رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي..‏ أول لقاء مع مسئول إخوانى على شاطئ الإسكندرية

الخرباوي
الخرباوي


عشتُ عامين من أروع الأعوام التى مرَّت على حياتى، كنت راضيًا عن الحالة الشعورية والروحية التى كانت ترفعنى إلى عنان السماء، وفى ذات الوقت انتهت من حياتى تلك ‏الأسئلة البغيضة التى كانت تؤرقنى عن كيف وأين هو الله؟ قلت فى نفسى أنا لا تعنينى أبدًا كيفيته، ولا تعنينى «أينيته» وكنت قد وصلت إلى قناعة بأنه طالما أنه هو الذى خلق ‏المكان والزمان فلا يمكن أن يخضع لقوانين المكان والزمان. ‏
ثم إن الله هو الذى خلق الكون، ولم يكن قبل خلق الله الكون إلا «اللا شىء» واللا شىء هذا لا نستطيع تصوره ولا توصيفه لأنه لا شىء، وبخلق الله الكون بدأ المكان وارتبط به الزمان، فإذا كان الله قبل ‏الزمان والمكان لذلك لا يجوز أن نقول أين كان، لأن «الأينية» تعنى المكان وتعنى الزمان، وهو فوق الزمان والمكان.‏
وإذ أعود بذاكرتى إلى صيف عام ١٩٧٧ بعد انتهاء السنة الدراسية الأولى لى فى كلية الحقوق أتذكر أول لقاء حقيقى مباشر بالإخوان، ففى الأيام الأولى من الإجازة كنا قد عقدنا العزم أنا وبعض ‏الأصدقاء على أن نذهب لقضاء عشرة أيام فى الإسكندرية، وكان لأسرة صديقنا عز عبدالخالق، نائب رئيس محكمة النقض حاليًا، شقة فى شارع محمد كريم بالمنشية بالإسكندرية وقد تعودنا أن نقضى نحن ‏الأصدقاء أيامًا من الصيف فيها كل عام، وكان هذا هو أول عام نذهب فيه إلى الإسكندرية مع مجموعة من الأصدقاء، كان منهم «نصر فايد» وهو صيدلى كبير حاليًا، و«عاصم عبدالرحمن» وهو من كبار ‏المحامين حاليًا، وعلى شاطئ شهر العسل بالعجمى ببيطاش كان يومنا الأول، مرَّ علينا الوقت ما بين السباحة وممارسة رياضة الراكيت، وكانت بجوارنا عدة شمسيات يجلس تحتها رجلان كبيران ومعهما ‏مجموعة من الشباب الذكور يجرون ويسبحون بشكل نظامى غريب، وكانوا قد نصبوا خيمة كبيرة يدخلون فيها فى بعض الأوقات، والرجلان يجلسان فى هدوء ودعة يضحكان أحيانًا مع الشباب عندما ‏يدعوهما لنزول الماء، ويمسك كل واحد منهما كتابًا يقرأه، ثم يختفيان تحت الخيمة أحيانًا، وفجأة حدث ما لم يكن فى الحسبان.‏
كان وقت العصر على وشك الدخول، فجلسنا نحن الأصدقاء تحت الشمسية نستريح ونتناول السندوتشات، إلى أن وجدنا أحد الرجلين الكبيرين يقترب منا ويحيينا: السلام عليكم.‏
قلنا جميعًا: وعليكم السلام ورحمة الله، اتفضل.‏
قال: بالهناء والشفاء سبقناكم، أنا شايف إنكم أولاد ناس ومحترمين، والآن اقترب وقت صلاة العصر، إيه رأيكم تيجوا معانا نصلى جماعة فى المسجد القريب من الشاطئ.‏
فقال أحدنا: شكرًا يا عمى إحنا هانصلى هنا جماعة.‏
الرجل: الصلاة فى المسجد أفضل تعالوا معانا تاخدوا ثواب كبير.‏
أحدنا: مش هانقدر نترك الشمسية.‏
الرجل: متخفوش على حاجاتكم، سيجلس للحراسة شاب من شبابنا وسيذهب للصلاة بعد أن نعود.‏
رفض الأصحاب ولكننى خجلت من أن نسبب للرجل حرجًا فقلت لهم: سأقوم أنا مع عم الحاج، وكان أن ذهبت وصليت معهم فى زاوية قريبة من الشاطئ، وبعد الصلاة سألنى الرجل الذى دعانا للصلاة: ‏ومنين إنت أيها الأخ الكريم؟
قلت: أصلًا من الشرقية، ولكننا نعيش فى الزيتون فى القاهرة.‏
الرجل: ما شاء الله، أنا من الشرقية مثلك.. أما الرجل الآخر فنظر لى مبتسمًا وهو يقول: وأنا من جنبكم، أنا من المنصورة.‏
قال الأول: من أى بلد فى الشرقية أنت؟
قلت: من مركز بلبيس، قرية الجوسق، وأمى من قرية السعيدية.‏
الرجل: الله الله، أنا أعرف ناس من الجوسق من عائلة الخرباوى.‏
قلت مندهشًا: أنا من عائلة الخرباوى.‏
الرجل: ابن من؟
أنا: ابن المهندس عبدالباسط الخرباوى.‏
الرجل: ما شاء الله، إنه صديقى، وعمك عبدالبصير الخرباوى صديق عمرى، شوف يا ابنى أنا عمك «سعد لاشين» من الإخوان المسلمين ومسئول الإخوان فى الشرقية كلها.. ثم أشار للآخر قائلًا: وهذا ‏هو عمك «محمد هلال» مسئول الإخوان فى الدقهلية، ونحن هنا فى معسكر صغير لبعض شباب الإخوان، ودى فرصة كويسة علشان نتعرف على بعض وتحكيلى عن والدك أين هو الآن، وعمك وحشنى ‏كتير.‏
تجمد وجهى وأنا أقول لنفسى: يا الله، ها هم الإخوان يأتون إليك.‏