رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «18»

محمد الباز يكتب: سيد قطب يركب ظهر كشك

جريدة الدستور

- الشيخ مارس كل ألوان النصب الدينى والسياسى فى الدفاع عن التفكيرى الأكبر
- عدوية عندى أفضل من سيد قطب لأنه لم يعرف طريق القتل والخراب
- كشك ادعى أنه اعتقل لرفضه القول بصحة إعدام سيد قطب.. وشهادة لـ«خالد محمد خالد» تكشف كذبه
- الواعظ صنع جزءًا من أسطورة سيد قطب لدى عناصر الجماعات الإرهابية

لم أفارق الواقع أبدًا عندما قلت إن كشك لم يكن إلا دجالًا دافع عن إرهابى هو حسن البنا.
ولن أفارق الواقع أيضًا عندما أقول هنا إن كشك مارس كل ألوان النصب الدينى والنفسى والسياسى أيضًا وهو يرسم صورة سيد قطب.
واقعيًا لا يمكن أن ننظر إلى سيد قطب على أنه مجرد كاتب أو أديب أو مفكر أو مفسر للقرآن أو صاحب دراسات يعتبرها البعض مهمة، لأنه ورغم إنجازه لذلك كان الأب الروحى لجماعات القتل والتكفير والتفجير، وهو ما يجعل إنجازه الفكرى بالنسبة لى وبالنسبة لكثيرين غيرى بلا قيمة، إذ كيف يستقيم لإنسان أن يكون مبدعًا وقاتلًا فى وقت واحد؟.
كان سيد قطب شخصية بغيضة، جمع فى قلبه كل أشكال الدونية والأنانية والغيرة والحقد والحسد تجاه كل الناس، كان يعتقد أنه يستحق أن يكون قائدًا أو رئيسًا أو ملكًا أو خليفة، ولما لم يحصل على شىء من ذلك، تحول إلى قنبلة كراهية انفجرت فى وجه العالم كله، قرر أن يدفع الجميع ثمن فشله وإخفاقه.
كان إعدام سيد قطب خطأ ما فى ذلك شك.
لا أقول ذلك لأنه كان مظلومًا، ولكن لأن إعدامه منحه شرعية البقاء، وعبر جماعات مهووسة بالكراهية هى الأخرى، أصبح نبيًا مرسلًا بالنسبة لهم، ليس مهمًا أنه نبى القسوة، والأنبياء ليسوا قساة أبدًا، لكنه أصبح نبيًا والسلام.
هل أنقل لكم صورة أتخيلها كثيرًا عن سيد قطب، رسخت فى ذهنى بعد أن قرأت تقريبًا كل ما كتبه وما كتب عنه.
أتخيل أن سيد قطب يطل على العالم الآن من الجحيم، ورغم العذاب الذى يلقاه، إلا أنه سعيد بما يحدث بسبب أفكاره، كل قطرة دم تسال بسبب كلمة كتبها تنعشه، كل روح تنزع من جسد صاحبها عنوة بسبب رأى دونه تمنحه فرحة خاصة، كل أرض يحيط بها الخراب من كل مكان تمنحه شهادة بأنه نجح، ولذلك فهو دائم الابتسام، وربما يكون دائم السخرية أيضًا من هؤلاء الذين يعتقدون أنهم أحق بحكم العالم، رغم أنهم بلا مستقبل، فمصيرهم مثله، سيقتلون أيضًا، لكن الفارق أن دماءهم بلا ثمن، أما هو فقد أصبح خالدًا.
ما الذى أدخل سيد قطب على خط كشك وعدوية؟
لا أعرف على وجه الدقة أين كان أحمد عدوية عندما كان سيد قطب يخطط ويدبر لقلب نظام الحكم؟
ما الذى كان يفعله المغنى فى نفس الليالى الطويلة التى كان يجلس فيها الإرهابى الأعظم مع رفاق خطته وتدبيره يلقنهم أدوارهم التخريبية؟
أين كان عدوية فى الليلة التى اعتقل فيها سيد قطب؟
وقتها كنا فى العام ١٩٦٥، تحديدًا فى ٢٩ أغسطس.
لم يكن عدوية قد بلغ العشرين من عمره، ووقتها أيضًا كان لا يزال فى رحلة البحث عن نفسه، هناك من يقول إنه لم يأت من بلدته فى المنيا إلا وعمره عشرين عامًا، وبحسبة بسيطة يعنى ذلك أنه أتى فى العام ١٩٦٩، لكن مجريات حياته تقول إنه أتى إلى القاهرة قبل سنوات طويلة، عاش فى شارع محمد على، وجلس على مقاهيه، وعمل مع فرقة، فى انتظار الفرصة التى يحصل من خلالها على كل حقوقه فى الحياة.
