رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصام دربالة.. الإرهابي الذي لم يتب حتى وفاته

عصام دربالة
عصام دربالة

- دربالة كان العقلية المفكرة داخل الجماعة الإسلامية وكان يضع سياساتها
- مات بسجن العقرب عقب القبض عليه بتهمة التخطيط لمظاهرات دعمًا لـ«الإخوان»


فى عام ٨٩ كان أول لقاء بيننا بسجن المنيا، وكان ساعتها فى حالة يرثى لها على إثر قدومه من سجن ليمان طرة فى أعقاب عملية الهروب التى قام بها عصام القمرى ورفاقه، وفى عام ٢٠٠١ كان اللقاء الثانى حينما أطلقت مبادرة وقف العنف، وكان على المنصة متماسكًا، يرسل إشارات كثيرة فيما بين السطور أنه لم يغير ولن يغيروا ما اعتقدوه صحيحًا.

أذكر أنه قال: «تحية لكم أيها الصابرون.. تحية لكم أيها الراضون عن الله.. تحية لكم من كل قلوبنا.. لكم جميعًا كل حب وود وكل دعاء بالخير والعافية
أناديكم أناديكم أشد على أياديكم
أقبل الأرض بين أيديكم وأقول أفديكم
وأهديكم ضيا عينى ودفء القلب أعطيكم
فمأساتى التى أحيا نصيبى من مآسيكم
وآمالى التى أرجو إشراقة أمانيكم».
أضاف ساعتها قائلًا:
«إن كل ما كنا نفعله ليس شرًا بل فيه الخير الكثير، نعم خير كثير مثل الأعمال الاجتماعية ومساعدة الفقراء والمساكين، وإن الجهاد شرع لرد العدوان الخارجى على أمة الإسلام ودولته، ولتحطيم عناد المحاربين لأمة الإسلام، وإن المبادرة هى إعمال للشرع وليست إهمالًا له».
عصام الدين دربالة هو من قرية إبشادات غرب مدينة ملوى، وهو أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية، وعضو بمجلس الشورى، الذى أخذ قرارًا باغتيال السادات، لكن إحقاقًا للحق كان يرفض هذه العملية.
قال عصام دربالة فى أحد لقاءاته بنا فى السجون: إنهم كانوا يتوقعون الحكم بالإعدام، ولذا كانوا حينما يذهبون إلى نيابة أمن الدولة أثناء التحقيقات كانوا يملون كاتب النيابة كتاب ميثاق العمل الإسلامى فى ردهم على السؤال حول أهم أفكارهم، وكان ذلك هو الوسيلة الوحيدة لكتابة هذا الكتاب فى هذا الوقت.
هناك رسالة كبيرة من تأليف عصام دربالة وهى «الحركة الإسلامية والعمل الحزبى» هذه الرسالة تحرم سلوك الحركة الإسلامية التى تنتهج العمل الحزبى، ودخول الانتخابات وسيلة للوصول للحكم وتطبيق الشريعة، وتستعرض الرسالة تجربة الأحزاب المصرية، وسمات الوضع السياسى المصرى، ودراسة الحركة الإسلامية مع التجارب البرلمانية فى تركيا وإندونيسيا، وغيرهما، ثم ينتهى إلى الحكم الشرعى وهو التحريم مؤسسًا على أمرين هما:
■ إن المشاركة فى المجالس النيابية نوع من الشرك لأن حق التشريع لله وحده.
■ إن دخول هذه القنوات فيه إهدار لمفاهيم إسلامية عظيمة (الحاكمية والموالاة والجهاد) وفيه إضفاء صفة إسلامية على وضع غير شرعى.
فى ذات أحداث عام ٨١ كان يمسك قنبلة يدوية أراد أن يلقيها على قوات الشرطة وبعد أن نزع فتيلها فوجئ ببعض رفاقه يقفون على مرمى القنبلة فآثر أن تنفجر فيه فلم يلقها عليهم فانفجرت وقطعت له يده اليمنى.
أثناء وجوده بالسجن ألف كتابًا حول حرب الخليج، تلقته عناصر الجماعة بالسعادة، إذ إنهم كانوا لأول مرة يرون مؤلفًا لأحد قيادات الجماعة فى السياسة.
