رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الإمام المثلي».. قصة ضياء عبدالرحمن الذى افتتح أول مسجد للشواذ بواشنطن

جريدة الدستور

فى الرابع من أكتوبر ٢٠١٠، قرر ضياء عبدالرحمن، ٤٧ سنة، الذى كان يعمل إمامًا لمسجد بمحافظة الشرقية، الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هربًا من رفض ‏المجتمع لكونه «مثلى الجنس». هذه الهجرة حملت معها قصة غريبة لهذا «الإمام المصرى المسلم» الذى أقدم على افتتاح ما يسميه «أول مسجد للمثليين المسلمين فى ‏أمريكا»، حيث أشرف على عمليات «تزويج مثليين» عديدة. «الدستور» تواصلت مع «عبدالرحمن»، لتكشف قصة الإمام الذى ولد وتربى صغيرًا فى منزله بمدينة ‏‏«بلبيس»، وقرر هو وشريكه الهجرة إلى أمريكا، وبعد عام من المحاولات والموافقة على طلبهما، رحلا هاربين من الصدام. ‏



اكتشف اختلافه فى سن الـ١٦.. وتعرف على شريكه عبر «ياهو»‏


فى السادسة عشرة من عمره، وأثناء دراسته فى أحد المعاهد الأزهرية، اكتشف ضياء عبدالرحمن أنه مختلف عن الآخرين فى تلك السن، إذ لم يكن يميل إلى الفتيات بالقدر ذاته الذى كان يشعر به ‏تجاه زملائه الذكور.‏
كانت ملامح وأصوات وتفاصيل الذكور تجذبه أكثر، لكن خوفه من أسرته ومن المجتمع جعله يتغاضى عن مشاعره تلك، حتى ذهب مرة للمبيت فى منزل زميل له، وحدثت بينهما علاقة جنسية.‏
يقول: «كنت مرعوبًا من الله أولًا، ثم من أسرتى إذا اكتشفوا الأمر. كانت والدتى تسعى كثيرًا لتزويجى، لكننى كنت أقول لها إننى أريد الاعتكاف لتعليم الدين، سعيت للقراءة كثيرًا وكنت أطمح أن ‏أؤم الناس حتى يأتى يوم وأوعيهم بأن تلك الميول الجنسية ليست خطأ أو محرمة».‏
انتقل «ضياء» إلى منزل مجاور للمسجد الذى كانى يتولى الإمامة فيه، واشترك فى أحد «الجروبات» الخاصة بالمثليين على موقع «ياهو»، وتعرف على «شريكه» الحالى، الذى كان يقطن ‏بالقرب منه، ثم انتقلا للعيش معًا بعد عدة مقابلات بينهما، يقول عنها إنه وجد فيها «راحةً نفسيةً وتوافقًا»، كان ذلك فى العام ٢٠٠٦.‏
يرى «ضياء» أنه لم يكن ليرحل عن مصر إذا أُتيحت له «الحرية لممارسة حقه الجنسى كإنسان وحقه الروحى كإمام مسجد»، يتذكر: «لاحظنا حديث الجيران عن وجود رجلين فى منزل واحد، ‏أحدهما مسلم والآخر مسيحى، فأدركنا أن نهايتنا قد تكون بشعة للغاية، وأن مصيرنا قد يكون التمثيل بجثتينا فى مجتمع لا يعلم معنى الحرية، ولا القانون نفسه يحمى اختيار الإنسان».‏
‏«عندما وصلت إلى أمريكا أنا وصديقى لأول مرة، جلسنا على رصيف مطار واشنطن نتساءل: هل سنتوقف عن الاختباء هنا؟ أوقفنا تاكسى وذهبنا إلى فندق سعره معقول، عشنا فيه ١٢ يومًا ثم ‏انتقلنا إلى شقة صغيرة بالقرب من القطار»، يقول «ضياء».‏
هناك بحث «ضياء» عن مجتمع «المثليين المسلمين»، والمساجد التى تقع فى محيط المنطقة التى يقطن بها، قبل أن يفكر فى افتتاح مسجد مرخص يتولى هو إمامته. ‏
كان الأمر فى غاية السهولة كما يقول: «بالفعل أنشأت قبل سنتين أول مسجد للمسلمين المثليين فى أمريكا، لكن لم يكن يأتى أحد حتى لأداء صلاة الجمعة، وظل الحال هكذا لمدة ٥ أشهر، لكن مع ‏الانفتاح التكنولوجى والمنظمات التى تسعى لحماية حقوق المثليين فى أمريكا توافد البعض على المسجد تدريجيًا».‏
ويلفت إلى أن معظم المسلمين المثليين يبقون هوياتهم مخفية خصوصًا فى الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الآسيوية كالصين، وهو الأمر الذى سعى لتغييره بقوة عندما وصل لأمريكا، حيث ‏كان يتحدث فى خطبة كل جمعة «عن حقوق الإنسان وحقوق المثليين وعدم حرمانية ذلك فى الدين الإسلامى، وأن من يروجون بأن ذلك محرم، يريدون فقط ترسيخ التقاليد والعادات». ويشير إلى أنه ‏ليس الإمام الوحيد المِثلى الجنس فى العالم، لكنه - كما يعتبر نفسه- أول من تجرأ وتحدى المؤسسات الإسلامية فى العالم «من أجل تحقيق حلم أمثاله فى العبادة دون خوف»، لافتًا إلى أنه رغم ‏المجتمع المنفتح فى أمريكا، إلا أنه لا يزال عدد كبير من المثليين المسلمين هناك يخشون التصريح بذلك، ويفضلون إخفاء الأمر عن أسرهم ومجتمعهم الإسلامى.‏