قد لا يذكر عدوية ما الذى فعله بالضبط فى هذه الليلة، لكن حياته تقول لنا إنه كان هناك واحد ضمن جلسة فى قهوة يغنى أو يستمع فيها إلى ما يحبه، أو يعزف فى فرح وراء راقصة ينتظر أن تنتهى الليلة حتى يحصل على أجره، أو كان ليلتها بالتحديد عاطلًا عن العمل، لا يجد ما يفعله، فتسكع هو وأصدقاؤه فى شوارع القاهرة الواسعة، التى لم يكن يتخيل أنه يمكن أن يكون واحدًا من ملوكها بعد سنوات قليلة.
وقد تلومنى على هذه المقارنة، فكيف أقارن من كتب «فى ظلال القرآن»، بمن غنى «السح الدح امبو»؟
من أرضية موضوعية بحتة ومجردة أقول لك، إن عدوية عندى أفضل وأكرم من سيد قطب، وهذا رأى لا يحكمه الهوى ولا المزاج، بقدر ما يحكمه ما قدمه كل منهما للبشرية، ما الذى استفدناه مما كتبه قطب غير القتل والدماء والخراب والنزاع والشقاق، لكن عدوية على الأقل يمكن أن يدخل الفرحة أو البهجة على قلب شخص واحد بعد أن يسمعه يغنى، وهذا يكفيه جدًا ويكفينا جدًا منه.
على عكس عدوية كان كشك متورطًا، صحيح أنه لم يكن قد وصل إلى قدر كبير من النجومية، مجرد واعظ فى مسجد «عين الحياة» الذى انتقل له منذ أقل من عامين، ميوله الإخوانية واضحة، لم تكن تخفى على أحد، وهو ما رصدته الأجهزة الأمنية، التى أدركت أن هناك تنظيمات تحاول إحياء فكر الإخوان ودعوتهم.
حاول كشك أن يوحى لمتابعيه بأنه اُعتقل فى العام ١٩٦٦ لأنه رفض أن يحل دم سيد قطب، بعد أن طلب عبدالحكيم عامر منه ذلك عبر وسطاء.
روى كشك هذه الواقعة فى مذكراته، ورواها وهو فوق المنبر أكثر من مرة.
فى خطبته رقم ٣٩٣ التى ألقاها فى ٥ ديسمبر ١٩٨٠، قال: فوجئت باثنين يطرقان على بابى وقت الظهر، وفتحت الباب وجلست معهما وعرّفانى بنفسيهما بأنهما يعملان فى مكتب المشير، أى أنهما من رجال المخابرات، وماذا يريدان منى؟ فقالا لى: إنا جئناك من قِبل الزعيم والمشير، وإنهما يطلبان منك كلمة واحدة تقولها يوم الجمعة للمصلين، وبعدها سترى المنح والدرجات والمكافآت والمنصب المرموق. وجلست أستمع، وكان اليوم يوم خميس، وأنا أهيئ نفسى للوقوف بين يدى الله يوم الجمعة، وقلت: وما تكون تلك الكلمة؟ فقالا لى: أن تعلن على المصلين أن سيد قطب يستحق الإعدام والقتل.
سألهما كشك كما يدّعى: وإذا لم أفعل ماذا تكون النتيجة؟
قالا له: أنت تعلم النتيجة، فاستفسر منهما الشيخ: هل النتيجة أن أذهب إلى الجحيم؟
فقالا: نحن لا نملك جهنم، إنما نملك السجون.
لم يفعل كشك ما طُلب منه، ويكمل روايته: مضى أسبوع ويوم الخميس الذى بعده، كان البيت يُفَتش فى الساعة الثانية ولم يجد المفتش إلا مصحفًا، ما رأى شيئًا يستطيع أن يحاكمنى به إنما وجد مصحفًا، فلما امتلأ غيظًا رمى المصحف فى الشارع، فقلت له: إنك لا ترمى كتابى، إنما ترمى كتاب من لا يغفل ولا ينام.
كان الشيخ كشك كاذبًا تمامًا فى روايته تلك، ليس لأنى سمعت الرواية الحقيقية من أحد، ولكن لأنه فى كل مرة كان يروى الحكاية، تأتى بطريقة مختلفة وبتفاصيل متناقضة، يضيف ويحذف، وكل ذلك بغرض تثمين ما لديه.
قبل ما يقرب من ٧ أشهر، وبعد أيام من اعتقال سيد قطب، تم القبض على كشك ولمدة لا تزيد على ساعات قليلة، لكن هذه المرة كان قطب حاضرًا، يقول كشك عن هذه الواقعة: ذات يوم من أيام شهر أغسطس عام ٦٥، فوجئت بالباب يطرق طرقات عنيفة، وبمجرد أن فتحت الباب دخلت جماعة غلاظ شداد وقاموا بعملية التفتيش، وكانت جناية لا تُغتفر إذا ضُبط لدى أحد كتب شهيد الإسلام الأستاذ سيد قطب، خاصة كتابه «معالم فى الطريق»، وكان هذا الكتاب بين يدىّ، لكن الله سلّم فلم ينتبه أحد لهذا الكتاب.
