رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المُجدد الأعظم.. إحياء عبدالمتعال الصعيدى

جريدة الدستور

- خطاب من حفيده لهيئة الكتاب فى ٢٠١٥ يتنازل فيه عن مستحقات كتب جده.. و٣ سنوات مرت دون طباعة إنتاجه
- علمنا «الإيمان العقلانى» والاستعمار أسهم فى وأد محاولاته للتجديد
- سيرته «حياة مجاهد فى الإصلاح» تكشف معاركه لتجديد الأزهر وأوضاع المجتمع فى أوائل القرن العشرين


هل سقط هذا الاسم سهوًا؟ أم أن هناك قصدًا فى إقصاء دوره وإنتاجه فى ركن بعيد من ذاكرة الفكر الدينى الإسلامى؟
يبدو السؤال الأول حسن النية للغاية، لأنه مع قليل من التفكير سندرك أن عبدالمتعال الصعيدى، ذلك العالم الأزهرى الذى خاض معارك عدة فى زمنه من أجل تجديد الخطاب الدينى، كان لا بد أن يتوارى فى زمن أضيق كثيرًا من رحابة أفكاره ومحاولاته التجديدية.
وفى الوقت الذى لا تزال فيه قضية التجديد الدينى مفتوحة، يقترب منها البعض ويبتعد عنها البعض الآخر، يظل الصراع دائمًا وأبدًا بين التجديد والجمود.
عبدالمتعال الصعيدى كان واحدًا من هؤلاء الذين انحازوا للتجديد، إنه ابن «أجا» الدقهلية الذى وضع يده على ما يعيب نظام التعليم فى الأزهر، وأسباب تراجع أوضاع المسلمين وغروب شمس الحضارة الإسلامية.
بعبارة أخرى، هو أحد رموز قضية التجديد الدينى فى مصر والعالم العربى، من هؤلاء الذين جاءوا بعد الإمام محمد عبده، ووضعوا العقل فى المكانة التى يليق بها فى فهم النصوص الدينية.
نصف قرن ويزيد على رحيل «الصعيدى» الذى حلت ذكرى وفاته الثانية والخمسين قبل ثلاثة أسابيع، وهى مناسبة لاستعادته من جديد، من ناحية لتعريف اسمه لمن لا يسمع عنه، ومن ناحية أخرى لسماع صوته فى مسألة تشغلنا كثيرًا حاليًا، وهى تجديد الخطاب الدينى، لربما نجد لديه إجابة ما.

مخطوطات نادرة فى مكتبته: عقوبات الردة والزنا والسرقة «اختيارية»
فى مكتبة الشيخ الراحل عبدالمتعال الصعيدى، التى يحتفظ بها نجله «مازن» كاملة، الكثير من الكنوز الفكرية التى تفوق ما نعرفه من فكره التجديدى، إنها ثورة ثقافية دسمة تغريك بنهم شديد لتصفح واقتناء هذه التركة المهمة، ومنها ننفرد بالكشف عن مخطوطات نادرة للأزهرى الراحل.
أهم هذه المخطوطات «الحدود فى الإسلام»، وهى فى الأصل ٦ مقالات كتبها الراحل فى جريدة «السياسة الأسبوعية»، وفيها يرى أن العقوبات الواردة فى القرآن بشأن الحدود مثل السرقة والردة والزنا، من قبيل الواجب المخير لا المعين، وأنه بإمكاننا استبدالها بعقوبات أخرى.
هناك أيضا المقدمة، التى كتبها الصعيدى بخط يده لسيرته الذاتية «حياة مجاهد فى الإصلاح»، التى تحدث فيها عن معاركه لإصلاح الأزهر وفتح باب الاجتهاد وأوضاع الفتوى. كما تقدم المذكرات رؤية للمجتمع المصرى من الداخل فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إذ كان قد تنبه إلى أن معوقات عملية التجديد متمثلة فى أدوات الاستعمار المستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه.
أما مقالته «مع الأزهرى التقدمى من الشيخ السبكى إلى فولتير»، فتحدث فيها عن معركته مع المفكر خالد محمد خالد، وكيف رد على كتابه «من هنا نبدأ» بكتاب مستقل عنوانه «من أين نبدأ».
ووقعت آيادينا أيضا على بعض الصفحات من كتاب «المجددون فى الإسلام» الذى ندد فيه «الصعيدى» بقتال الوهابية لمن خالفهم وتكفيرهم إياهم، إذ يعتبر الوهابية من المذاهب التى جرت الويلات على المسلمين.
ومن الموضوعات النادرة لـ«الصعيدى»، والتى وجدناها فى مكتبته، فتوى جواز انضمام مصر والدول الإسلامية إلى أى من المحاكم الدولية العاملة، إذ يقول فيها إن: «الإسلام لا يمنع من انضمام أى دولة إلى جامعة أمم عادلة بحيث لا يكون لها أثر للتعصبات الجنسية»، مستشهدا بأن دعوة الإسلام الأولى نهت الدول القوية عن استضعاف الأخرى الضعيفة.
عثرنا كذلك على نسخة قديمة من كتابه «القرآن والحكم الاستعمارى»، الذى صدر عن مكتبة الآداب، ولا نعلم هل أعيد نشره مرة أخرى أم لا، وكذلك نسخة قديمة من كتاب «دراسات قرآنية» عن دار «الاعتماد».
كما أن هناك صورة من خطاب من حفيد الشيخ الصعيدى لهيئة الكتاب فى أبريل ٢٠١٥ يتنازل فيه عن أى مستحقات مادية عن كتب جده، ويوصى بسرعة طباعتها، وتيسير أسعارها للقراء، ورغم مرور ٣ سنوات، لم نر شيئا من هذه الكتب حتى اليوم.
وإجمالا، ألف عبدالمتعال الصعيدى ٤٩ كتابًا مطبوعًا و٢٠ مخطوطًا وله ٢٤ مقالا بجريدة «السياسة» الأسبوعية، و٣٨ مقالا بجريدة «البلاغ» الأسبوعى، وأشهر مؤلفاته المتداولة «المجددون فى الإسلام، والقضايا الكبرى فى الإسلام، ولماذا أنا مسلم»، بخلاف كتابيه الأهم والأخطر: «الحرية الدينية فى الإسلام، وحرية الفكر فى الإسلام».