أشرف على تزويج ١٠٠ مثلى مسلم بأمريكا فى ٧ سنوات


‏«العنصرية هى ما جعلتنى أسعى لتغيير الواقع الذى عشته سنوات طويلة».. تلك مشكلة أخرى يعزو إليها ضياء عبدالرحمن ما أقدم عليه، حتى كوّن شخصيته التى يفتخر بها الآن، على حد قوله. ‏يقول: «لم أكن أعانى العنصرية كونى مثليًا فقط، بل لأنى مسلم أسود البشرة».‏
ويشير إلى أنه عندما تخرج فى المدرسة، كان يتمنى أن يتمكن المثليون جنسيًا يومًا ما من العيش معًا والاعتراف بالأمر أمام أسرهم بلا خوف: «لقد كان أصعب شىء بالنسبة لى هى أمى التى ‏تركتها خلفى حتى أستطيع أن أحيا حياةً أراها حقًا لى».‏
حاليًا، عندما يهاتف والدته فى مصر، تسأله دائمًا عن الزواج فيجيبها أنه ذهب لتوعية الناس بالدين الإسلامى فتفتخر به، لكنها لا تعلم الحقيقة، «ليس لأنى أريد أن أخفيها عنها، لكنى أعلم أنها لن ‏تتقبلها وقد يصدمها الأمر». يستكمل: «الآن أنا هنا، أحقق أحلام الآخرين بتزويجهم ممن اختاروهم من نفس الجنس، فكيف لا أكون متفائلًا بأن المستقبل مشرق»، مشددًا على أنه لن يعود إلى مصر ‏إلا إذا «تغيرت القوانين وثقافة المجتمع».‏
مع ذلك، فإنه يرى أن «الحياة تتغير لصالح مثليى الجنس المسلمين، حتى لو كانت التغييرات تبدو ضئيلة بشكل متناهى الصغر، لكن منذ ١٠ أعوام ما كنت لأفتتح مسجدًا للمثليين فى أمريكا، وما ‏كان إمام آخر يفعل نفس الشىء بالقرب من باريس العام الماضى، وما كان مسلمان من باكستان يتزوجان بطريقة مدنية هذا العام فى إنجلترا».‏
ويوفر «الإمام المثلى» مراسم الزفاف للمثليين المسلمين والأزواج من الديانات المختلفة، كما يقدم المشورة عبر المسجد وعن طريق «سكايب» لمثليى الجنس المسلمين الذين يعيشون فى البلدان التى ‏لا تسمح بالأمر، إن هذا جزء من واجباته كإمام، كما يرى.‏
وعلى مدار السنوات السبع الماضية، ترأس ٥٠ حفل زفاف، لعب فيها دور المأذون أيضًا، وجلبت له رسومًا يعيش عليها، بجانب تلك التى يجمعها مقابل المحاضرات والاستشارات التى يقدمها، ‏والتى يمكن أن تصل إلى ٢٥٠٠ دولار فى المرة وأكثر، خصوصًا إذا تطلب الأمر سفره من واشنطن إلى مدينة أخرى.‏
عشرات التهديدات تلقاها ضياء عبدالرحمن بشكل يومى من المنظمات الإسلامية فى أوروبا وأمريكا والوطن العربى، تحمل رسائل «كراهية ونية فى الاغتيال»، واتهامات بتشويه الدين، لكنه يرد ‏قائلًا: «أنا أقوم بالعمل الذى يرفضون الإقدام عليه لأنهم خائفون»، كما أن بعض القادة المسلمين فى المنطقة التى يعيش بها يرفضون الحديث عنه أو يعتبرونه ليس مسلمًا.‏

