رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبكى قيادى بـ"بالداخلية".. قصة كفاح خليفة المبتهل محمد عمران

محمد رشاد
محمد رشاد

ضل شبابنا حين هجروا الثراث، وتاهت أقدامهم حين تباعدت خطاهم عن أصولنا القديمة، وأصبح كل منهم يبحث عن كل ما هو جديد بعيدا عن أصول السماع والإنشاد والابتهال الصحيح.

والتقت "الدستور" بأحد الشباب الذى تمسك بالتراث القديم، وكان حبه للمبتهل الراحل "محمد عمران"، سببًا فى نشر تراث الإنشاد الصحيح على الساحة.

"تتلمذت على يديه بالحب والسماع قبل حتى أن أعلم اسمه".. تلك الكلمات بدأ بها الشاب محمد رشاد أبو النور حديثه عن المبتهل الراحل محمد عمران، والذى كان ملهمه الأول فى بداية رحلته مع الإنشاد والتلاوة والابتهالات الدينية.

محمد رشاد أبو النور، خريج كلية دار العلوم بجامعة الأزهر الشريف، من أبناء مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، من مواليد عام 1995، تعلّم أحكام القران الكريم على يد أحد مشايخ المدينة وهو الشيخ إبراهيم الدسوقى وتعلم المقامات سماعيا ومن خلال البحث على الإنترنت، واكتشف موهبته فى المرحلة الابتدائية حين كان يُقلد الراحل عبدالباسط عبدالصمد، فالتفت والده لحسن صوته وبدأ فى تشجيعه على الاستمرار.

وسرد محمد رشاد لـ"الدستور" أنه قد عشق صوت عمران وآداءه من خلال سماع إذاعة القرآن الكريم، إذ جذبه ابتهال "الليل أقبل" والذى يذاع يوميا فى برناج قطوف من حدائق الإيمان، وابتهال قف على سنن المختار وغيرهم من ابتهالات عمران الشهيرة، وعرف اسمه لاحقا وبدأ البحث عنه حتى تمكن من تجميع ابتهالاته قائلا: "حين عرفته نسيت جميع من كنت استمع إليهم وبدأت رحلة شغفى به رحمة الله عليه".

واستكمل، أنه فى المرحلة الثانوية العامة، عثر على 120 تسجيلا وابتهالات نادرة لمحمد عمران كانت بمثابة "كنز" له وقد عثر ضمنهم على تسجيل بعنوان "أدركنا يا الله" تشارك فيه كل من الراحل محمد عمران والشيخ سعيد حافظ، وقد تساءل الشاب محمد رشاد فى قرارة نفسه من هو الشيخ سعيد حافظ.. ولا بد أن يكون شيخ قدير حتى يشارك عمران مثل هذا التسجيل، وبدأ فى البحث عن الشيخ سعيد حافظ وحالفه الحظ حين وجد رقم هاتفه، وبدأ فى التواصل معه وسؤاله عن الراحل عمران، ومن جانبه بدأ الشيخ سعيد حافظ رحمه الله يحكى له عن عمران ومواقف من حياته وانطلقت علاقة صداقة رغم تباعد البلاد وفارق السن، وعلم الطالب محمد رشاد بوجود ابن للراحل محمد عمران وبدأ فى السؤال عنه.

واجتاز رشاد مرحلة الثانوية العامة وجاء تنسيقه بكلية دار العلوم في القاهرة، وكان أول ما فعله حين سافر للقاهرة هو أنه توجه لمنزل الراحل محمد عمران وقابل نجله "محمود محمد عمران "، وانطلقت صداقة بينهما وحكى محمد رشاد عن شغفه بعمران وحين استمع نجل عمران لصوته وآداءه المشابه لآداء والده أهدى إليه ساعة الراحل محمد عمران الشخصية وهى خاصة بالمكفوفين، كما أهداه القدح الصغير الذى كان يشرب فيه المبتهل محمد عمران قهوته.

