رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عِيار ومعايير الأستاذ فاضل!‏


مستخدمًا تكأة أو «تلكيكة» عدم الالتزام بـ«المعايير»، يحاول المخرج محمد فاضل أن يستعرض قدرات الرقيب «اللي جوَّاه». وربما أدرك صعوبة الحصول على وظيفة رقيب، في هيئة الرقابة على ‏المصنفات الفنية، فقرر أن يصبح «رقيب شرطة»، وحاول أن يبدأ مهام عمله باستعداء «السلطات» على ضابطي الشرطة سليم الأنصاري وزين القناوي!.‏

المعايير جمع «معيار» وهو النموذج المفترَض «بفتح الراء» لما ينبغي أن يكون عليه الشيء. أو قواعد يتم اعتمادها أو التوافق عليها لإصدار حكم تقديري على موضوع معين، أو على إنجاز مهمة. ‏والعيار، هو ما يتم به القياس، للحكم والتَّقييم. ويقال «فلت عياره» أي تجاوز حدوده، والوصف يناسب جدًا غالبية التصريحات التي أدلى «ويدلي» بها المخرج محمد فاضل، منذ صار رئيس لجنة الدراما ‏بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وقد تكون نكتة، أن تجده يحاول الاستناد إلى ما يصفها بـ«المعايير»، بينما لا نعرف، إلى الآن، على أي أساس أو وفق أي معايير تم اختياره رئيسًا لتلك اللجنة!.‏

قبل أن تستدعي ما وقر في يقينك عن العلاقة العكسية بين الرقابة والإبداع وعن دور «الموظفين» أو «العاطلين» في ضرب الدراما أو تقييدها. وقبل أن تدخل برجلك اليمين أو الشمال، نشير إلى أن ‏الأستاذ محمد فاضل، في حوار منشور ١٥ فبراير الماضي، نفى قيام اللجنة بوضع أي معايير لتقييم الأعمال الدرامية الرمضانية، وأكد أن تلك المهمة أو المسئولية تقع على هيئة الرقابة على المصنفات ‏الفنية التابعة لوزارة الثقافة. بالنص، قال الأستاذ فاضل: «لم يحدث ولن يحدث أن وضعت لجنة الدراما أي معايير لتقييم الأعمال الدرامية الرمضانية أو الرقابة عليها». لكن بعد عدة أسابيع، تحديدًا في ٥ ‏مايو الماضي، أعلنت لجنة الدراما، التي يرأسها الأستاذ فاضل، أنها استعرضت في اجتماعها، معايير الأعمال الدرامية وأنها ستقوم بإرسال نسخة من هذه المعايير إلى رؤساء القنوات التليفزيونية والإذاعية ‏قبل حلول شهر رمضان. وقبل أن ينتهي مايو، تم الإعلان عن انتهاء لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، التي لا يزال يرأسها الأستاذ فاضل، من وضع تقرير تقييم الأعمال الدرامية والمخالفات ‏الحادثة بها خلال النصف الأول من شهر رمضان. ‏

لا تشغل بالك بالكلام الذي يخاصم بعضه أو بالتصريحات التي تنسخ ما قبلها. ولا تسأل عن وجود المعيار من عدمه لأنك لن تجد غير المعنى الحرفي للـ«أي كلام»، في التقرير الذي قيل إنه استند إلى ‏مشاهدة أعضاء اللجنة وتقارير لجنة الرصد بالمجلس الأعلى للإعلام ولجنة الرصد بصندوق مكافحة الإدمان والتعاطي، ولجنة الرصد بالمجلس القومي للمرأة. إذ جاء في التقرير أن لجنة الدراما «لاحظت ‏خرقًا واضحًا للمعايير التي كانت قد وضعتها، والتي أخطر بها رؤساء القنوات لضمان حق المواطن في الاستمتاع بأعمال درامية تراعي القيم الأخلاقية والسلوكية التي استقر عليها المجتمع، المرتبطة ‏بتقاليده ولغة الخطاب التي لا تخدش الحياء ولا تدمر الخصوصية الثقافية للمجتمع». وزعمت اللجنة أنها رصدت تعمدًا لدهس القانون بالإسراف في استخدام العنف وتشويه صورة رجل الشرطة المنوط به ‏حفظ القانون وإنفاذه. وخصت بالذكر مسلسلي «نسر الصعيد» و«كلبش ٢» لأن «بطل كل منهما ضابط شرطة.. وهنا مكمن الخطورة، فبدلًا من أن يعرض الصفات الأخلاقية النبيلة في شخص ضابط ‏الشرطة، وجدنا خرقًا لكل ما هو إيجابي في هذه المهنة المحترمة.. وإذ بنا أمام جرعات كبيرة من العنف المفتعل وغير المبرر في خط أحداث كل منهما ووجدنا أن كلًا منهما يأخذ حقوقه بيده دون الرجوع ‏للقانون ومجرياته من نيابة وقضاء... إلخ».‏