الصلاة على مثليين تُوفيا بالإيدز سبب شهرته ويعتقد فى سماح الإسلام بـ«الحرية الجنسية»‏

لم يكن ضياء عبدالرحمن داعية أو إمامًا فى البداية، لكن لصوته الجميل فى الأذان للصلاة طُلب منه العمل فى مسجد بالشرقية بلا وثيقة أو موافقة من الأزهر، وقتها كان لا يزال شابًا متخرجا فى ‏كلية الهندسة بجامعة الأزهر. ‏
الأمر كان مماثلًا عندما ذهب إلى أمريكا، إذ عرفه الجميع عندما أقدم على تشييع جنازة اثنين من المسلمين من مثليى الجنس، كانا قد توفيا بسبب مرض الإيدز، بعد أن رفض عدد من أئمة المسلمين ‏هناك الخروج فى جنازتهما وظلت جثتاهما لأكثر من ٢٠ يومًا فى ثلاجة المشرحة، فى انتظار إمام يوافق على دفنهما والصلاة عليهما.‏
دينيًا، يرى ضياء عبدالرحمن أنه لا يوجد فى القرآن الكريم أى آية تحرِّم المثلية الجنسية، ويقول إن المؤرخين لم يعثروا أبدًا على أى أثر فى سيرة النبى محمد يتعلق بالأمر الجنسى.‏
ويستند أيضًا فى دفاعه عن ميوله إلى أن «هناك على الأقل ٨ بلدان إسلامية لا تجرم نمط حياة المثليين على المستوى الوطنى بما فى ذلك إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان فى ‏العالم، وتركيا والبحرين وألبانيا، فى حين لا تزال معظم الدول ذات الغالبية المسلمة ومن بينها مصر، تفرض عقوبات جنائية».‏
يرتكز أكثر على نقطة الدين متسائلًا: «ما دام لا يوجد نقاش حول الجنس فى القرآن فلماذا يعاقب البعض المثليين تحت ستار الإسلام؟»، مشيرًا إلى أن هؤلاء يعتمدون على الثقافة والأساطير ‏وقوانين ما قبل الإسلام، والهدف هو أن تكون هناك سلطة وسيطرة على الناس، فى رأيه.‏
يشرح: «قواعد ما قبل الإسلام عبارة عن قوانين مبنية على الكتاب المقدس كسفر اللاويين قبل ألفى سنة تقريبًا، وتنص على أنه إذا انخرط الرجال فى أعمال شاذة جنسيًا، فإنهم سيُقتلون لكن فى ‏الإسلام لا يوجد شىء كهذا»، ثم يعقِّب: «لكن الحقيقة التى لا تُناقش فى كثير من الأحيان أن ممارسة الإسلام تتأثر بثقافة كل بلد».‏
إذا عاد الزمن بـ«عبدالرحمن»، فإنه سيفعل نفس الشىء الذى أقدم عليه، بل سيختار نفس «شريكه» المصرى المسيحى، كما يشدد، قائلًا إن «دين الإسلام لم يحرم الارتباط من أصحاب الأديان ‏السماوية الأخرى»، ووفقًا لكلامه، فإنه لا أحد فى الدنيا يستطيع أن يجعله بخير إلا هذا الشريك. ويتوقع أن يتقبل العالم المثليين جنسيًا عما قريب، ويستشهد بأنه «فى القرن الماضى كان السود ‏يعاملون كالعبيد، وقبل فترة وجيزة كانت المثلية من المحرمات، لكن اليوم هناك حكام وأشخاص متدينون أعلنوا ميولهم الجنسية المختلفة».‏
وعلى الرغم من انتقاده من قبل العديد من السلطات الإسلامية، إلا أنه فخور بكونه أول مسلم مِثلى علنى فى الولايات المتحدة جعل الرجال والنساء يركعون جنبًا إلى جنب ويتعبدون معًا، مهما كانت ‏اختلافاتهم الجنسية أو العرقية أو المادية. كما أنه يسمح للنساء بالإمامة.‏
وينشر «ضياء» آراءه عن الإسلام والحياة فى مدونة خاصة به اسمها «مكان للسلام الداخلى»، ويبدو واثقًا من أن «الإجراءات المضادة لمثليى الجنس لن تجبرهم على التخلى عن عقيدتهم».‏