رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا ينقص إعلانات تشجيع الاستثمار؟


لفت نظرى بإعجاب الإعلان مدفوع الأجر، الذى تبنته وزارة الاستثمار والتعاون الدولى، عن جذب الاستثمار إلى مصر، ويأتى فى إطار حملة تبين التقدم الملموس فى محاولة السيطرة على الروتين والبيروقراطية الحكومية التقليدية، وظهر فى الإعلان مستثمرون كبار من دول العالم المختلفة يؤكدون أن هذا الوقت هو أفضل وقت للاستثمار فى مصر.

جيد أن ندرك لغة العصر، ونستخدم حملات العلاقات العامة دوليا للترويج للاستثمار أو للسياحة فى مصر، ولكن هل حملة العلاقات العامة تكفى؟!. هل هى مجرد صدفة أن تدريس علوم السياسة مرتبط بالاقتصاد، فى صيغة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟!.. أم أن، بكل تأكيد، السياسة والاقتصاد مرتبطان ارتباطًا وثيقًا لا يمكن فك عروته أبدًا؟. والحقيقة أنه لا يمكن أن تحل أى مشكلة «اقتصادية» إلا برؤية «سياسية» واضحة، لهذا إذا أردت تشجيع الاستثمار، لما تراه فى ذلك من تحريك للاقتصاد وزيادة للقوى الشرائية، وتوفير لفرص العمل، فإن ذلك كله لا يمكن أن يتم إلا فى مناخ منفتح بقواعد سليمة محددة، وضمانات واضحة لتكافؤ الفرص، ومنع الاحتكار سواء فى السياسة أو الاقتصاد.

لا أريد أن أتطرق إلى تفاصيل اقتصادية، فالخبراء الاقتصاديون أدرى منى بذلك، لكن ما يلفت النظر فى العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، بعض الأسئلة التى بإجابتها قد نرى صورة للطريق الذى نريده لبدء إصلاح اقتصادى حقيقى، كيف لمستثمر يريد أن يدخل السوق أن يضمن تكافؤ الفرص بينه وبين منافس يقدم نفسه على أنه قريب من السلطة مثلًا؟!، فى الظروف الطبيعية القانون وحده يمنع الاحتكار، ويحمى تكافؤ الفرص، لكن ألا توجد ممارسات احتكارية واضحة وضوح الشمس، ومحمية أحيانًا بقرارات حكومية؟!، السؤال الآخر هل يضمن أى مستثمر يريد أن يدخل السوق، أن ما يملكه من معلومات هو ذاته ما يملكه منافسوه؟!، أم أن هناك مَن يعلم أكثر؟!، وهناك البعض غير المرضى عنهم قد تغيب عنهم الشفافية؟!.. سؤال آخر أكثر أهمية، حينما تصدر قرارات اقتصادية تؤدى إلى غلاء واضح فى أسعار سلع وخدمات عديدة، وهى قرارات يراها مَن أصدرها أنها حتمية لمعالجة مشاكل اقتصادية موروثة منذ زمن طويل، السؤال: هل حينما صدرت تلك القرارات جاءت فى سياق رضا شعبى متفهم لما جرى أو ما قد يجرى؟!، هل هناك إجراءات حقيقية لحماية كل الطبقات من الآثار الخطيرة لاستمرار عملية الذبذبة فى الأسعار؟!، هل هناك إحساس عام بأن تلك القرارات تنال من الطبقات الوسطى والأكثر فقرًا فقط دون الباقى؟!، هل هناك سياسيون متصلون بالجمهور لشرح ما يحدث بشكل علمى، أم ستكفى طريقة أن كل من يعارض أى قرارات رسمية خائن وخلاص؟!.

بصراحة شديدة لا يمكن ضمان إصلاح اقتصادى دون أن يتم ذلك برضا وتوافق شعبى، وبمكافحة واضحة للفساد وتحقيق للشفافية وحرية تداول المعلومات، ولا تكفى النوايا الصادقة فى الإصلاح، دون خطوات على الأرض للقضاء على البيروقراطية التى هى المدخل الرئيسى للفساد. لذلك نقول ببساطة إن الإصلاح السياسى أمر حتمى لإصلاح اقتصادى حقيقى فى عصر المعلومات، فما كان ينفع بالأمس بالقطع لا يصلح للغد.