عصام دربالة كان هو العقلية المفكرة داخل الجماعة وهو الذى يضع لها سياستها ويصنع لها كثيرا من توجهاتها وهو يؤمن منذ زمن طويل بأن الجماعة لا بد أن تكون مؤسساتية لها مؤسسات ولها مراكز لاتخاذ القرار وقانون ثابت يحاسب المقصرين ويسير أمور الجماعة والفترة التى قضاها محكومًا فى قضية اغتيال السادات والتى زادت على سبعة وعشرين عامًا ألهمته المزيد من الخبرات.
كانت كلماته فى الندوات الأولى للمبادرة عن الخطاب الدينى وصراع الحضارات وصمويل هنتنجتون وفوكاياما ونهاية التاريخ وكلمته المشهورة التى قالها فى الندوة الكبيرة فى فناء السجن على المنصة أنه إذا كانت للجماعة أخطاء فإن للدولة أخطاء، وأعتقد أنه تم عزله بسجن المنيا لهذه الكلمات، ولأنه كان لا يزال يكفر الحاكم، فعلى سبيل المثال حين سئل عن إقرارات التوبة، قال إنها ماتت وإن المبادرة جاءت لتقضى عليها.. هذه الإجابة أثارت لغطًا كبيرًا وبالذات ممن وقعوا على إقرارات التوبة قبل الندوات فقالوا: أليست المبادرة توبة جماعية؟!
لكن الإجابة الأهم وهى ما تتعلق بالحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله فكان يجيب بأن الحاكم المستبدل هو كافر بجمهور العلماء وأنه لا تغير فى هذه المسألة.
فأصبح صاحبنا بهذه الإجابات هو الشخصية المحورية التى يراها بعض الرفاق لا تتخلى عن الثوابت، والتى تمثل الجناح المتشدد داخل الجماعة، بالأخص بعد بقائه فى سجن المنيا وعدم مجيئه فى الندوات الأخيرة.
أرسلت له رسالة طويلة جدًا وهو بسجن المنيا يصعب نشرها لطولها، كانت مقدمتها: إن التوقع والحلم والتوتر أحيانًا يفتحون أماكن مظلمة فى قلبك ويجعلونك تحاول من جديد وهذا ما حدث بالضبط وجعلنى أكتب هذه الرؤية والقراءة لما نحن فيه وإنى لأزعم أن أى رؤية أو مراجعة وإصلاح هى الضمان الوحيد للبقاء والقدرة على الحياة والاستمرار ولكن إشكالية مثل هذه الأمور هى الشعور لدى البعض أنها لا تنبع من صدق وإخلاص... إلخ إلخ.
انتهت رسالتى للأخ عصام دربالة وجاءتنى رسالته التى قال فيها:
(الحبيب ماهر
لقد صدقت حينما قلت إن المبادرة لم تكن نهاية المطاف بل هى البداية لطريق الإصلاح ولكن المشكلة التى أزعم أنها تواجه هذا الإصلاح هى فى المقام الأول وليس الأوحد فى إتمام هذا الإصلاح فى ظرف غير مواتٍ لا نمتلك فيه كل أسباب الإصلاح وأدواته ولا ننفرد بتسيير معطياته وتفاعلاته مما ينعكس على استمرارية مثل هذا الإصلاح لينال جوانب عديدة ذكرتها فى رسالتك الكريمة ولعلنا نتفق على أن التغيير الذى يتبع أى عملية إصلاحية يواجه عادة بمعوقات أكثرها ينبع ممن لا يرون أن فى هذا الإصلاح فائدة لهم وممن ستتأثر أوضاعهم بالتغيير المنتظر وممن لا يدركون قيمته ويتفهمون مغزاه.
لعلك تتفق معى فى أن العديد من المعتقلين الآن بالسجون لا تعنيهم مسائل الإصلاح بقدر اهتمامهم بأخبار الإفراج ولذلك فإن تقييم بعض الظواهر السلبية التى ذكرتها لا بد أن تضع فى اعتبارها هذه الحقيقة.
ومما لا شك فيه أننا بحاجة للانفتاح على الآخر دون ذوبان فيه أو صدود عما لديه من خير ونحن بحاجة لتقديم من هو أهل للمسئولية بعيدًا عن أى اعتبارات أخرى وإن كنت أعتقد أن هذا البلاء الطويل الذى وقع فيه الإخوة سوف يسهم فى إعادة ترتيب الصفوف ووضع كل إنسان فى مكانه اللائق به، ولن نعجب إذا رأينا العديد ممن تولوا المسئولية يومًا قد ذهبوا لحال سبيلهم.
