رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمرو سليم: الكاريكاتير فن صناعة الدهشة.. "المعصرة" أطاحت بالإخوان.. وقصة حب لفتاة وراء تشجيعي للزمالك (حوار)

جريدة الدستور

حين تتجوّل في أرشيفه، تجد أن ذلك الرجل ناضل بقلمه حق النضال، وجاهد بريشته لأجل انتزاع أحلام صدحت من أجلها الحناجر في ثورات الميادين، محاولًا رسم بسمة فوق شفاه حزينة تتعذب من آثام السياسة وقهر المعيشة.

يرى صاحب الريشة في نفسه ذلك الرجل الذي عاش مخلصًا لمهنته، مؤكدًا أنه طوال مسيرته مع صاحبة الجلالة لم يخن قلمه، فمبدأه في الحياة هو الصدق، فهو ليس في عداد مَن يخونون ضميرهم الصحفي، بحثًا عن دراهم معدودات.

عمرو سليم، مساعد رئيس تحرير المصري اليوم، رئيس قسم الكاريكاتير، التقته «الدستور» في حوار خاص سرد فيه رحلته مع ذلك الفن المبدع، ومستطلعًا هلال المستقبل، وغير ذلك من الأمور، وإلى نص الحوار:




◘ بداية.. كيف نشأ الترابط الفكري والمادي بين فنان الكاريكاتير عمرو سليم وريشته؟

- نقطة الانطلاق بدأت وأنا في الرابعة من عمري، وقتها كنت أحتفل بعيد ميلادي، حينها حضر عمي الفنان التشكيلي أحمد فؤاد سليم لتهنئتي، وأحضر معه هدية لي عبارة عن «سبورة وطباشير»، وبعد أن منحني تلك الهدايا، طلب مني إخراجهما، وعندها بدأ في رسم صورة لسيارة.

وبعد أن فرغ من عمله، وجدت نفسي أمام تحفة فنية، خُيل إليّ من فرط جمالها أن السيارة تسعي وتتحرك، وبدت الخطوط وكأنها تسري فيها الروح، ليتعلق قلبي من حينها بالريشة والقلم.

◘ كيف جاءت الخطوات التالية التي يمكن أن نسمها بوادر اختراق مرحلة الاحتراف؟

- عشقي للرسم دفعني للالتحاق بالمعهد العالي للسينما قسم الرسوم المتحركة، وبعد تخرجي فيه، أتتني فرصة العمل في الصحافة عن طريق الراحل النبيل مجدي مهنا، والذي كانت تجمعه الصداقة بوالدي، وكان يشغل وقتها منصب رئيس تحرير «وفد الصعيد»، إحدى الإصدارات المتفرعة من جريدة «الوفد».

عندما التقيت بـ «مهنا» طلب مني الإطلاع على بعض رسوماتي، وعندما شاهدها، أثنى عليها ثناءً حسنا، ليقرر حينها منحي الصفحة الأخيرة في تلك الجريدة أفعل فيها بريشتي ما أشاء.

◘ ما هي قصة التحاقك بعالم روز اليوسف الثري بالريشة والأب الشرعي لعظماء فن الكاريكاتير؟

- يجيب على الفور قائلًا: « لولا والدي ما التحقت بـ«روزا»، وإن كان هذا لا يمنع من أنني نجحت في إثبات ذاتي، فالواسطة قد تحميك لبعض الوقت، لكنها لن تدعمك طوال الوقت».

وهناك واقعة شهيرة مازالت أذكرها وكأنها وقعت بالأمس، فبعد أيام من التحاقي بالجريدة، جمعني لقاء مع المشرف الفني على قسم الكاريكاتير محمد بغدادي، وعندها وجدته يطلب مني الإطلاع على تراث السابقين من رسّامي الكاريكاتير، مؤكدًا لي أن ذلك سبيلي نحو صناعة المجد الشخصي، وبالفعل، بدأت من حينها المكوث في الأرشيف من الثامنة صباحًا حتي الثانية ظهرًا، أطالع كل ما سطره عباقرة ذلك الفن أمثال حجازي وصلاح جاهين وغيرهم من إبداعات، وكان ذلك سببًا في تطوير قدراتي ونمو مهاراتي.