للمحامين نقابة تتربص بالمسلسلات لو ظهر محامٍ في صورة لا يرضى عنها المحامون.. وللأطباء نقابة تنتفض لو ظهر طبيب بطنه بتوجعه.. وكذا الوضع بالنسبة للمرشدين السياحيين، بينما لا توجد نقابة ‏لمرشدي المباحث أو لضابط الشرطة، وربما لهذا السبب أشفقت عليه اللجنة، لجنة الأستاذ فاضل، فقامت بالواجب نيابة عنهم وعن نقابتهم غير الموجودة، وبالإضافة إلى ما جاء في التقرير، قال الأستاذ ‏فاضل «إن الموضوع أكبر بكثير من مجرد استخدام ألفاظ خادشة وإيحاءات وحبكة ضعيفة صنعت لتخدم البطل فقط، فلدينا نموذجان الأول هو (نسر الصعيد) زين القناوي ضابط يضرب الغفير على قفاه بشكل ‏مهين وعنف مفرط، والثاني في (كلبش ٢) سليم الأنصاري الضابط يقوم بضرب مفرط لأحد المساجين داخل السجن». و... و... ولـ«بوابة الأهرام» قال «إن لجنة الدراما قامت برفع هذا التقرير إلى ‏المجلس الأعلى للإعلام لاتخاذ (الإجراءات الرادعة) طبقًا لقانون المجلس، واستنادًا إلى تصريحات رئيس المجلس الأعلى بتأكيد توقيع العقوبات على المخالفين». ‏

لا يمكن أن يتخيل عاقل أن مخرجًا، أو مبدعًا في العموم، يمكنه أن يقول ذلك. بالضبط كما لم أكن أتخيل أن أسمع مخرجًا يُوصف، عادة، بأنه كبير يقول هذا الكلام: «..والنبي بس اسمح لي في الأول، ‏أبدي إعجابي غير النهائي وتقديري للـ.. للـ.. لـ«الفيديو» اللي أذعتوه ده. ومهما كانت البيانات الحربية، مش حاتكون زيه. بيقول لك ليس من رأى كمن سمع. شيء عظيم جدًا.. وأحييكوا على إنكم بتعيّشونا ‏فعلًا في الحكاية دي.. والحكاية دي طبعًا، على فكرة حاتلاقيها برضه بترمي على الفن.. وجو الإرهاب اللي حاصل وكده، بيرمي على الفن برضه». وأتمنى أن تكون قد تذكرت أن هذا الكلام، الذي بين ‏التنصيص، كان تعليق الأستاذ المخرج محمد فاضل، على «انفراد» الأستاذ «أحمد موسى» بعرض مقاطع من لعبة ‏Apache Air Assault، بزعم أنها لقطات من قصف القوات الروسية لعناصر من ‏تنظيم «داعش» وعلى لقطات الـ«فيديو جيم»، قال معلقًا بمنتهى الحماس: «روسيا ما بتهزرش.. هذا هو الجيش الروسي والسلاح الروسي.. هذا هو بوتين، ما تشاهدونه فيديو مرعب، وكأن الروس ‏يصطادون عصافير».‏

بهذا الشكل، ولأن تلك الحكاية «بترمي على الفن».. ولأن «جو الإرهاب اللي حاصل وكده، بيرمي على الفن برضه»، يكون علينا ألا نلتفت لأي «كلام فارغ» تنقله الصحف عن الأستاذ المخرج الكبير، ‏وأن ننصحه بعدم تضييع وقته في «لجنة الدراما»، وأن يتفرغ لإنتاج وإخراج ألعاب فيديو، «فيديو جيم»، على أن يقوم ببطولتها الأستاذ مكرم محمد أحمد، بـ«صفته» رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. ‏وطبعًا.. طبعًا، ستكون البطولة النسائية من نصيب الأستاذة فردوس عبدالحميد!.‏