قُبض على كشك وسُئل عن بعض الذين تم القبض عليهم فى قضية سيد قطب، لأنهم كما قال هو، كانوا يصلون فى مسجده، وبعد أسئلة اعتيادية عن نشاطه فى المسجد، وما الذى يقوله، صرفوه، وهو الذى كان يعتقد أنه سيتم احتجازه، لكن بعد ما يقرب من سبعة أشهر وفى أعقاب ما ادعاه من رفضه حل دم سيد قطب تم القبض عليه، ولم يخرج من السجن إلا فى مارس ١٩٦٨.
يصدق كثيرون أن كشك دخل السجن بسبب رفضه الحديث ضد سيد قطب، ولأنه لم يقل إن دمه حلال، معنى ذلك أن عبدالناصر ورجاله طلبوا من آخرين ذلك، ونفذوا، ومن لم ينفذ مثل كشك حبسوه، أو عذبوه.
هنا لدى واقعة تكذب ما قاله كشك، بل تجعل منه خيالًا كاملًا، لا يمكن الوثوق فيه أبدًا.
تعرفون الكاتب الكبير خالد محمد خالد، واحد من الكتاب الأفذاذ، تخرج فى الأزهر لكنه لم يبق طويلًا عبدًا له ولأفكاره القديمة.
فى كتابه «قصتى مع الحياة»، الذى سجّل فيه مذكراته، ذكر «خالد» ما ينسف رواية كشك.
يقول «خالد» فى الصفحة ٥١٦ تحديدًا: جاء الدور على الإخوان المسلمين، فبطشت بهم الثورة بطشتها الكبرى، فى الوجبة الأولى أعدمت مجموعة من زعمائهم على رأسهم الأستاذ عبدالقادر عودة والشيخ محمد فرغلى، وفى الوجبة الثانية التهمت رأس الأستاذ سيد قطب ومن معه، وبين الوجبتين أصلت الإخوان سعيرًا.
يصل «خالد» إلى قلب ما أقصده، يقول: أذكر فى تلك الأيام أن الأستاذ على زين العابدين، رئيس الاستعلامات، ترك لى بالمنزل رسالة تليفونية يرغب فى أن أزوره بمكتبه، وحين التقينا بدأ حديثه ناقلًا إلىّ تحية الصاغ صلاح سالم، وزير الإرشاد يومئذ، ثم رجاءه بأن أكتب ضد الإخوان كتابًا سيطبعون منه مئات الألوف ويوزعونه على الشعب، فوجمت وحزنت وسألته: هل هان شأنى عند الثوار إلى الحد الذى يظنون فيه أنى سأقبل هذا الرجاء؟
فرد على زين العابدين: إنهم يعتقدون أنك وحدك القادر على مناقشتهم وإقناع الناس بأخطائهم، فقال له «خالد»: يا سيادة الأخ، لقد ناقشت الإخوان، ونقدت فكرهم وسلوكهم يوم كان بعض قادة الثورة من مجاذيبهم، ويوم كانوا من القوة بمكان، أما اليوم وهم فى المعتقلات والسجون، فقد أوصانا سيدنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، بألا نجهز على جريح، لذلك أرجو أن تبلغ صلاح سالم شكرى على تحيته، واعتذارى عن عدم تحقيق رجائه.
لم ييأس زين العابدين، قال لـ«خالد»: إذن تأذن لنا فى طبع فصل «قومية الحكم» من كتابك «من هنا نبدأ» وتوزيعه على نطاق واسع.
لكن «خالد» قطع عليه الطريق بشكل كامل: ولا هذا أيضًا، لأننى فى هذا الفصل كنت أناقش الإخوان، وسميتهم باسمهم، فإذا أذنت بنشر هذا الفصل وحده كنت كأنى ألّفت كتابًا ضدهم.
ما الذى حدث لخالد محمد خالد بعدها؟
لا شىء على الإطلاق، لم يتعرض له أحد، ولم يلحق به أى ضرر أو أذى، وهو ما يجعلنى أقول إن مجلس قيادة الثورة فى مواجهته للإخوان، وفى إطار حربه النفسية ضدهم، طلب من كثيرين أن يكتبوا رأيهم فى الجماعة الضالة، ولم يتعرض من رفض هذا الطلب إلى أى سوء.
رواية خالد محمد خالد كشفت الغطاء تمامًا عن كشك.
نحن أمام نمطين من أنماط الكتّاب والدعاة، الأول هو «خالد» الذى يحترم نفسه وقلمه ولا يكتب شيئًا لا يقتنع به، لكنه فى الوقت نفسه ليس من هواة البطولات الوهمية، فلا يضيف لنفسه شيئًا لم يحدث، والثانى خطيب مسجد صنع من موقف عابر مجدًا لنفسه، وأعتقد أن هذه الواقعة لم تحدث من الأساس، فـ«كشك» دخل السجن ليس لأنه رفض ما طُلب منه، ولكن لأنه كان نصيرًا للإرهابيين، بل كان واحدًا منهم.
لسنوات، بعد خروجه من السجن، ظل كشك صامتًا على حكايته مع الإخوان، لكنه عندما أمسك بالضوء الأخضر الذى منحه السادات لأبناء التيارات المتطرفة، أجهز على عبدالناصر وبدأ فى بناء مجد سيد قطب، ولن أكون مغاليًا إذا قلت إن جزءًا كبيرًا من أسطورة الأب الروحى للتكفيريين فى العالم صنعها كشك بطريقته الدرامية التى كانت فيها الأكاذيب أكثر من الحقائق.