وقال محمد رشاد، إنه من خلال ما سمعه من جميع المقربين للراحل محمد عمران كان عمران شخصية بسيطة راقية، وكان شخص غير مادى لا يتسابق إلى الليالى وواجبات العزاء لجنى الأموال.

وأكد "رشاد" أنه قد ذهب لزيارة الشيخ سعيد حافظ، الذى كان شخصا بسيطا جدا وقويا فى فنه ومجاله، مؤكدا أن الشيخ سعيد حافظ لم يأخذ حقه على الساحة كما ينبغى، وأشار رشاد إلى أن الشيخ سعيد حافظ كان يعيش وحيدا وله ظروف حياته وصحته الخاصة التى تحتاج لرعاية، وقد رافقه محمد رشاد لفترة حتى أنه ذات ليلة كان ذاهبا برفقته لصلاة الفجر فى الجامع الأزهر وسأله أحد المصلين عن الشاب الجديد فأجاب رحمة الله عليه عليه "هو ابنى محمد سعيد حافظ " وقال رشاد " صدمت من هول الموقف وسكت لدقيقة كيف له أن يجعلنى أحظى بهذا الشرف".

وأوضح محمد رشاد أن خبر وفاة الشيخ سعيد حافظ نزل عليه كالصاعقة، حين أخبره محمود محمد عمران بخبر رحيل الشيخ سعيد حافظ، وقد تسبب حزنه على الشيخ سعيد فى رسوبه فى أحد الامتحانات المقررة عليه فى اليوم التالى للوفاة، لافتا إلى حزنه الشديد حين كان يسمع ابتهالاته فى الإذاعة ويتذكر مرافقته له خلال أيام حياته.

وفى محاولة لجذب الشباب وأصحاب المواهب لسماع التراث، أقدم محمد رشاد على إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك" لنشر ابتهالات الشيخ محمد عمران، وتعلم المقامات، لاقت استحسان الكثير من رواد الموقع، وبدأ فى عرض التسجيلات النادرة للراحل محمد عمران ونجح فى لفت انتباه الكثير من الشباب من أصحاب المواهب له، إذ أصبح الشباب من المبتهلين والمنشدين يبحثون عن الجديد ما تسبب فى اندثار التراث وضياعه، فقد نسى الشباب الفشنى والنقشبندى وعمران وبدأوا فى تقليد اللون الجديد أمثال ماهر زين ومصطفى عاطف وغيرهم والذين هم بعيدا عن روح الابتهال الصحيح إذ يعد ما يقدمونه هو "أغنيات" وليست مفهوم الإنشاد والابتهال الصحيح.

وعن بعض الخفايا فى حياة الراحل محمد عمران، فقد سرد محمد رشاد أن المبتهل الراحل اشترى المدفن الخاص به قبل وفاته بـ10 سنوات، وكان يذهب للمدفن كل يوم جمعة ويقرأ فيه القرآن لبعض من الوقت ثم يغادر.

وأكد محمد رشاد أنه حريص على الذهاب لمسجد حسن الأنور والذى كان يحيى به الراحل محمد عمران بعض الليالى، وفى ذات ليلة تمت دعوته، لإحياء ليلة ولم يكاد يتمالك نفسه حين جلس على ذات الكرسى القديم الذى كان يشدو من فوقه عمران بأجمل التلاوات والابتهالات، وقد غرد ببعض ابتهالات محمد عمران، وحين انتهى تفاجأ برجل يقف وراءه ويبكى بحرقة، وتبين أنه أحد قيادات وزارة الداخلية على المعاش، والذى كان صديقا للراحل محمد عمران وقال له إنه نزل من منزله مهرولا بملابس و"شبشب" المنزل حين سمع صوته من خلال ميكرفونات المسجد.

رحلة طويلة عاشها الشاب المبتهل فى حب الراحل محمد عمران، سوف يتم تكليلها بالالتحاق باختبارات الإذاعة بعد أشهر قليلة على أمل أن تحظى الإذاعة المصرية بـ"عمران" جديد يقدس التراث ويعمل على إحيائه.