعالى: «ولا تتبعوا خطوات الشيطان» وقد يصل الأمر بالشيطان كى يحقق مآربه ‏أن يقف على المنبر ويخطب فى الناس، ويبكى من فرط التأثر بالقرآن الكريم، ألم يقل الله تعالى: «ومن أهل المدينة مردوا على النفاق» أى تمرنوا عليه وأتقنوه فأصبحت لا تعرفهم، يكفى أنهم كانوا ‏يقفون فى الصفوف الأولى للصلاة خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ويبكون، وهم يوهمون الرائى بأن هذا هو بكاء الخشوع، لذلك كتبت لأحذر الناس من شياطين الإنس ومن طرقهم ومداخلهم، ثم ‏أكتب لكى يعرف الناس كيف ولماذا يمكن أن يتخلص الواحد من السجن الإخوانى الذى وضع نفسه فيه، ولا يعنينى من قريب أو بعيد أن كاتبًا سطحيًا بليدًا ومغرورًا فى ذات الآن يقول إن الإخوانى لا ‏يمكن أن يخرج من الجماعة أبدًا، مع أن هذا الجاهل البليد كتب قصة ساقطة يقول فيها إن عبدالناصر كان من الإخوان، ثم إن عبد الناصر انشق عنهم وحاربهم وأعدم قياداتهم وسجنهم ونكَّل بهم، ‏فالرجل يقول الفكرة وينقضها لأنه لا يبحث عن حقيقة، ولكنه يبحث عن نفسه فقط، ورحم الله طه حسين عندما قال عن أحدهم: «هذا الكاتب رضى بجهله ورضى جهله عنه».‏
لا علينا فالواقع الذى نعيشه أمسى واقعًا من الوقوع والتردى، نعود إلى ما كنا فيه ونترك هؤلاء فى جهلهم يرتعون، كنت قد وقفت عند ذلك الرجل صاحب اللحية الخفيفة والعين الغائرة الذى همس ‏فى أذنى قبل أن أغادر الجلسة، التى كنت فيها مع المرشد عمر التلمسانى: ابقى تعالى لى فى الدعوة، فهمت أنه يقصد مقر الإخوان، ولكننى تعجبت من أن يطلق على مقرهم اسم «الدعوة» وعندما ‏سألته عن نفسه من يكون، تعجب الرجل جدا وقال: «ما تعرفنيش يبقى ما تنفعش تكون أخ»، وهنا قال الأستاذ محمد هلال: إزاى يا ثروت متعرفش عمك الحاج مصطفى مشهور- المرشد الخامس ‏للإخوان- أومأت برأسى وقلت: نعم طبعًا عمى الحاج مصطفى مرحبًا بحضرتك لكننى للأسف لم أرك من قبل فاعذر جهلى، فابتسم الحاج مصطفى ابتسامته المعهودة عنه، تلك الابتسامة التى قلت ‏عنها لبعض الإخوة بعد ذلك بسنوات طويلة: هذا الرجل يبتسم وهو متجهم!‏
وكان أن ذهبت للحاج مصطفى فى مقر الجماعة، وحينما جلست معه أخذ يحدثنى وكأننى أحد الجنود المغمورين، وهو القائد الأعلى لجيش الإسلام، سألنى: هل عرفت شيئا عن تاريخ الجماعة؟ ‏فقلت له: معرفة سطحية، فناولنى كتابا متوسط الحجم وهو يقول: هذا كتاب لأختنا الحاجة زينب الغزالى اسمه «أيام من حياتى» اقرأه لتعرف كيف كان عبدالناصر مجرمًا وسفاحًا، ثم أعطانى كتاب ‏حسن البنا «مذكرات الدعوة والداعية» وما زالت هاتان النسختان التى أهداهما لى مصطفى مشهور فى مكتبتى إلى الآن، ثم أعطانى أعدادًا كثيرة من مجلة الدعوة، ومجلة الاعتصام، وقال: إن تحت ‏المراجعة الآن أحد أهم الكتب عن تاريخ الإخوان، وإنه شخصيًا هو الذى يقوم بمراجعته وإن كاتبه هو أحد رفقاء حسن البنا اسمه «محمود عبدالحليم» وبعد عدة أشهر من هذا اللقاء خرج هذا الكتاب ‏للنور تحت اسم «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ»، وأظننى كنت من أوائل من قام بشراء هذا الكتاب الذى جعل من حسن البنا شخصية أسطورية لا تتكرر ولا تقع فى أى خطأ، فضلًا عن ‏وصفه بالذكاء الخارق الذى يتفوق على ذكاء أى إنسان دب على وجه الأرض بقدميه، ثم جعل من أعضاء الجماعة ملائكة أو أنبياء أما الفاشل منهم فهو فى مرتبة الأولياء المقربين!‏
كنت فى كل هذا صاحب رأس مفتوح يستقبل فقط وليس له أى جرأة على إنتاج المعرفة فضلا عن المناقشة والرد والنقد، لم أكن أنا وحدى الذى وقع فى تلك الآفة اللعينة، آفة الرأس الذى يستقبل ‏فقط، ولكن كل جيلى وكل الأجيال التى جاءت بعدى كانت وستظل كذلك، ومع ذلك فقد كنت أختزن فى مكنون ذاتى اعتراضاتى وانتقاداتى إلا أننى لم أستطع أن أبوح بها ولو لنفسى حتى لا أجرح ‏إيمانى! تمامًا كما كنتُ طفلًا أسأل نفسى عن الله، كيف هو؟ ومتى وأين كان؟ ومن الذى خلقه؟ فإذا عنَّ لى أن أسأل أحدًا عن تلك الأمور قال لى محذرًا: لا تسأل عن هذه الأشياء حتى لا تكفر.‏
وفى نهاية الجلسة سألنى مصطفى مشهور: أين تسكن فى الزيتون؟ قلت له فى شارع طومان باى من ناحية حلمية الزيتون، فقال لى وأنا أيضًا، ولكننى فى طومان باى من ناحية سراى القبة، ثم ‏أكمل: سأرسلك إلى أخٍ فى الحدائق لتكون معه، فسألته: أكون معه أين؟ رد مندهشًا: ما لكش دعوة، هو هايستلمك لما تروح له، وأنا كلمته عنك، اسمه عبدالمنعم دحروج.‏
حملت الكتب والمجلات التى أعطاها لى، واتجهت إلى الباب، وأنا أقول: حضرتك أنا مش إزازة زيت علشان حد يستلمنى، السلام عليكم، فصاح الرجل: استنى عندك يا ولد.‏