تعامل كشك مع سيد قطب وكأنه أحد المرسلين المكلفين بالدعوة، نسج حوله حكايات تهز قلب البسطاء وتنزع منهم آهات الإعجاب، وتقود الشباب إلى التهلكة، حيث يأخذ بأيديهم إلى نفس الطريق الذى سار فيه قطب.
أسمعه وهو يقول مثلًا فى خطبته رقم ٣٦٤ التى ألقاها فى ٢٥ أبريل ١٩٨٠: إن هذا الشهيد ما جزع من لقاء الله، إنه ليلة أن نام ليصبح مساقًا إلى حبل المشنقة رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى المنام، قبل أن يطلع فجر هذا اليوم، رآه وقد دخل عليه زنزانته فى السجن الحربى والرسول راكبًا فرسًا أبيض، ونزل الرسول عن فرسه وصافح الشهيد وشد على يده، وقال له: هنيئًا لك الشهادة يا سيد، وانقضت الرؤيا وإذا بباب الزنزانة يدق دقًا شديدًا، ويفتح الباب وإذا برئيس السجّانين والجلادين يقول له: قم الآن واخرج من الزنزانة لأن هناك تسكينًا فى زنزانة أخرى، فقال له الشهيد: والله ما هى بزنزانة أخرى إنما أنا متوجه إلى الله، ما هو تسكين وما هى بزنزانة، وما هو بسجن، إنما سأخرج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، سأخرج من جوار الخلق إلى رحاب الحق، سأخرج من جوار الظلم إلى جوار العدل، وذهب إلى حبل المشنقة، وجاءه الجلاد ليربط بيديه خلف ظهره كما يفعلون بمن حكم عليهم بالإعدام، فقال الشهيد للجلاد: لِمَ تربطنى يا هذا؟ أتخاف أن أفر من لقاء الله، إن بينى وبين الجنة خطوات إن خطوتها رأيت رب العالمين.
أردت أن أثبت هذه الرواية كاملة كما قالها كشك، جاعلًا منها دليلًا على حالة العبث التى كان يمارسها فى تسويقه لسيد قطب، إذ إن النبى لا بد أن يزوره فى المنام، ويتحدث معه، يبشره بالشهادة، ولم أرَ فى حقيقة الأمر متاجرة بالنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، ولا بزياراته فى المنام، مثلما رأيت لدى جماعة الإخوان، ولدى كشك بالتحديد، فكل من يتحدث عنهم من الإرهابيين الذين هم بالنسبة له دعاة سلام، لا بد أن يزورهم النبى فى منامهم، ولا بد أن يكونوا شهداء.
ثم ما هذه الرواية الرديئة التى يحكيها كشك عن اللحظات الأخيرة فى حياة سيد قطب، جربوا أنتم وابحثوا عند آخرين عن لحظات تنفيذ حكم الإعدام ضد الإرهابى الأكبر، ستجدون روايات كثيرة، وستجدون كلمات مختلفة منسوبة لسيد قطب، وهو ما يعنى أن كل من حَكى نسج حكاية من خياله، وكلها كانت تحاول صنع بطولة لقاتل، وتصنيع أسطورة لمن خالف شرع الله، لكن لأنه كان قائدهم ومنظرهم الذى حاول تنفيذ أهدافهم، فلا بد أن يكون إمامًا وشهيًدا، ولا بد أن يتم تسويقه للناس بهذه الطريقة.
يمكن أن أعدد هنا نماذج كثيرة لما قاله كشك عن سيد قطب، لكنى لست فى حاجة إلى التأكيد على كذب الواعظ بأمثلة جديدة، لكنى أثبت فقط آية دجله الكبرى، التى يتحدث بها عن سبب اغتيال سيد قطب، فهو يرى أنه وصل إلى حبل المشنقة لأنه كان يدعو إلى رفعة الإسلام ونصره، وأن الأمريكان والسوفيت اجتمعا على أن يُعدم، وأن الشيوعية العالمية باركت دمه، والصهيونية العالمية أصدرت كلمتها ضده، والناس تصدق وتبكى وتلعن من قتل سيد قطب، وكله ببركة الشيخ المضلل.
أعترف لكم بأننى كلما دخلت عالم كشك وعدوية أرى الواعظ عاريًا جدًا، ومزيفًا جدًا، بينما أرى المغنى متسقًا مع نفسه جدًا، وحقيقيًا جدًا، لم يدعى علينا بشىء، ولم يكذب فى شىء، ولم يدلس على البسطاء الذين كانوا يذهبون إليه فى مسجده معتقدين أن لديه الحق، فيُذيقهم الباطل كله، بعد أن يخدعهم ببكائه مرة وسخرياته مرة.
لو كان كشك حيًّا لطالبت بمحاكمته بتهمة التضليل الكبير، لكنه الآن بين يدى الله، يحاسبه كيف يشاء.
