رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غيبوبة مايو 1967


ذكرنا فى المقال السابق أن جمال عبدالناصر أكد يوم ٢ يونيو ١٩٦٧، فى اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة، ضرورة عدم البدء بالهجوم، وعلى أهمية تلقى الضربة الأولى، وأخبرهم أن الهجوم سيبدأ خلال ٤٨ ساعة.
فى ٢٦ مايو ١٩٦٧م وفى مقاله «بصراحة» فى صحيفة الأهرام، أعلن محمد حسنين هيكل أن المواجهة المسلحة مع إسرائيل أصبحت واقعة لا محالة ولكننا سننتظر الضربة الأولى منها ونرد عليها بضربة ردع حاسمة.
فهل كان عبدالناصر يعلم موعد الضربة الجوية التى ستوجهها إسرائيل ولم يقم بعمل اللازم لمنع تلك الكارثة، مع أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة؟.
فقد جاء فى مقال فى صحيفة الشرق الأوسط فى ١٧ يوليو ١٩٨٦على لسان الفريق أول محمد أحمد صادق، مدير المخابرات الحربية عام ١٩٦٧ أنه فى أحد الاجتماعات العسكرية التى عقدت برئاسة عبدالناصر يوم ٢ يونيو ١٩٦٧، أعلن عبدالناصر أن معلوماته التى حصل عليها شخصيًا من مصادر دولية كبيرة كالهند، تؤكد هجوم إسرائيل يوم ٤ أو ٥ يونيو.. وتقرير المخابرات بصوت مسموع: «إن إسرائيل ستهجم يوم ٥ يونيو».
كما كانت هناك معلومات أرسلها رأفت الهجان (الجاسوس المصرى فى إسرائيل) تقول إنه أبلغ المخابرات العامة بأن الهجوم الإسرائيلى سيبدأ فى ٥ يونيو، وأنه تم إبلاغ الرئيس عبدالناصر.
كما قام عضو فى المخابرات العامة اسمه عز الدين شرف، ويعمل مفوضا فى السفارة المصرية بباريس بإبلاغ شقيقه سامى شرف مدير مكتب الرئيس عبدالناصر تفاصيل خطة الهجوم وساعة وتاريخ الهجوم على مصر.
الغريب أنه قيل إن هناك خطة هجومية أعدها المشير عبدالحيكم عامر للهجوم على إسرائيل، وإن تفاصيل الخطة تسربت، وعرفتها أمريكا وإسرائيل، والأغرب أنها وضعت دون معرفة أو علم الرئيس جمال عبدالناصر. كان من الواضح أن هناك نزاعا خفيا بين عبدالناصر كرئيس للجمهورية وصديقه وزميله فى مجلس القيادة المشير عبدالحكيم عامر، وزير الحربية. هذا النزاع الذى ربما بدأ فى أعقاب انفصال سوريا عن مصر عام ١٩٦١، بسبب الإدارة الفاشلة للمشير عبدالحكيم عامر فى سوريا، والتى أدت إلى هذا الانفصال، وفى عام ١٩٦٢ حاول عبدالناصر إبعاد المشير عن الجيش لكن محاولته فشلت. وظل عبدالحكيم على رأس الجيش، بل نجح المشير فى عزل الرئيس عن شئون الجيش وتكوين شلة من أعوانه تتحكم فى كل ما يتعلق بالجيش، وانعكس هذا الصراع بين الرجلين على تصرفاتهما.
كان عبدالناصر مشغولا بالزعامة، وكان بعيدا عن القوات المسلحة التى هو رئيسها الأعلى فلم يهتم حتى بمجرد إنقاذها من الهجوم الإسرائيلى الوشيك الذى علم به من مصادر متعددة. كان هناك واجب وطنى وأخلاقى يحتم عليه اتخاذ ما ينقذ به جيشه من المصير المحتوم الذى ينتظره، وهو ما وقع بالفعل يوم ٦ يونيو، عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية كل المطارات الجوية المصرية، والغريب أن طائرة المشير كانت تقله فى رحلة إلى الجبهة فى سيناء فى نفس توقيت طيران الطائرات الإسرائيلية، وهو ما أجبر قائد طائرة المشير على العودة إلى مطار ألماظة، واستقلال تاكسى إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، ليحاط علما بالكارثة. ولكنه لم يتوقع أن الكارثة الأفدح كانت فى الهجوم البرى الشامل على سيناء بالمدرعات، واكتساح الجيش المصرى فى أكبر هزيمة عسكرية فى تاريخ الجيش المصرى صاحب الخبرات الحربية العريقة، فهو الجيش الذى قاتل الوهابيين فى السعودية وتمكن من تحقيق نصر لصالح الدولة العثمانية بقيادة إبراهيم، ابن محمد على، وهو الجيش الذى هدد الدولة العثمانية فى عهد محمد على، والجيش الذى حارب الروس فى المورة لصالح الدولة العثمانية، كل هذا انهار بسبب قائدين تتنازعهما المصالح الذاتية لتقع الكارثة.