رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. لقد كنا سُذجًا

جريدة الدستور

- أذهلتنى جرأة مختار نوح فى أول خطبة جمعة أسمعها له
- مختار نوح اعترف لى: «كنا سذجًا»


لم يكن أصحابى الذين كانوا معى فى رحلة الصيف يهتمون بالإخوان لذلك لم أقص عليهم إلا النزر اليسير مما حدث فى لقائى مع هذين الشيخين الإخوانيين، والأعجب هو أننى لم أقص على أبى أى شىء مما حدث، رغم أن سعد لاشين أكد لى أنه يعرف أبى معرفة وثيقة، كما أنه كان صديقا لعمى!، ولكننى ذهبت إلى أحد أصدقائى المقربين، من الذين كانوا يهتمون بالإخوان ويذهبون إلى مقرهم فى سوق التوفيقية، كان ذاك هو «إبراهيم جمعة أبودراهم» عليه رحمة الله، الذى كان يزاملنى فى الكلية ويسكن فى منطقة الزيتون بالقرب منى.

قصصت على إبراهيم ما حدث فقال لى إنه يعرف محمد هلال وقابله أكثر من مرة فى مقر الإخوان إلا أنه لا يعرف سعد لاشين، وأخذ إبراهيم كعادته يطنب فى مدح الإخوان ويذكر لى معاناتهم والأهوال التى مرت عليهم، فدعوته أن يذهب معى إلى مقر الإخوان فى الثلاثاء المقبل فأبدى ترحيبه ولكنه طلب منى أن أذهب معه يوم الجمعة إلى مسجد بلال لنحضر خطبة داعية شاب اسمه مختار نوح، وقد كانت هذه هى أول مرة أسمع فيها عن مختار فسألته: هل هو من الإخوان؟، فقال مؤكدا: نعم وهو فوق ذلك على صلة طيبة بالمرشد عمر التلمسانى، ثم قصَّ علىّ معركة مختار نوح مع أيمن أبوشادى من أجل تمكين الإخوان من مسجد بلال، ولما كانت مشاعرى قد أصبحت سلبية تجاه أبوشادى لذلك رحبت بحضور خطبة الجمعة معه فى هذا المسجد، وكان أن اصطحبت معى مجموعة من أصدقائى كان منهم نصر فايد ابن «الشيخ محمد حسن فايد» رئيس جامعة الأزهر وقتها، وصديقى المقرب عز عبدالخالق، وصديق آخر أصبح فيما بعد من القيادات البنكية فى بنك فيصل الإسلامى وكان هذا الصديق قد أبدى تعجبه من ذهابنا لخطبة الجمعة فى هذا المسجد وقال إنه يعرف مختار نوح جيدا وإنه متطرف، وكان دليله على ذلك أن مختار يقوم ومعه العشرات من أهل الزيتون بتنظيم مسيرة قبل صلاة العيد ثم يصلون فى الخلاء ويخطب فيهم، ولكننى أقنعته بأننا يجب أن نسمع نوح لنحكم عليه. ويا للقدر، كان إبراهيم جمعة أبودراهم هو الذى عَرَّفنى على مختار نوح، ثم كان هو الذى وثَّق الصلة بينى وبينه فيما بعد، وبعد تخرجنا فى الكلية بعدة سنوات مات إبراهيم متأثرا بمرض خبيث، ووقعت أنا فى براثن جماعة خبيثة!.
سمعتُ خطبة نوح وانبهرت بطلاقته وقدراته الخطابية، ثم أذهلتنى جرأته التى لم أتعود عليها إلا من الشيخ كشك، فقد هاجم مختار نوح السادات واعتبره خطيئة كبرى ووصفه بفرعون العصر الحديث، وهاجم زوجته السيدة جيهان، وما زالت خطبته هذه محفورة فى ذاكرتى لم أنسها أبدا، والغريب أنه نسى تفاصيلها وحفظت أنا دقائقها، وحينما أستعيد مع مختار ذكرى هذه الأيام، وتلك الخطبة وما قاله فيها يتحسر ويقول: لقد كنا سُذجًا، اندفعنا دون علم ولا بصيرة وتأثرنا بما قيل لنا عن مذابح الإخوان فى سجون ناصر وصدَّقناها دون أن نعمل عقولنا، ويسترسل نوح دائما: كانت شخصية عمر التلمسانى قد تركت أثرا كبيرا فى نفسى. وسبحان الله، يبدو أن مختار نوح سيظل إلى أن نلقى الله جُملة فى حياتى، وسأظل جُملة فى حياته، أحيانا جُملة اسمية وأحيانا فعلية، وأحيانا أخرى اعتراضية، ولكنها فى كل الأحوال ستظل جملة مفيدة وبليغة.
نعود إلى شهر سبتمبر من عام ١٩٧٧ ونعود إلى يوم الثلاثاء التالى لخطبة الجمعة التى رأيت فيها مختار واستمعت له، حيث توجهت أنا وإبراهيم أبودراهم إلى مقر الإخوان فى شارع سوق التوفيقية بعد أن صلينا الظهر فى أحد المساجد الصغيرة بشارع عبدالخالق ثروت، وفى مقر الإخوان تولى إبراهيم قيادتى حيث أفهم أحد الموجودين أن هناك موعدا مع الحاج سعد لاشين، جلسنا على أريكة فى الصالة إلى أن خرج لنا الحاج من حجرة فى الداخل، وبعد أن سلَّم علينا أخذنى وحدى إلى الحجرة التى خرج منها بعد أن استأذن من إبراهيم، وقبل أن نجلس قال لى بوجهٍ متجهم: لقد أخطأت يا ثروت خطأً كبيرًا.