فهل يمكن أن أصدق كشك فيما رواه؟
- الشيخ مارس كل ألوان النصب الدينى والسياسى فى الدفاع عن التفكيرى الأكبر
- عدوية عندى أفضل من سيد قطب لأنه لم يعرف طريق القتل والخراب
- كشك ادعى أنه اعتقل لرفضه القول بصحة إعدام سيد قطب.. وشهادة لـ«خالد محمد خالد» تكشف كذبه
- الواعظ صنع جزءًا من أسطورة سيد قطب لدى عناصر الجماعات الإرهابية


لم أفارق الواقع أبدًا عندما قلت إن كشك لم يكن إلا دجالًا دافع عن إرهابى هو حسن البنا.
ولن أفارق الواقع أيضًا عندما أقول هنا إن كشك مارس كل ألوان النصب الدينى والنفسى والسياسى أيضًا وهو يرسم صورة سيد قطب.
واقعيًا لا يمكن أن ننظر إلى سيد قطب على أنه مجرد كاتب أو أديب أو مفكر أو مفسر للقرآن أو صاحب دراسات يعتبرها البعض مهمة، لأنه ورغم إنجازه لذلك كان الأب الروحى لجماعات القتل والتكفير والتفجير، وهو ما يجعل إنجازه الفكرى بالنسبة لى وبالنسبة لكثيرين غيرى بلا قيمة، إذ كيف يستقيم لإنسان أن يكون مبدعًا وقاتلًا فى وقت واحد؟.
كان سيد قطب شخصية بغيضة، جمع فى قلبه كل أشكال الدونية والأنانية والغيرة والحقد والحسد تجاه كل الناس، كان يعتقد أنه يستحق أن يكون قائدًا أو رئيسًا أو ملكًا أو خليفة، ولما لم يحصل على شىء من ذلك، تحول إلى قنبلة كراهية انفجرت فى وجه العالم كله، قرر أن يدفع الجميع ثمن فشله وإخفاقه.
كان إعدام سيد قطب خطأ ما فى ذلك شك.
لا أقول ذلك لأنه كان مظلومًا، ولكن لأن إعدامه منحه شرعية البقاء، وعبر جماعات مهووسة بالكراهية هى الأخرى، أصبح نبيًا مرسلًا بالنسبة لهم، ليس مهمًا أنه نبى القسوة، والأنبياء ليسوا قساة أبدًا، لكنه أصبح نبيًا والسلام.
هل أنقل لكم صورة أتخيلها كثيرًا عن سيد قطب، رسخت فى ذهنى بعد أن قرأت تقريبًا كل ما كتبه وما كتب عنه.
أتخيل أن سيد قطب يطل على العالم الآن من الجحيم، ورغم العذاب الذى يلقاه، إلا أنه سعيد بما يحدث بسبب أفكاره، كل قطرة دم تسال بسبب كلمة كتبها تنعشه، كل روح تنزع من جسد صاحبها عنوة بسبب رأى دونه تمنحه فرحة خاصة، كل أرض يحيط بها الخراب من كل مكان تمنحه شهادة بأنه نجح، ولذلك فهو دائم الابتسام، وربما يكون دائم السخرية أيضًا من هؤلاء الذين يعتقدون أنهم أحق بحكم العالم، رغم أنهم بلا مستقبل، فمصيرهم مثله، سيقتلون أيضًا، لكن الفارق أن دماءهم بلا ثمن، أما هو فقد أصبح خالدًا.
ما الذى أدخل سيد قطب على خط كشك وعدوية؟
لا أعرف على وجه الدقة أين كان أحمد عدوية عندما كان سيد قطب يخطط ويدبر لقلب نظام الحكم؟
ما الذى كان يفعله المغنى فى نفس الليالى الطويلة التى كان يجلس فيها الإرهابى الأعظم مع رفاق خطته وتدبيره يلقنهم أدوارهم التخريبية؟
أين كان عدوية فى الليلة التى اعتقل فيها سيد قطب؟
وقتها كنا فى العام ١٩٦٥، تحديدًا فى ٢٩ أغسطس.
لم يكن عدوية قد بلغ العشرين من عمره، ووقتها أيضًا كان لا يزال فى رحلة البحث عن نفسه، هناك من يقول إنه لم يأت من بلدته فى المنيا إلا وعمره عشرين عامًا، وبحسبة بسيطة يعنى ذلك أنه أتى فى العام ١٩٦٩، لكن مجريات حياته تقول إنه أتى إلى القاهرة قبل سنوات طويلة، عاش فى شارع محمد على، وجلس على مقاهيه، وعمل مع فرقة، فى انتظار الفرصة التى يحصل من خلالها على كل حقوقه فى الحياة.
قد لا يذكر عدوية ما الذى فعله بالضبط فى هذه الليلة، لكن حياته تقول لنا إنه كان هناك واحد ضمن جلسة فى قهوة يغنى أو يستمع فيها إلى ما يحبه، أو يعزف فى فرح وراء راقصة ينتظر أن تنتهى الليلة حتى يحصل على أجره، أو كان ليلتها بالتحديد عاطلًا عن العمل، لا يجد ما يفعله، فتسكع هو وأصدقاؤه فى شوارع القاهرة الواسعة، التى لم يكن يتخيل أنه يمكن أن يكون واحدًا من ملوكها بعد سنوات قليلة.