وأيضًا يا أخى نحن بحاجة إلى مشاركة جميع الإخوة فى صياغة مستقبل العمل والمشاركة فى اختيار المسئولين وفى طرح تصوراتهم فى شتى القضايا.
وتبقى نقطة أخيرة تتعلق بمسألة الحاكمية فقد استوقفنى التعبير «أنكم تريدون تسجيل موقف تاريخى.. إلخ» فالحقيقة أننى أسجل موقفًا شرعيًا أحاول من خلاله ترجمة رؤيتى الخاصة بالمبادرة والمتمثلة فى إفساح الطريق أمام الجماعة لمواصلة العطاء لدين الله دونما تفريط فى حكم شرعى، وموقفى فى المسألة معلوم وهو بالنسبة للحاكم المستبدل بشريعة الإسلام شريعة أخرى فإن حكمه الكفر، أما تنزيل هذا الحكم على الواقع فيحتاج إلى إعمال قاعدة توفر الشروط وانتفاء الموانع وهو أمر يجب النظر فيه من آن لآخر ومع كل حاكم من الحكام، وهى تمثل لب العمل الإسلامى الذى يسعى لصياغة المجتمعات على هدى الكتاب والسنة والقضية عندى كيف نسير ونحقق أهداف الإسلام دونما الإطاحة بأحكام نرى صحتها وأحسب أن الوصول إلى هذه الصيغة المتوازنة هو الحل الصحيح من وجهة نظرى).
إلى هنا انتهت رسالة الأخ عصام دربالة التى أرى أنها وضحت نقاطًا مهمة حول مستقبل الجماعة وبالأخص فى مسألة الحاكمية التى ثار حولها جدل واسع، وأنه مصر على تكفير الحاكم.
بعد شهور قابلته بسجن المنيا تحديدًا فى يوم ٧١٢٠٠٦، فتحدث فى حديث مطول هذا جزء منه قائلًا: أين نحن الآن؟ له إجابة تحتاج إلى نوعين:
موقع ميثاق العمل الإسلامى والعلاقة بين ما هو قديم وما هو جديد والنقطة الأخيرة وهى الدراسات الجديدة حيث هى تكميل لأمور ظهر مسيس الحاجة إليها وتصحيح لأشياء ساء فهمها وتصحيح لممارسات كانت خاطئة مثل قتال الطائفة، والذى كان فى التسعينيات من أحداث لم يكن قتال طائفة لأن أصنافه ليست من أصناف الطائفة ولأن الهدف وقتها من القتال مع الحكومة كان لمنع الظلم وكان القتال فى التسعينيات أقرب إلى القتل من القتال، والنموذج الثانى مشكلة الأقباط وهذه المسألة كان فيها تعد وظلم منذ التسعينيات ولم تكن هناك دراسة توضح هذه المسألة والأيام أثبتت أن مسألة النصارى أثبتت نفسها على الجميع، سواء الحكومات أم الجماعات.
وتظهر فى مسألة «أين كنا» أمور متفق عليها داخل الجماعة مثل مسألة الحاكمية، حيث يحتمل الأمر الرأيين حسب حال الحاكم.
عقب سقوط مبارك أقامت الجماعة الإسلامية انتخابات عليها علامات استفهامات كثيرة، أدت إلى عزل كرم زهدى وناجح إبراهيم وعلى الشريف وبعض القادة الآخرين، وتم تنصيب عصام دربالة أميرًا عامًا للجماعة.
بعد شهور طوال تواصل معى من أجل التبين مما نشرته حول حوارى مع رفاعى طه، وتصريحاته بشأن المبادرة وناجح إبراهيم، وأثناء زيارتى المنيا ذهبت لمنزله وأعطيته نسخة من تلك التسجيلات، فقال لى: أنا متأكد أنه قال ما كتبته ونشرته.
فى عام ٢٠١٥ مات عصام دربالة بسجن العقرب عقب القبض عليه بتهمة التخطيط لمظاهرات بمحافظة المنيا دعمًا للإخوان.