رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. حين قبّل عمر التلمساني يدى

مع مرام إبنتي
مع مرام إبنتي

- التلمسانى حين قبّل يدى قال: «حق لى أن أقبّل يد من يُقبل على الإخوان»

تعودتُ وأنا بعد صغير أن أُقَبّلَ يد جدى لأمى ثم أضع كف يده التى قبلتها على جبهتى، أما جدى لأبى فقد مات منذ أن كان أبى طفلا صغيرا لم يتعد العاشرة من عمره فلم أر إلا صورته فقط، أما عن أبى، عليه رحمة الله، فلم يعودنى على تقبيل يده بل كان يرفض ذلك، ولم أُقبل يد أمى إلا بعد أن أصبحتُ كبيرا حبا وعرفانا منى بفضلها علىَّ، ولم يحدث غير ذلك أن قبلت أى يد أبدًا.
لذلك كنت فى حيرة عندما دخل علينا المرشد عمر التلمسانى وأنا فى جلستى مع الشيخ عبدالبديع صقر والحاج سعد لاشين والأستاذ محمد هلال، فبعد أن أقبل الثلاثة على يد المرشد يقبلونها وهو يقدم يده لهم، وبعد أن وضع عبدالبديع صقر قبلة على جبهة المرشد بعد أن انحنى وقبل يده قمتُ بمد يدى للمرشد مُسَلّما ثم قبلتُ جبهته، ولكنى فوجئت بأمر كان مذهلا لى، فقد جلس المرشد على أحد المقاعد الوثيرة وطلب منى الجلوس على المقعد الذى يجاوره، وكان مع المرشد رجل بلحية خفيفة وعين غائرة، سلموا عليه ولكنه لم يتكلم ولم يقدمه لى أحد! وبعد أن جلس الحاضرون فى أماكنهم أمسك المرشد يدى وقَبَلّها وهو يقول: حق لى أن أقبل يد من يُقبل على الإخوان لكى يكون شابا من شباب الصحوة الإسلامية.
يا للغرابة، أرفض أنا أن أقبل يد المرشد ويقبل هو يدى! وهنا تغيرت مشاعرى تماما من النقيض إلى النقيض، فبعد أن كان عبدالبديع صقر ينهرنى قائلا: يا ولد، إذا بالمرشد نفسه يقبل يدى ويصفنى بأننى من شباب الصحوة الإسلامية، وبعد أن كنتُ مع صقر فى الدرك الأسفل من الصَغار، أصبحت مع التلمسانى فى أعلى مدارج الفخار، تستطيع أن تقول إنهم جعلونى أمر بحالة أشبه ما تكون بالبسترة، فاللبن المبستر يمر بالتسخين إلى درجة حرارة معينة ثم التبريد المفاجئ بعد التسخين، وهكذا كنت أنا فى تلك اللحظة، شابا مبسترا، والفارق هو أنه فى اللبن المبستر يكون قد تم القضاء على البكتيريا، أما فى الأخ المبستر فيكون قد تم القضاء على جهازه المناعى. عاد الشيخ عبدالبديع صقر للحديث حيث قال للمرشد: كنا يا فضيلة المرشد نتحدث عن الصوفية، وكنت أقول إن الصوفية هى عبادة المسلم الذى يريد أن يستريح، أما إسلامنا فهو إسلام الجهاد، فقاطعه المرشد قائلا: أنا أحب الصوفية ولكننى أرى أنها طريق ناقص، ينفع المسلم ولا ينفع الإسلام، ثم أردف: عندما كنت صغيرا قرأت كتاب «إحياء علوم الدين» للإمام «أبوحامد الغزالى»، ولكننى عندما عرفتُ الدعوة، وقابلت الإمام الشهيد حسن البنا رأيت رجلا يعمل على إحياء الإسلام، كان من الممكن للإمام الشهيد أن يكتب كتبا ولكنه كتب رجالا، هم يسعون يا ثروت إلى إحياء قلوبهم، ونحن نسعى إلى إحياء المسلمين، الصوفية والسلفية نقيضان لا يجتمعان، الصوفية ترتقى بنفس المسلم لكن هذا الارتقاء لا علاقة له بارتقاء الإسلام، أما السلفية فهى ترتقى بعلم المسلم ولكنها لا ترتقى بالإسلام، ولكننا نرتقى بالمسلم ونرتقى بالإسلام، بالنفوس والقلوب، ويكفى أن الإمام الشهيد قال: نحن حقيقة صوفية ولم يقل نحن طريقة، لأن الحقيقة أعلى من الطريقة.
قلت بصوت خفيض لا يكاد يسمعه أحد: أريد أن أسأل فضيلتك سؤالا لأتعلم لا لأناقش.
قال المرشد: سل ما تشاء؟
قلت: هل مات الإسلام حتى نحييه؟
قال بنبرة حسرة وأسف: مات الإسلام يا ثروت، وظل ميتا قرونا طويلة ولكن جماعة الإخوان هى التى بعثته للحياة من جديد، كانت بلادنا يا ثروت مليئة بالخرافات التى لا علاقة لها بالإسلام، ولكن الإمام الشهيد آل على نفسه أن يواجه إسلام الخرافات ويبعث للحياة من جديد إسلام القوة والعزة، وما كان يمكن أن يتم بعث الإسلام الحقيقى بالكتب والخطب، ولكن الإسلام يُبعث من جديد كما بعثه الله على يد الرسول الكريم، بالدعوة والقوة.
استرسل الرجل: سيدنا محمد يا ثروت لم يكتب كتبا لينشر الإسلام، بل كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه كتب رجالا، هم الصحابة، وكذلك فعل الإمام الشهيد، كتب رجالا، لذلك نحن ولا فخر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خرجت من الجلسة وأنا فى أعلى عليين، فأنا الآن من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن فى الأرض يمكن أن يطاولنى؟ لم أسأل نفسى كيف عرف المرشد اسمى فى حين أنه لم يقدمنى إليه أحد من الجالسين، ولم أسأل نفسى لماذا قام بتقبيل يدى؟ ولكنى فرحت بهذا الأمر جدا، ولم أناقش مع نفسى تلك الأفكار التى سمعتها، وأظن أننى من داخلى كنت أرفض معظم الذى قاله ولكننى لم أجرؤ على مواجهة نفسى، فلا الإسلام مات ولا يمكن أن يكون، ولا حسن البنا هو النبى عيسى الذى يحيى الموتى.
وحينما سلَّمتُ على الحاضرين لأنصرف وجدت الرجل صاحب اللحية يهمس فى أذنى: ابقى تعالى لى فى المقر يا أخ ثروت.. ارتبكت وقلت له: مَن حضرتك؟ اندهش الرجل ونظر لى كأنه ينظر إلى رجل من المريخ ثم قال: هُوَّ إنت ماتعرفنيش، يبقى ماتنفعش تبقى أخ!