وقد تلومنى على هذه المقارنة، فكيف أقارن من كتب «فى ظلال القرآن»، بمن غنى «السح الدح امبو»؟
من أرضية موضوعية بحتة ومجردة أقول لك، إن عدوية عندى أفضل وأكرم من سيد قطب، وهذا رأى لا يحكمه الهوى ولا المزاج، بقدر ما يحكمه ما قدمه كل منهما للبشرية، ما الذى استفدناه مما كتبه قطب غير القتل والدماء والخراب والنزاع والشقاق، لكن عدوية على الأقل يمكن أن يدخل الفرحة أو البهجة على قلب شخص واحد بعد أن يسمعه يغنى، وهذا يكفيه جدًا ويكفينا جدًا منه.
على عكس عدوية كان كشك متورطًا، صحيح أنه لم يكن قد وصل إلى قدر كبير من النجومية، مجرد واعظ فى مسجد «عين الحياة» الذى انتقل له منذ أقل من عامين، ميوله الإخوانية واضحة، لم تكن تخفى على أحد، وهو ما رصدته الأجهزة الأمنية، التى أدركت أن هناك تنظيمات تحاول إحياء فكر الإخوان ودعوتهم.
حاول كشك أن يوحى لمتابعيه بأنه اُعتقل فى العام ١٩٦٦ لأنه رفض أن يحل دم سيد قطب، بعد أن طلب عبدالحكيم عامر منه ذلك عبر وسطاء.
روى كشك هذه الواقعة فى مذكراته، ورواها وهو فوق المنبر أكثر من مرة.
فى خطبته رقم ٣٩٣ التى ألقاها فى ٥ ديسمبر ١٩٨٠، قال: فوجئت باثنين يطرقان على بابى وقت الظهر، وفتحت الباب وجلست معهما وعرّفانى بنفسيهما بأنهما يعملان فى مكتب المشير، أى أنهما من رجال المخابرات، وماذا يريدان منى؟ فقالا لى: إنا جئناك من قِبل الزعيم والمشير، وإنهما يطلبان منك كلمة واحدة تقولها يوم الجمعة للمصلين، وبعدها سترى المنح والدرجات والمكافآت والمنصب المرموق. وجلست أستمع، وكان اليوم يوم خميس، وأنا أهيئ نفسى للوقوف بين يدى الله يوم الجمعة، وقلت: وما تكون تلك الكلمة؟ فقالا لى: أن تعلن على المصلين أن سيد قطب يستحق الإعدام والقتل.
سألهما كشك كما يدّعى: وإذا لم أفعل ماذا تكون النتيجة؟
قالا له: أنت تعلم النتيجة، فاستفسر منهما الشيخ: هل النتيجة أن أذهب إلى الجحيم؟
فقالا: نحن لا نملك جهنم، إنما نملك السجون.
لم يفعل كشك ما طُلب منه، ويكمل روايته: مضى أسبوع ويوم الخميس الذى بعده، كان البيت يُفَتش فى الساعة الثانية ولم يجد المفتش إلا مصحفًا، ما رأى شيئًا يستطيع أن يحاكمنى به إنما وجد مصحفًا، فلما امتلأ غيظًا رمى المصحف فى الشارع، فقلت له: إنك لا ترمى كتابى، إنما ترمى كتاب من لا يغفل ولا ينام.
كان الشيخ كشك كاذبًا تمامًا فى روايته تلك، ليس لأنى سمعت الرواية الحقيقية من أحد، ولكن لأنه فى كل مرة كان يروى الحكاية، تأتى بطريقة مختلفة وبتفاصيل متناقضة، يضيف ويحذف، وكل ذلك بغرض تثمين ما لديه.
قبل ما يقرب من ٧ أشهر، وبعد أيام من اعتقال سيد قطب، تم القبض على كشك ولمدة لا تزيد على ساعات قليلة، لكن هذه المرة كان قطب حاضرًا، يقول كشك عن هذه الواقعة: ذات يوم من أيام شهر أغسطس عام ٦٥، فوجئت بالباب يطرق طرقات عنيفة، وبمجرد أن فتحت الباب دخلت جماعة غلاظ شداد وقاموا بعملية التفتيش، وكانت جناية لا تُغتفر إذا ضُبط لدى أحد كتب شهيد الإسلام الأستاذ سيد قطب، خاصة كتابه «معالم فى الطريق»، وكان هذا الكتاب بين يدىّ، لكن الله سلّم فلم ينتبه أحد لهذا الكتاب.
قُبض على كشك وسُئل عن بعض الذين تم القبض عليهم فى قضية سيد قطب، لأنهم كما قال هو، كانوا يصلون فى مسجده، وبعد أسئلة اعتيادية عن نشاطه فى المسجد، وما الذى يقوله، صرفوه، وهو الذى كان يعتقد أنه سيتم احتجازه، لكن بعد ما يقرب من سبعة أشهر وفى أعقاب ما ادعاه من رفضه حل دم سيد قطب تم القبض عليه، ولم يخرج من السجن إلا فى مارس ١٩٦٨.