◘ تُرى.. متى كان الميلاد الحقيقي لاسم عمرو سليم؟

- الميلاد الحقيقي لعمرو سليم كان داخل جنبات «روز اليوسف»، وتحديدًا خلال عام 1988، عندما رسمت كاريكاتير كان يسخر من وضع ما حينها، ونال حينها إشادات الجميع، وإليه يعود الفضل في جذب الانتباه إلىّ وتوجيه الأنظار نحوي.
◘ بعد التألق والتّوهج على صفحات «روزا» اخترت وقتها الانتقال إلى «الدستور».. فلماذا قررت حينها الانقلاب على بيتك الذي صنع اسمك؟

- يضحك مجيبًا: لم انقلب على بيتي ولا أقدر على فعل ذلك، كل الحكاية وقتها أن الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي رئيس تحرير «الدستور»، طلب مني تأسيس قسمًا للكاريكاتير على غرار القسم الموجود بمجلة «صباح الخير»، وعندما طالبني عيسي بذلك، كان ذلك مصادفًا لهوى في نفسي يدفعني نحو خوض غمار تجربة جديدة.

◘ بصراحة.. هل اشتياق ريشة عمرو سليم لسقف حرية مرتفع وغير مقيد بحدود هو الذي دفعك للانتقال إلى «الدستور» بدلًا من «روزا»؟

- أولًا، دائمًا ما أعتبر نفسي رسام كاريكاتير معارض، يقول رأيه عبر ريشته، وإن كان هذا لا يمنع أنني كنت منتبهًا لحدود دوري الذي أؤديه، وكنت من المقتنعين في كل التجارب الصحفية التي خضتها بأن كل جريدة دائما ما يكون لها أجندة وسقف معين لا تتخطاه.

ثانيًا؛ خلال الفترة الطويلة التي قضيتها في «روزا»، لم أتعرض لأية مضايقات، بل على العكس كان هناك حرية في اختيار الفكرة، وهناك تعلمت الدرس الأكبر في حياتي، إلا وهو؛ الكاريكاتير خًلق ليعيش، وليس لأن يكون مثل الشهاب الثاقب يمر دون أن يشعر به أحد.

ثالثًا؛ تجربتي في «الدستور» كانت مرحلة متميزة، فالجريدة نجحت في كسر تابوهات لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها، وأعلت من سقف الحرية المتاح آنذاك، وهو ما شكل دافعًا لنا للانطلاق والإبداع.

◘ رغم الثناء الذي تحمله لتجربتك في «الدستور».. لماذا اخترت الانتقال إلى المصري اليوم؟

- عندما عرض علىّ الانضمام إلى المصري اليوم في 2008 لم أتردد في الموافقة حينها، والسبب أنني وجدت نفسي بحاجة إلي أرضية جديدة، وريشتي مشتاقة لرسم كاريكاتير جديد، وبالفعل نجحنا في تقديم حالة مختلفة، توجتها ثورة يناير، عندها انتابني شعور بأنني حققت كل ما أصبو إليه، وهو ما كان سببي في انتقالي للعمل بجريدة «الشروق».

◘ لماذا لم تستمر في العمل داخل المصري اليوم خاصة وأن الأحداث كانت مشتعلة والثورة لم تؤتِ أكُلها بعد؟

- بعد ثورة يناير شهدت مصر ذروة صعود تنظيم الأخوان، وكانت المصري اليوم أخذت على عاتقها تبنّي فكرة المعارضة الشديدة للتنظيم، وقتها حدثتني نفسي بأنه من الأفضل أن توجد منصة أخري تعارض هي الأخرى الجماعة بجانب « المصري اليوم»، وهو ما دفعني للانتقال إلي جريدة «الشروق»، وهي تجربة كانت ممتعة جدًا، ونجحت خلالها في اكتشاف 13 رسامًا جديدًا، لم يتبق لأي منهم أثرًا بعد رحيلي.

لكن تبقي النقطة المضيئة والأهم خلال تلك الفترة، تجلت في باب المعصرة؛ ذلك الباب الذي قمنا بصياغته أنا وبلال فضل، وكانت أحد الأسباب التي ساهمت في إزاحة حكم الأخوان البغيض، وذلك بشهادة كثيرين وعلى رأسهم المهندس إبراهيم المعلم مالك «الشروق».
◘ بحكم التجارب الكثيرة التي خضتها من هو رئيس التحرير الذي جمعتك كيمياء خاصة به؟

- رؤساء التحرير الذين تعاملت معهم تجاوبوا مع موهبتي بالاحترام والتقدير، ورغم التباين والاختلاف إلا أنني لم أتعرض لأية مضايقات، لكن بشكل شخصي تبقي تجربتي مع كلا من إبراهيم عيسي والراحل عبد الله كمال هي الأقرب إلي قلبي والأمتع لريشتي، فمثلًا عبد الله كمال كان صريحًا مع نفسه ومع أفكاره، وعندما تولّى رئاسة تحرير روزاليوسف لم يرغمني على ترك «الدستور»، بل طلب مني تأسيس قسم للكاريكاتير على غرار المتواجد هناك.