يصدق كثيرون أن كشك دخل السجن بسبب رفضه الحديث ضد سيد قطب، ولأنه لم يقل إن دمه حلال، معنى ذلك أن عبدالناصر ورجاله طلبوا من آخرين ذلك، ونفذوا، ومن لم ينفذ مثل كشك حبسوه، أو عذبوه.
هنا لدى واقعة تكذب ما قاله كشك، بل تجعل منه خيالًا كاملًا، لا يمكن الوثوق فيه أبدًا.
تعرفون الكاتب الكبير خالد محمد خالد، واحد من الكتاب الأفذاذ، تخرج فى الأزهر لكنه لم يبق طويلًا عبدًا له ولأفكاره القديمة.
فى كتابه «قصتى مع الحياة»، الذى سجّل فيه مذكراته، ذكر «خالد» ما ينسف رواية كشك.
يقول «خالد» فى الصفحة ٥١٦ تحديدًا: جاء الدور على الإخوان المسلمين، فبطشت بهم الثورة بطشتها الكبرى، فى الوجبة الأولى أعدمت مجموعة من زعمائهم على رأسهم الأستاذ عبدالقادر عودة والشيخ محمد فرغلى، وفى الوجبة الثانية التهمت رأس الأستاذ سيد قطب ومن معه، وبين الوجبتين أصلت الإخوان سعيرًا.
يصل «خالد» إلى قلب ما أقصده، يقول: أذكر فى تلك الأيام أن الأستاذ على زين العابدين، رئيس الاستعلامات، ترك لى بالمنزل رسالة تليفونية يرغب فى أن أزوره بمكتبه، وحين التقينا بدأ حديثه ناقلًا إلىّ تحية الصاغ صلاح سالم، وزير الإرشاد يومئذ، ثم رجاءه بأن أكتب ضد الإخوان كتابًا سيطبعون منه مئات الألوف ويوزعونه على الشعب، فوجمت وحزنت وسألته: هل هان شأنى عند الثوار إلى الحد الذى يظنون فيه أنى سأقبل هذا الرجاء؟
فرد على زين العابدين: إنهم يعتقدون أنك وحدك القادر على مناقشتهم وإقناع الناس بأخطائهم، فقال له «خالد»: يا سيادة الأخ، لقد ناقشت الإخوان، ونقدت فكرهم وسلوكهم يوم كان بعض قادة الثورة من مجاذيبهم، ويوم كانوا من القوة بمكان، أما اليوم وهم فى المعتقلات والسجون، فقد أوصانا سيدنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، بألا نجهز على جريح، لذلك أرجو أن تبلغ صلاح سالم شكرى على تحيته، واعتذارى عن عدم تحقيق رجائه.
لم ييأس زين العابدين، قال لـ«خالد»: إذن تأذن لنا فى طبع فصل «قومية الحكم» من كتابك «من هنا نبدأ» وتوزيعه على نطاق واسع.
لكن «خالد» قطع عليه الطريق بشكل كامل: ولا هذا أيضًا، لأننى فى هذا الفصل كنت أناقش الإخوان، وسميتهم باسمهم، فإذا أذنت بنشر هذا الفصل وحده كنت كأنى ألّفت كتابًا ضدهم.
ما الذى حدث لخالد محمد خالد بعدها؟
لا شىء على الإطلاق، لم يتعرض له أحد، ولم يلحق به أى ضرر أو أذى، وهو ما يجعلنى أقول إن مجلس قيادة الثورة فى مواجهته للإخوان، وفى إطار حربه النفسية ضدهم، طلب من كثيرين أن يكتبوا رأيهم فى الجماعة الضالة، ولم يتعرض من رفض هذا الطلب إلى أى سوء.
رواية خالد محمد خالد كشفت الغطاء تمامًا عن كشك.
نحن أمام نمطين من أنماط الكتّاب والدعاة، الأول هو «خالد» الذى يحترم نفسه وقلمه ولا يكتب شيئًا لا يقتنع به، لكنه فى الوقت نفسه ليس من هواة البطولات الوهمية، فلا يضيف لنفسه شيئًا لم يحدث، والثانى خطيب مسجد صنع من موقف عابر مجدًا لنفسه، وأعتقد أن هذه الواقعة لم تحدث من الأساس، فـ«كشك» دخل السجن ليس لأنه رفض ما طُلب منه، ولكن لأنه كان نصيرًا للإرهابيين، بل كان واحدًا منهم.
لسنوات، بعد خروجه من السجن، ظل كشك صامتًا على حكايته مع الإخوان، لكنه عندما أمسك بالضوء الأخضر الذى منحه السادات لأبناء التيارات المتطرفة، أجهز على عبدالناصر وبدأ فى بناء مجد سيد قطب، ولن أكون مغاليًا إذا قلت إن جزءًا كبيرًا من أسطورة الأب الروحى للتكفيريين فى العالم صنعها كشك بطريقته الدرامية التى كانت فيها الأكاذيب أكثر من الحقائق.
تعامل كشك مع سيد قطب وكأنه أحد المرسلين المكلفين بالدعوة، نسج حوله حكايات تهز قلب البسطاء وتنزع منهم آهات الإعجاب، وتقود الشباب إلى التهلكة، حيث يأخذ بأيديهم إلى نفس الطريق الذى سار فيه قطب.
أسمعه وهو يقول مثلًا فى خطبته رقم ٣٦٤ التى ألقاها فى ٢٥ أبريل ١٩٨٠: إن هذا الشهيد ما جزع من لقاء الله، إنه ليلة أن نام ليصبح مساقًا إلى حبل المشنقة رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى المنام، قبل أن يطلع فجر هذا اليوم، رآه وقد دخل عليه زنزانته فى السجن الحربى والرسول راكبًا فرسًا أبيض، ونزل الرسول عن فرسه وصافح الشهيد وشد على يده، وقال له: هنيئًا لك الشهادة يا سيد، وانقضت الرؤيا وإذا بباب الزنزانة يدق دقًا شديدًا، ويفتح الباب وإذا برئيس السجّانين والجلادين يقول له: قم الآن واخرج من الزنزانة لأن هناك تسكينًا فى زنزانة أخرى، فقال له الشهيد: والله ما هى بزنزانة أخرى إنما أنا متوجه إلى الله، ما هو تسكين وما هى بزنزانة، وما هو بسجن، إنما سأخرج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، سأخرج من جوار الخلق إلى رحاب الحق، سأخرج من جوار الظلم إلى جوار العدل، وذهب إلى حبل المشنقة، وجاءه الجلاد ليربط بيديه خلف ظهره كما يفعلون بمن حكم عليهم بالإعدام، فقال الشهيد للجلاد: لِمَ تربطنى يا هذا؟ أتخاف أن أفر من لقاء الله، إن بينى وبين الجنة خطوات إن خطوتها رأيت رب العالمين.
أردت أن أثبت هذه الرواية كاملة كما قالها كشك، جاعلًا منها دليلًا على حالة العبث التى كان يمارسها فى تسويقه لسيد قطب، إذ إن النبى لا بد أن يزوره فى المنام، ويتحدث معه، يبشره بالشهادة، ولم أرَ فى حقيقة الأمر متاجرة بالنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، ولا بزياراته فى المنام، مثلما رأيت لدى جماعة الإخوان، ولدى كشك بالتحديد، فكل من يتحدث عنهم من الإرهابيين الذين هم بالنسبة له دعاة سلام، لا بد أن يزورهم النبى فى منامهم، ولا بد أن يكونوا شهداء.
ثم ما هذه الرواية الرديئة التى يحكيها كشك عن اللحظات الأخيرة فى حياة سيد قطب، جربوا أنتم وابحثوا عند آخرين عن لحظات تنفيذ حكم الإعدام ضد الإرهابى الأكبر، ستجدون روايات كثيرة، وستجدون كلمات مختلفة منسوبة لسيد قطب، وهو ما يعنى أن كل من حَكى نسج حكاية من خياله، وكلها كانت تحاول صنع بطولة لقاتل، وتصنيع أسطورة لمن خالف شرع الله، لكن لأنه كان قائدهم ومنظرهم الذى حاول تنفيذ أهدافهم، فلا بد أن يكون إمامًا وشهيًدا، ولا بد أن يتم تسويقه للناس بهذه الطريقة.
يمكن أن أعدد هنا نماذج كثيرة لما قاله كشك عن سيد قطب، لكنى لست فى حاجة إلى التأكيد على كذب الواعظ بأمثلة جديدة، لكنى أثبت فقط آية دجله الكبرى، التى يتحدث بها عن سبب اغتيال سيد قطب، فهو يرى أنه وصل إلى حبل المشنقة لأنه كان يدعو إلى رفعة الإسلام ونصره، وأن الأمريكان والسوفيت اجتمعا على أن يُعدم، وأن الشيوعية العالمية باركت دمه، والصهيونية العالمية أصدرت كلمتها ضده، والناس تصدق وتبكى وتلعن من قتل سيد قطب، وكله ببركة الشيخ المضلل.
أعترف لكم بأننى كلما دخلت عالم كشك وعدوية أرى الواعظ عاريًا جدًا، ومزيفًا جدًا، بينما أرى المغنى متسقًا مع نفسه جدًا، وحقيقيًا جدًا، لم يدعى علينا بشىء، ولم يكذب فى شىء، ولم يدلس على البسطاء الذين كانوا يذهبون إليه فى مسجده معتقدين أن لديه الحق، فيُذيقهم الباطل كله، بعد أن يخدعهم ببكائه مرة وسخرياته مرة.
لو كان كشك حيًّا لطالبت بمحاكمته بتهمة التضليل الكبير، لكنه الآن بين يدى الله، يحاسبه كيف يشاء.
فهل يمكن أن أصدق كشك فيما رواه؟