وأذكر أنه طلبني ذات يوم وحدثني قائلًا: « أريد أن أعقد معك اتفاق جنتلمان، ابتعد عن نقد مبارك وعائلته والمؤسسة العسكرية، وعدا ذلك اطلق لريشتك العنان»، وقد التزمت باتفاقي معه ولم أخلفه الوعد والعهد.

فترة العمل مع إبراهيم عيسي تميّزت بجرأتها الشديدة فقد كان جريئًا في طرح الموضوعات والاشتباك مع القضايا دون التقيد بسقف، وتميز بقدرته على كسر كافة القيود.

◘ عندما بدأت أولى خطواتك مع الريشة.. أيًا من العمالقة السابقين تمنيت أن تكون امتدادًا له؟

- لم يكن لدىّ إعجاب بأحد، فتلك المهنة اخترت العمل فيها لولعي الشديد بها، فقط، كنت أبحث عن أفعل ما أحب، وكان همي الأكبر وشغلي الشاغل هو رسم كاريكاتير ناجح، ومع ذلك وبعد فترة وجدت من يشبهني بـ العظيم «حجازي» والمبدع «صلاح جاهين»، ولم تكن تلك التشبيهات إلاّ دافعًا لشخصي لمزيد من العمل بذمة وضمير فداءً لمهنة أعشقها.

◘ من أين تستقي ريشة عمرو سليم أفكارها؟

- دائمًا ما اعتبر سؤالي عن الفكرة هو أصعب الأسئلة التي أتلقاها، فالفكرة رزق، فقط كل ما أفعله هو أنني أتابع الصحافة اليومية بشغف، بجانب إطلاعي على ما تثيره السوشيال ميديا، وهي أشبه بالوَمْضة تأتي بسرعة البرق، دون أن يحدث أي تدخل من جانبي، وأحيانا أشرع في رسم فكرة، وبعد أن انتهي منها، تداهمني أخري، فأشرع في تنفيذها وأترك الأولي، وهكذا.

◘ تقول إنك تمتعت بالحرية في رحلتك الصحفية ولم تتعرض لأي ضغوط.. هل تمارس ذلك الدور مع فريقك الذي تقوده أم تتدخل أحيانا بالمنع والمنح؟

- على الفور يجيب الرسام المشاغب: أعطيهم الحرية المُطلقة، ولا أتدخل بالمنح أو المنع، وأحيانا أجد بيني يدي رسوم أتأكد أنها لن تُنشر، ومع ذلك أعُمل دوري في عرضها على مجلس التحرير لعلها تأخذ طريقها إلي النشر، بل أنني لا أدعي قولًا أنني في أحايين كثيرة أجد نفسي مختلفُا أشد الاختلاف مع بعض الرسومات، ومع ذلك لا أتخذ موقف مضاد لها، بل عادة أكون من أكبر الداعمين، وهذا مناهجي في العمل لا أحيد عنه.

◘ بصراحة.. هل رسمت ريشتك في أحد الأيام كاريكاتيرًا لم تكن مقتنع به؟

- لم يحدث أن قمت برسم كاريكاتير غير مقتنع به، وأذكر أنه خلال النصف الثاني من التسعينيات جاءني عرض براتب مُغري جدًا من أحد الصحف القطرية للعمل بها، وبعد أن التحقت بالعمل بفترة بدأت الجريدة في صب جام غضبها على الشعب المصري، وقتها طلبوا مني أن أحول تلك الكلمات التي تسفه من المصريين إلي رسوم كاريكاتيرية، لأجد نفسي وقتها غير قادر على الرسم أو متقبل لأجواء العمل، وهو ما جعلني أبادر بتقديم استقالتي، بالرغم من ضخامة المبلغ الذي كنت أتقضاه، فالمبدأ عندي لا يتجزأ.
◘ برأيك هل يحتاج فن الكاريكاتير إلى الحرية كي يتوهّج؟

- بالطبع يحتاج إلي الحرية لكي يتوهج، لكني دعني أقر بحقيقة استنبطها بحكم خبراتي، إلا وهي؛ كلما زادت درجة البطش والقيد والمنع والخطوط الحمراء، كلما زادت درجة الإبداع.

◘ عاصرت فترة حكم مبارك وعايشت حكم الإخوان وقضيت شطرًا في العمل تحت حكم النظام الحالي، ما هي أكثر الفترات حرية في العهود الثلاثة؟

- يُجيب متحسرًا: للأسف فترة حكم مبارك هي أزهي عصور حرية فن الكاريكاتير، بالرغم من أن ثورة يناير قامت لزيادة تلك المساحة من الحرية.

◘ وهل يحتاج فن الكاريكاتير إلي أحداث مشتعلة لكي يظل جاذبًا للقارئ، أم أن الموضوع مقتصر على خيال الرسام؟

- بنسبة مليون في الميّه يحتاج إلي أحداث، لذا تجدني دومًا أقول بأن أكثر رسام محظوظ في العالم هو الرسام المصري، فدائما يوجد جديد في الشارع، وأكثر ما يميز الساحة السياسية المصرية هو أوضاعها المقلوبة، وكل تلك العوامل تسهم في نضوج الريشة وتألقها.

◘ عمرو سليم لو طُلب منك وضع تعريف معيّن لرسام الكاريكاتير الموهوب.. ماذا تقول عنه؟

- رسّام الكاريكاتير عبارة عن فكرة وموهبة، ومَن لا يستطيع إيجاد فكرة ليس برسّام، لأن الفكرة هي روح ذلك الفن، وهو باختصار فن يحتاج إلى تركيبة معيّنة فيمَن يمارسه.

دعني أسرد لك موقفًا حدث أثناء عملي في صحيفة «الدستور»، فحين كنا نعمل وقعت في يدي رسمة لأحد الأشخاص عنوانها الإهمال، وعندما استفسرت عن سبب خروجها بذلك الشكل السيئ أجابني: «على قد فلوسهم»، وهو ما دفعني على الفور لإنهاء عمله معنا، فذلك الفن لا يمكن أبدًا التعامل معه بمنطق «السَّبوبة».

◘ تقول إن رسام كاريكاتير «فكرة».. ألهذا السبب كنت دائم النقد للمبدع الراحل مصطفي حسين؟
- مصطفي حسين فنان هايل ورسّام مبدع، لكن فقط تأمل الفترة التي قضاها في العمل في حضرة الصحفي الكبير أحمد رجب، والمدة التي عمل فيها من بعده بعد أن افترقًا، وستجد الفرق شاسعًا بين تلك الحقبتين الزمنتين.

وبالتالي فرسام الكاريكاتير ليس مطالبًا بأن يفكر له غيره، بل هو مدعو دائما بأن يخرج من بنات أفكاره موضوعاته ورسوماته.
◘ برأيك مَن هو رسام فن الكاريكاتير الأعظم على مدار تاريخه؟

- حجازي هو أفضل رسام كاريكاتير مر على الصحافة المصرية، ولا يتساوي معه في المقدار إلا المبدع العظيم صلاح جاهين؛ ذلك الرجل الذي احترمه كثيرًا، والذي امتلك الرسم اليومي، وكان عند حسن ظن القارئ، وكان قادرًا على دهشته بعبقريته، والدهشة هي سر أي فن ناجح.

◘ إبّان رئاسة تحرير الكاتب الصحفي محمد السيد صالح لـ«المصري اليوم»، أبدعت في تقديم «النافذة»، لماذا توقفت عن الظهور وهل من الممكن أن تعاود رسمها؟

- صفحة «النافذة» توقفت بسبب قرار إدارة تحرير الجريدة بوقف نشر الملاحق، بالرغم من أنها كانت من أقرب التجارب التي صنعناها، ونجحنا من خلالها في أن نلقي الضوء على الأقدمين من رسامي الكاريكاتير ممن لم ينالوا حظهم مع الشهرة أو الحظوة كالمبدع نبيل تاج، الذي بكي فرحًا بعد أن سلّطنا الضوء على سيرته، وعلى ذكر النافذة، هناك حديث عن عودتها بعد انقضاء شهر رمضان.

◘ عمرو سليم.. هل أثرت «كوميكسات» مواقع التواصل على جماهيرية فن الكاريكاتير؟

- منصّات السوشيال لم تؤثر في جماهيرية فن الكاريكاتير فمعظم ما ينشر عليها أشبه بالبرق الخاطف يمر دون أن يشعر به أحد وسرعان ما يذوب ويختفي عكس الكاريكاتير الذي دائمًا ما يمثل رأي ومسئولية وتأثير.

◘ أخيرًا.. ما هي قصة ارتباطك بتشجيع نادي الزمالك الذي يشغل حيزًا كبيرًا من رسوماتك؟

- دخل الرسام المشاغب في نوبة من الضحك: «الزمالك هو الحياة»، فأنا كنت من مشجّعي الأهلي حتي الصف السادس الابتدائي، وعندها أعجبتني بنت جميلة كانت من نفس عمرنا، جعلتني أقرر الانقلاب على أهلاويتي مشجعًا للنادي الأبيض.